رياض الحسيني&
&
بين تطمين من جانب وتهديدات من جانب اخر، تعيش بغداد اجواء الحرب هذه الايام. وبما انه لا يمكن التكهن بما سيحدث ومن سيكون صاحب الضربة الاولى والتي ستكون حتما القاصمة ان لم تكن الحاسمة، فانه بالطبع لن تكون بغداد صاحبت المبادرة المميتة هذه لانها ستفتح ابواب جهنم على كل ما هو بعثي عراقي في كل العراق وربما خارجه ايضا (على غرار ما يحدث لتنظيم القاعدة). وان كان من المرجح ان اميركا ستكون صاحبت القرار وهي وحدها تعرف اين ومتى ستضرب. وان كان الشاعر نزار قباني لا يؤمن بوجود منطقة وسطى بين الجنة والنار - هذا في مضمار الحب- الا انه في السياسة الدولية فانه ليس لهذه المنطقة وجود فحسب وانما فاعلية، وقدرة على خلط الاوراق ببعضها، وقلب موازين، بل وتعديل كفة خاسرة لو قُدّر لها النجاح.
ربما باتت الضربة ذات الجهات الست وحسب المصادر الاميركية مسألة مفروغ منها. وان التخلص من النظام العراقي الحالي مسألة وقت ليس الا. ترى وقد عوّلت الادارة الاميركية في رؤيتها المستقبلية لعراق الغد على فصائل ست - ربما لا تمثل كل القاعدة الجماهيرية العراقية - على الاقل في المنفى من وجهة نظر البعض ولكنها تمثل على الارجح الغالبية من وجهة نظر مجموعة الستة.
ترى وفي هذا السياق وفي جوانح هذا السيناريو الذي ابرمته الادارة الاميركية مع ممثلي تلك الفصائل لدى زيارة الاخيرين الى واشنطن الشهر المنصرم، هل تم الاتفاق فيما بينهم على عدم التحرك الا بضوء اميركي اخضر ؟! وهل شملت كلمة الشرف المعطاة هذه الى ممثل الادارة الاميركية حتى الفصائل المبعدة من قبل تلك الادارة ومجموعة الست ؟! بمعنى ان كانت مجموعة الست لا تملك قرار التحرك لتحرير العراق والاطاحة بصدام ونظامه من دون الجنرال الاميركي ! فهل ان الوضع منطبق على الفصائل الاخرى ؟! خصوصا ونحن نقرأ التصريحات العلنية والمانشيتات الصحفية لتلك الفصائل المبعدة عمدا رغم قاعدتها العريضة حسبما يؤكد كل منهم. تلك التصريحات التي ترفض وبشكل قاطع مساعدة اميركا في حربها على صدام معتبرين ان الحرب في الحقيقة ما هي الا حربا على العراق وثروات العراق بعد التخلص من صدام وبما يضمن المصالح الاميركية ومن بعدها الاسرائيلية. وان كانت القاعدة الجماهيرية هي عماد التحرك، وان التغيير لا يجب ان يكون الا من قبل الشارع العراقي وهو وحده المعني بتلك المسألة، فما الذي يوقف تلك الجهات من التقدم على هذا الاساس والتحرك على اساس عنصر المباغتة والتوقيت المناسب والاعتماد على الحركة التعبوية الجماهيرية ؟! بيد انها فرصة ثمينة للتحرك سواء من قبل مجموعة الستة او من قبل المجاميع الاخرى. ثمينة من جهات عدة اهمها: استغلال الوقت، وانشغال النظام العراقي بنفسه، وتذمر الشارع العراقي لدرجة ان ذاكرته بدأت تستعيد تلك الايام ما جرى في عام 1991 وما تخلل انتفاضة شعبان من تخلي عناصر الامن وافراد حزب البعث عن الدفاع عن مبادئ الحزب والثورة وشعارات القائد ! وان كان هنالك امرا في غاية الاهمية وهو مبدأ الربح والخسارة فهذا امر لا بد ان يوضع في الحسبان بطبيعة الحال في أي حرب مهما كان نوعها.
لا شك ان هنالك سؤال يقلق المعارضة العراقية واميركا على السواء وهو: هل ان صدام يملك حقيقة اسلحة دمار شامل ؟ وهل لا زالت لديه القدرة على استخدامها ؟ واين هي الان ؟ وما هي الشاكلة التي سيتم على اساسها استخدام مثل تلك الاسلحة ؟ ومن سيكون المسئول عن كبس زر اطلاقها ؟
كما ولا شك فيه ان هنالك امر من امرين وهو ما من شأنه ان يبدد مخاوف المعارضة العراقية واميركا على السواء ايضا وهو: اما ان يكون النظام العراقي في حوزته اسلحة دمار شامل، ولديه القدرة على استعمالها اذا ما وجد فرصة مناسبة لذلك ! واما انه لا يملك وهو كعادته يراهن على الاعلام والاعلام المضاد والحرب النفسية ؟! وفي كلتا الحالتين انها فرصة المعارضة العراقية، واخص بالذكر لا الحصر تلك التي تراهن على قدرة الشعب العراقي على التغيير. ولست من اليائسين بقدرة هذا الشعب المعطاء الذي قدّم من الضحايا ما فاق بلد المليون شهيد. كما وان الوقت قد حان لتلك الامهات ان تخلد للراحة وهي تستعد للحاق بذلك الركب المقدس وهي تمتاز بجيل لم يخلد للراحة على حساب الشرف والعقيدة والمبدأ !
اقول فرصة المعارضة العراقية لانه وببساطة شديدة لسببين: الاول، غسل عار الذل والهوان الذي بات وصمة توصم به المعارضة العراقية دون استثناء فضلا عن تسجيل رقما اخر في سجل المقاومة والتأريخ المجيد الناصع لصراع الامة العراقية مع الظلم والطغيان والتجبر. اما السبب الاخر فهو قطع الطريق امام اميركا لجني ثمرة لم يكن لها فضل في غرسها او قطفها، فضلا عن وضعها والمجتمع الدولي امام امر واقع وهو حيازة صدام لاسلحة الدمار الشامل (فيما لو كان يملكها وفيما لو استخدمها) وهذا بحد ذاته نصر للمقاومة العراقية دون خسائر جسيمة تذكر. اضافة الى ذلك انها فرصة ثمينة لكي تمارس المعارضة العراقية العملية التغييرية ميدانيا بدلا من المعتاد عليه وهو الطريق السياسي والدبلوماسي الذي لم يثبت نجاعته في احلك الظروف او أسهلها خصوصا وانها في صراع مع الزمن والجبابرة. عند ذاك تكون المعارضة العراقية قد ضربت اكثر من عصفور بحجر كرامة وشجاعة واحد. وعند ذاك نكون قد استحقينا شرف لقب المعارضة الميدانية الشريفة غير الذليلة او التابعة او المتهاونة على اكثر التعابير الدبلوماسية شفافية ونعومة.
ربما يعلل البعض عدم قدرة المعارضة العراقية على التحرك بهذا الشكل والاستكانة الميدانية الى ما ستفرزه تلك العملية من حرب اهلية او طائفية ؟! ترى وفي حال غطاء اميركي هل ستسقط تلك الورقة ؟! ليس في الافق ما يُثبت ان هناك من سيدافع عن صدام ونظامه بيد انه لم يبق احد في العراق الا وناله نصيب من الاذلال والقمع. فما ذاك اذن الا هلع ليس في محله وتقدير خاطئ لا ينم عن دراية بالواقع العراقي والتركيبة الاجتماعية العراقية، والتي تتميز عن غيرها بانها لن تقف (اراديا او مرغمة ) الى جانب سلحفاة مرعوبة بدت متكورة في جوها الصلب الذي لا يُكسر ولا يؤثر فيه الضرب، حتى لو تدحرجت بفعل بسيط واستقلت على ظهرها، ظهر عجزها وبدت سوأتها.
إعلامي عراقي مستقل