عبدالله العباسي
&
عند الحديث عن المصالحة بين حكام المنطقة وشعوبها؟ لا يعني ان هناك قطيعة بين الطرفين بل قياسا بين حكام البلاد العربية وشعوبها تعتبر علاقات متميزة.. لان اي خلاف يحدث بينهما لا يتجاوز دائرة العتاب او الاحتجاج النظري من قبل بعض القوي الليبرالية بمعني ان العلاقة لا تبلغ درجة السخونة والحالة المرضية الخطيرة. ثم لان المعارضة او الجمعيات السياسية في منطقة الخليج تدرك حدودها وتعرف بعمق ان دستورها يحدد سقف طموحاتها فهذه الطموحات لا تتجاوز حدود بحث تحسين الاوضاع المعيشية للمواطن وتوسيع هامش الحرية ورفع سيف اجهزة الامن عن رقبته وايقاف الملاحقات المسببة لنرفزة المواطنين، اما ان يبلغوا مستوي تغيير النظام فهذا ليس من حقهم اطلاقا لان الدستور المتفق عليه بين الشعب والنظام هو ان الحكم وراثي في الاسر الحاكمة ولا يمكن تغييره وقد تم هذا برضا الطرفين. ومن هنا فان الانسجام بين شعوب المنطقة وحكامهم اقرب من النفور والتمرد كبقية الشعوب العربية. لكن كيف يمكن اخلاء العلاقة بين شعوب المنطقة وانظمتها من اي كدر او نفور وبالتالي تنتهي بالمصالحة المستدامة؟ ان اكثر ما يضيق المواطن الخليجي به هو انه يعيش في بلاد نفطية لكنه يعيش في معظمه اوضاعا مادية غير ميسورة لا يجب ان يكون فيها، فاذا لم يبلغ درجة الرفاهية والدلع فعليه ايضا ان لا يبلغ درجة الفقر. والبحرين يمكنها تحقيق وضع افضل لو خلت البلاد من الفساد الاداري وتمت مراقبة الجهاز التنفيذي في ادارة اموال الدولة من خلال مراقبة جادة وصادقة. قد يقول احدنا ان دول المنطقة في معظمها لا تشذ عن قاعدة سيطرة الفساد الاداري وحتي الدول التي لديها مجلس نيابي تشريعي صارم مثل دولة الكويت بها مثل هذا الفساد هذا الكلام صحيح لكن نسبة هذا الفساد وبعثرة المال العام اقل في الكويت ثم لان الامكانات النفطية والثروات الاخري الكبيرة التي لديها تجعل هذا الفساد غير مؤثر. فامكاناتنا الاقتصادية ليس بها ذلك الهامش الكبير من المجال لاخفاء التلاعب بالمال العام فمن هنا فان الوضع البحريني مختلف ويفرض ايقاف الفساد الاداري والتلاعب بالمال العام وبدء عملية تنموية نشطة حتي تتمكن الدولة من خلق مصالحة حقيقية بين الحكومة والشعب. وقد انتبه عظمة الملك الي اسباب التوتر وعلاقة التشنج التي سادت في التسعينات فبدأ باصلاحاته الجادة علي خطين متوازيين هما: غ التحسين المعيشي. غ التنفيس من خلال انهاء الاحتقان السياسي وخلق مرحلة من الحرية والشفافية التي ستساعده للخروج من المأزق الذي فرض علي البلد من خلال الجشع حتي تقع مسئولية المواجهة علي الشعب وجمعياته السياسية بدل ان يضع نفسه في مواجهة معهم فيكون (بيد عمرو لا بيده) عكس المثل المعروف (بيدي لا بيد عمرو). ومهما يكن من امر فان الاصلاحات التي بدأت علي يد عظمته كفيلة بتحسين اوضاع المواطن خاصة اذا امكن خلق انسجام بين المجلسين المعين والمنتخب، واستطاع المجلس المنتخب رعاية مصالح الشعب بالتركيز علي المشروعات التي تنتشله من وضعه الحالي وامكن للمملكة لو فرض علي الجهاز التنفيذي بدء عملية تنمية حقيقية وبمحاصرة الفساد الاداري الذي ساد. ان التنمية تعني انهاء عصر الفقر من خلال انهاء مرحلة البطالة ورفع مرتبات المواطنين وتحسين اوضاعهم، ساعتها يتحول المعارض الي مبارك لنظامه والقهر الي استقرار نفسي ومحبة للنظام والنفور الي انسجام. ان المواطن البحريني اوعي من ان يقارن بين وضعه ووضع اشقائه في دول المنطقة فهو يدرك جيدا ان قدره كتب عليه ان تكون امكانات بلاده محدودة مقارنة بدول المنطقة، لكن الذي يجعله في وضع نفسي متوتر هو ادراكه ان هذه المملكة الصغيرة قادرة علي تجاوز الكثير من ازماتها اذا اوقف الفساد الاداري ونهب المال العام وارفق مع هذه الروشته وصفة اخري هي الانتهاء من عصر التفرقة العنصرية والمذهبية ساعتها يرضي بما قسمه الله له من رزق.. وهناك اتفاق لدي كل المحللين السياسيين والاقتصاديين وكل المثقفين علي ان استمرار عظمة الملك في مشروعه الاصلاحي سيوسع من هامش رزق المواطن البحريني بمجرد ان تتم حركة تنموية حقيقية بالمشاريع التي يأتي المستثمرون الاجانب لاقامتها في البحرين وانهاء مرحلة البيروقراطية التي تقف في وجه التنمية اينما كان. سأل مرة احد الاقتصاديين في دولة عربية نفطية وزراعية كبيرة عن الذي يقف في وجه المستثمرين هل الجمارك؟ هل عدم الاستقرار السياسي في بلادهم؟ هل عدم وجود تسهيلات؟ هل تعامل المواطنين مع الاجانب؟ فأجاب بعبارات قليلة ومختصرة، كل ذلك موجود من الرسوم المتدنية في الجمارك الي التسهيلات الي الاستقرار السياسي وغير ذلك لكن العقبة الوحيدة في بلادنا هي بيروقراطية التعامل من قبل اجهزة الدولة الرسمية!! تري ماذا كان سيجاوب هذا الخبير الاقتصادي عن بلادنا لو طرح عليه السؤال نفسه من قبل المذيع؟ اعتقد انه كان سيجيب بنعم: كل تلك الاسباب التي ذكرها مضافا اليها تلك البيروقراطية القائلة ما عدا الميزة الطيبة الوحيدة التي قد لا توجد في اي بلد آخر غير هذا البلد وهي طيبة اهل البحرين والتعامل الطيب مع كل من تطأ قدمة ارض هذه البلاد. ان مملكتنا بفضل سياسة الانفتاح الجديدة قادرة ان تتطور وتنمو لو ان العراقيل التي سدت مجري التنمية خلال ربع القرن الماضي علي يد مسئولين فشلوا في استغلال موقع البحرين المتميز وتسببوا في تغيير وجهة طائرات المستثمرين الي عواصم خليجية اخري فحطوا برحالهم ورساميلهم في بلدان ينهون فيه كل الاجراءات خلال ست ساعات فقط مقابل اكثر من سنة علي حد تعبير احد كبار المستثمرين الذي سأم الاجراءات العقيمة ومحاولة الابتزاز غير المبرر له فغادر مملكتنا الي عاصمة خليجية اخري. وقد شخصت الزميلة سوسن الشاعر الوضع في البحرين واسباب التخلف التنموي فيها حين قالت في مقال سابق لها: (هناك فرصة كبيرة امام البحرين لان ترقي لمصاف الدول الغنية وفرصة حقيقية بامكانها ان ترفع من المستوي المعيشي للمواطنين البحرينيين لما تملكه من العديد من المقومات الا انه مع الاسف الوقت ليس في صالحها وبقاء كثير من المعوقات والابقاء علي العقليات التي تسببت في تأخيرنا في مواقع القرار الي اليوم ليس في صالحها). ان المصالحة بين حكام الخليج وشعوبهم تحتاج الي بعض العمل الجاد في مجال الاهتمام باوضاعهم خاصة في بلادنا وليس ذلك بالامر المستحيل او بحاجة الي فلاسفة مثل ابن رشد والفارابي وارسطو وافلاطون بل بحاجة الي طيارين جسورين قادرين علي اتخاذ القرار الصائب للوصول بها الي المطار الآمن بسلام حتي لو اصيبت باي عطب مفاجئ فما أكثر ما شهد العالم انزال طائرات بعد ان شب حريق ببعض اجزائها لكن وراء ذلك كان كابتن ناجح ومساعد قدير وذكي وطاقم متماسك.(عن "الأيام" البحرينية)