ميشيل جلينون
&
كان هناك جو من الوهم ومنافاة الواقع يحيط بالحوار حول العراق في مجلس الأمن. وسواء نجح التفتيش أو لم ينجح فهذا الوهم لن يختفي. فعلي مدي ثمانية أسابيع جادل مجلس الأمن حول مشروع قرار أمريكي يتعلق بالعراق ، واحتمال مواجهة صدام حسين ، و تجادل الدبلوماسيون حول كل كلمة. وشروط التفتيش الصارمة التي تمخض عنها القرار الجديد سجلت انتصارا دبلوماسيا للولايات المتحدة على الرغم من أن المجلس رفض أن يخول الولايات المتحدة استخدام القوة الذي طلبته بشكل صريح.
ومع ذلك مال الحوار المحكم إلى إخفاء حقيقة جذرية وراءه: انهيار قواعد القانون الدولي التي تحكم أستخدم القوة. وادعت الولايات أنها ليست في حاجة إلى موافقة مجلس الأمن، وكانت الإدارة الأمريكية تصر دائما على أن لها الحق في مهاجمة العراق بغض النظر عما يقرره المجلس. وقال وزير الخارجية كولين باول أنه في حالة انتهاك القرار 1441 في إمكان المجلس أن "يقرر ما إذا كان يلزم اتخاذ إجراء. بيد أن الولايات المتحدة تحتفظ بخيار اتخاذ إجراء، ولن تكون ملزمة بالضرورة بما قد يقرره المجلس."
لماذا ينفق مجلس الأمن شهرين ليقرر ما إذا كان يخول استخدام القوة إذا كان قراره غير ملزم؟ كيف يمكن أن يكون قرار المجلس ملزما للعراق وغير ملزم للولايات المتحدة ؟ ولم تفسر الإدارة جوابها عن هذا السؤال علنا . ولكن نظريتها المستترة قد تكون ورثتها من سياسة إدارة كلينتون في البلقان. وعندما سئل باول حول ما إذا كانت الولايات المتحدة مازالت تنشد موافقة صريحة من مجلس الأمن لمهاجمة العراق أجاب: "للرئيس السلطة، مثل أي بلد يشاركه تفكيره، ومثل ما فعلناه في كوسوفو".
ولم يخول مجلس الأمن استخدام القوة مطلقا ضد يوغوسلافيا. وفي حالة عدم موافقة مجلس الأمن يحظر ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس. ولم يدع الناتو الذي قاد الحرب في كوزوفو بشكل جدي مبررا يقوم على حق الدفاع عن النفس. ولم& تقدم الولايات هذا المبرر فيما يتعلق بالعراق. وإذا وضعنا في الاعتبار التناقض بين التخويل الذي جاء ذكره في الميثاق، والرأي الأمريكي السائد حول العراق وكوزوفو ، فماذا حدث للقانون الدولي؟
ومن الصعب تجنب النتيجة أن نصوص الميثاق التي تحكم استخدام القوة لم تعد ببساطة قانونا دوليا ملزما. وبالطبع لا يريد صانعو السياسية الاعتراف بهذا . وعندما يواجهون هذا السؤال من السهل إطلاق سحابة من الدخان كأن يدعوا أن قرار مجلس الأمن بتخويل الحرب في الخليج في 1990 لا يزال يخول السلطة اللازمة ، وليس من المتوقع من الصحافة أو الرأي العام أن يفحص لغة قرارات مجلس الأمن لتقييم هذا الادعاء. ومن الأفضل طرح السؤال بلغة المحامين لا مهاجمة المبدأ الأساسي للنظام القانوني الدولي. وهذا ما فعله صانعو السياسية خلف الأبواب المغلقة، فعندما أبلغ روبن كوك وزير خارجية بريطانيا السابق ، مادلين أولبريت أنه يواجه مشكلة مع محامينا حول استخدام القوة ضد يوغوسلافيا دون موافقة مجلس الأمن ردت عليه اولبريت قائلة "هات محامين غيرهم" والمحامون الجدد كانوا سيقولون أنه منذ 1945 انخرطت عشرات من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في أكثر من 100 نزاع عسكري قتل فيها الملايين.
وسجل الانتهاكات له دلالة قانونية فنظام القانون الدولي طوعي ، والدول غير ملزمة إلا بالقواعد التي تقبلها. وفي الإمكان أن تفقد أي معاهدة إلزامها إذا انخرط عدد كاف من الأطراف في سلوك مناف لقيود وشروط المعاهدة. فقبول الدول الأعضاء في الأمم المتحدة للحظر العام ضد استخدام القوة كما هو منصوص عليه في الميثاق حلت محله النية المتغيرة المعبر عنها بالأفعال.
ولذلك فالولايات المتحدة على صواب عندما تقول أنها لا تخالف القانون عندما تهاجم العراق حتى بدون موافقة مجلس الأمن. ويبدو أن الميثاق حدث له ما حدث لميثاق كيلوج - بريان الذي أفاد بعدم قانونية الحرب، ووقعت عليه كل الدول الكبرى التي اشتركت في الحرب العالمية الثانية.
وبالطبع يبقي أنه من المفيد سياسيا اتخاذ إجراء بتأييد من مجلس الأمن ، ولكن من المفروض أن الميثاق يعلو على السياسات الداخلية. والمسألة الملحة اليوم هو انهيار القواعد الدولية التي تحكم استخدام القوة مرة أخرى. وإلى أن تعالج هذه المشكلة سوف تستمر مداولات مجلس الأمن حول استخدام القــوة مشوبة بعــدم الواقعيــة غير واقعية.
&

ميشيل جلينون أستاذ القانون الدولي في مدرسة القانون والدبلوماسية في جامعة توفتس ومؤلف كتاب" حدود القانون صلاحيات القوة ، نظرية التدخل بعد كوزوفو". (نيويورك تايمز)