سالم بابل المراغي
&
يقول الأستاذ مأمون الهضيبي زعيم جماعة الاخوان المسلمون أنه اندهش من تصريحات سمو الأمير نايف ابن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودية والذي وصف في حوار اجراه معه احمد الجار الله رئيس تحرير جريدة السياسة الكويتية جماعة الاخوان المسلمون بأنها أس البلاء وسبب كل الخراب والفتن التي المت بالأمة العربية.
ولا أدري لماذا يندهش زعيم جماعة الاخوان من تصريحات سمو الأمير نايف وكل الشواهد والسوابق والتجارب في تاريخ الاخوان تؤكد حقيقة أنه ما من شهر عسل أو تحالف بين الاخوان وأي طرف او حزب او جماعة ودولة إلا ولم يكتمل.. ولذلك وبدلا من الاندهاش كان من الواجب على المرشد الجديد للجماعة ان يبدأ عهده ويتوقف ويسأل نفسه ولو لمرة بصدق: لماذا ينفض الأصدقاء والحلفاء دوما من حول الاخوان وهل العيب يكون دائما وبحسب روايات الاخوان في الطرف الأخر ام في الاخوان انفسهم.. عموما ما حدث ويحدث دائما هو الوضع الطبيعي والنتيجة الحتمية لجماعة تشتغل بالسياسة اكثر مما تشتغل بالدين.. ولذلك فلا عجب ان يكونوا أول من تنطبق أو تطبق عليهم المقولة السياسية: لا توجد عداوات دائمة ولا توجد صداقات دائمة والجماعة صادقت او لنقل تحالفت مع شتى الوان الطيف السياسي في مصر وغيرها سواء ما قبل الثورة او بعدها ليتأكد حقيقة ان كلام الليل مدهون بالزبد سرعان ما تشرق عليه شمس النهار يسيح وينتهي كل شيء بالتبخر ويبدأ الصدام مع حلفاء الأمس ومع من مدوا لهم يد العون والمساعدة وبعد ذلك يتعجب الأستاذ مأمون الهضيبي من صراحة الأمير نواف.
قال لي احد الذين يعتنقون فكر الاخوان وهو يعلق لا على صراحة الوزير السعودية فحسب وانما.. ايضا على مداخلات لكتاب اخرين فضحوا تاريخ الاخوان.. اذ علق قائلا لا فض: تلك تعد جرأة كبيرة ان تصل الكتابات في حق الاخوان وزعمائها الى هذه الدرجة.. وقد رددت عليه بالقول: الذي اعرفه ان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء والمرسلين ونحن لا نزكي على الله أحدا وان كانت قدرة الله وحكمته وعظيم عطائه ان يبعث كل مائة عام من رجال الأمة من يجدد في الوسائل والطرق وصولا الى الغايات السامية الحقة.. ويقيني ان العقود طالت والأمام حسن البنا رحمه الله أدرك شطط وجنوح أتباعه قبل رحيله عندما وصف قتلة النقراشي باشا بأنهم لا أخوان ولا مسلمون لذلك فالسبعون عاما الماضية من عمر الحركة تعد وبالا على الأمة وعرقلة مسيرتها فقد أثبتت تلك العقود المنصرمة كم هي الأمة سارت في الطريق الخطأ وحزب أو معول الاخوان المسلمون كان من اهم المعاول التي خربت المسالك والطرق الصحيحة ونخرت في البنيان السليم للأمة.. وذلك ليس كلامي أو كلام الأمير نايف وانما هو كلام الواقع والشواهد التاريخية والتجارب.. والتي كانت جماعة الاخوان الطرف الاخر فيها ولذلك فان الانصاف يقتضي منا ان نترحم دائما على الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي اقترب من الاخوان في محنتهم ومحنته.. ومحنة الأمة كلها عام 48 اذ عاد الاخوان من الجبهة ليمنوا عليه وعلينا بأنهم كانوا السبب في انقاذه ونجدته من حصار الفالوجا وكأن المدن لم تسقط يومها وكأن جمال ليس جنديا في جيش هم جنود فيه وكأنهم يريدون ان يقبضوا الثمن منه ومن الثورة وكأن الأمة انتصرت ولم تهزم في 48 .. عاد الاخوان ليبحثوا عن غنائم بغير انتصار وعن شرعية لا يستحقونها أعلنوا وصايتهم على الثورة ودعوتهم للضباط الأحرار أن يعودوا الى ثكناتهم واما هم أي الاخوان فمكانهم لا المنابر والدعوة وانما الكراسي والحكم والصراع مع كل الاحزاب والحكومات قبل الثورة وبعدها حتى المستعمر جربوا معه وبعد ذلك يلوم البعض عبدالناصر والذي كان شجاعا فتغذى بهم قبل ان يتعشوا به والذي لولاه.. او لنقل لولا عناية الله أولا لكانت مصر صورة اخرى من أفغانستان طالبان.. أقرءوا الوثائق وما تنشره جريدة الراية وسوف تدركون بأن الهدف لم يكن طرد الجيش الأحمر من أفغانستان بقدر ما كان الهدف ايجاد ساحة خصبة للعب فيها وقاعدة للانطلاق منها بالفعل أعدوا الخطط لاعلان الخلافة من هناك وافلحوا في جانب واخفقوا في جوانب!
لذلك يكون عجيبا بالفعل عندما يتسائل الأستاذ مأمون الهضيبي وفي براءة لا يحسد عليها وكلمات معسولة بالقول موجها سؤاله للأمير نايف: وما هي تلك المشكلات التي سببناها للمملكة العربية السعودية تحديدا؟ ولذلك فانني بدوري أسال المرشد العام عن ما اذا كان لا يعرف حقيقة ما الذي حدث للمملكة وهو صورة مما يدبر للأمة كلها ويتم دفع فاتورته جملة وقطاعي المملكة يا سيدي بسببكم وجدت نفسها في حالة تصادم كانت في غنى عنه.. المملكة يا سيدي أول من اضير وهي الآن على الأجندة وعلى الشاشة واصبحنا نرى ونسمع تصريحات لم نعهدها من قبل مثل تقسيم المملكة وضرب مكة بالقنابل.. ولا تقل لي في براءة وما ذنب الاخوان في كل هذا؟ لا أنتم مسؤولون والسبب بالقطع وباليقين هو ذلك الفكر لتلك الجماعات التي تعمل بالسياسة اكثر مما تعمل بالدين وناصبت الجميع العداء.. الأوطان قبل العدو فنقلت المعركة الى عقر ديار الاسلام.. وجل تلك الجماعات خرجت من بين عباءة الأخوان.
السعودية أضيرت والأمة كلها اضيرت يا أستاذ مأمون.. دعك من 11 سبتمبر وانما لنعود الى ما قبل 11 سبتمبر بسنوات وعقود حيث الامال المعقودة على نهوض أمة قوية واحدة تستفيد بامكاناتها وثرواتها ولكن لا بدلا من ذلك كان هناك اكبر اسفين دق في جسم أهم قطرين عربيين مصر والسعودية من خلال الاخوان .. ولذلك فانني أسأل هل كان هناك صراع حول مياه وحدود أو ثروات واشياء من ذلك القبيل حتى حرب اليمن لم يكن لها ذلك التأثير.. والأسفين الذي دقه الأخوان هو اسفين وشاية وتحريض وتخويف ليس الا عزفوا على وتر الاختلاف في الرؤى ما بين القاهرة والرياض في زمن القيادتين التاريخيتين ناصر وفيصل وفي زمن المد العربوي العظيم فانشق الصف بسبب الاخوان وبعد ذلك يندهش الاستاذ مأمون من تصريحات الوزير السعودي.
اذن لماذا تنكر على الوزير صراحته وصدقه وهو يرى أوراق التوت تتساقط واحدة بعد الاخرى.. الاخوان الذين أوتهم المملكة وخرجوا منها اثرياء يجرحونها ويكتبون مذكراتهم عما جرى وكان؟
... لماذا لا يصرح الوزير ووالده المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة تنبه لدور مصر وشدد في أواخر ايامه وهو على فراش الموت وأوصى ابناءه خيرا بمصر وان لا يغفلوا صحبتها واخوتها ففي ذلك مصلحة للبلاد والعباد والأمة كلها.. وكأنه رحمه الله كان يقرأ في كتاب مفتوح ويستشرف المستقبل برؤية حكيمة اذ باعدت وشايات الاخوان بين السواعد ارتأوا ان مصلحتهم تكمن في ذلك لماذا لأنهم لا يريدون ان ينسوا وما زالوا يضمرون العداء لناصرتلك عقدة حقيقية حتى تحول العداء لشخص ناصر الى عداء للوطن كله ولعلني لا أكون مبالغا اذا قلت: ان الشيوعية لم تجد لها سوقا في مصر في فترة ما الا بسبب الاخوان وردا عليهم ونكاية فيهم فالأزهر تم تطويره في عهد ناصر والمعاهد الازهرية انتشرت واذاعة القرآن الكريم بدأ بثها وربما كان عبدالناصر اكثر القادة الذين عرفتهم مصر محافظة وتدينا على الأقل خلال المائتي عام الأخيرة وقد كان حريصا على أداء الصلوات والعمرة واعتلاء منبر الازهر وإبراز ذلك والحرص عليه كقيمة وسلوك شخصي في بيته مع اسرته وزوجته ولا يتسع المقام لشرح وسرد تفاصيل حياته البسيطة التي تؤكد كم كان انسانا ملتزما قانعا وربما يتعجب البعض عندما أقول كيف تجد الشيوعية لها مكانا بين صفوف الطلاب والعمال والمثقفون وعبدالناصر القائد فيه كل تلك الصفات؟ أقل لكم: السبب هو نكاية في الاخوان كما قلت... الأخوان هم الذين اوجدوا تلك الكذبة وصدقوها وقسموا المجتمع الى فلسطين كما يقول أسامة بن لادن اما مع الاخوان او ضدهم وكان من الطبيعي ان يكون الناس ضدهم ومع ناصر.
يروى ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان في المسجد فقال: يدخل عليكم رجل من أهل الجنة فدخل رجل تقطر لحيته ماء من اثر الوضوء فتبعه أحد الصحابة ليعمل بعمله فلما استضافه في بيته ثلاثة ايام ورأى أن عمله بسيط فقال له : ان الرسول صلى الله عليه وسلم اخبر انك من أهل الجنة فقال لا أنام يوما من الأيام وفي قلبي على أحد من المسلمين غلا أو حسدا أو حقدا.. قال بذلك نلت ذلك.
ولا يخفى على أحد ان جماعة الاخوان المسلمون مثقلة بأغلال وأحقاد الماضي ولا تريد ان تنسى.
كاتب مصري