دعا وزير الخارجية الأمريكي كولن باول السعودية الى تقرير الطريقة التي ستتبعها نحو عصرنة مجتمعها.. وقال باول في حديث مع صحيفة القدس العربي: إن كيفية إحداث التغيير في المجتمع السعودي وإعداده للقرن الحادي والعشرين هو أمر متروك للسعوديين.. وأعلن باول عن مبادرة أمريكية لتعزيز الديموقراطية في الشرق الأوسط وتخصيص مبلغ 19 مليار دولار لها.
هذا الخبر الذي نشرته قناة البي بي سي الإخبارية على موقعها في شبكة الإنترنت، جاء بعد سلسلة هجمات شنتها وسائل الاعلام الأمريكية وبعض القطاعات الحكومية على المملكة العربية السعودية وآخرها اتهام الأميرة (هيفاء) زوجة السفير السعودي لدى واشنطن بتمويل الارهاب.. الذي مازال يلقي بشبح ظلاله بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر على العلاقات السعودية الأمريكية.
ان تحليل هذا الخبر في رأيي لا يتم دون معرفة أي خلفية عن الصحيفة التي نشرت المقابلة الفريدة من نوعها.. فصحيفة القدس العربي والتي يمتلكها عبدالباري عطوان ليست بالصحيفة المرموقة التي يمكنها الحصول على مثل هذا التصريح أو المقابلة لمجرد المنافسة أو السمعة البراقة.. خصوصا إذا عرفنا انها لا تنتهج خطا واضحا في سياستها وسياسة تحريرها.. حالها كحال رئيس تحريرها الذي يدلي بتصريحات للقنوات العربية وكأنه لسان تنظيم القاعدة الناطق.. يشتم (سلسفيل) القاعدة للمحطات الأجنبية!
لو سلمنا جدلا بسعي الصحيفة الحثيث نحو هذه المقابلة وحصولها عليها.. فلأنها باعتقادي في نظر الإدارة الأمريكية أفضل وسيلة لإثارة فتنة بعد قناة الجزيرة.. ولو اسقطنا هذه الفرضية وقلنا ان الصحيفة لا تسعر للحرب ولا تفتن المؤمنين فهي في أحسن أحوالها قد وجهت هذه المقابلة نحو شتم السعودية تحت اطار عصرنتها.. وهذا هو دأب رئيس تحرير القدس العربي الذي يشتم دولا ديموقراطية ويقف مع دول استبدادية من الدرجة الأولى لسواد حبر شيكاتها!
ولا شك بأن أمريكا تؤيد انتهاج الديموقراطية في دول كثيرة من العالم.. وهي في الوقت ذاته تسحق الديموقراطيات المخالفة لها في الرأي فضلا عن المعارضة لمصالحها القومية.. ولا غرر من مشاهدة أمريكا تربت على أكتاف عتاة الدكتاتوريين أو الاستبداديين وسحقها لديموقراطيين تشربوا الديموقراطية حتى النخاع.. ولا أدل على هذا من الكاركاتير الذي نشرته مجلة النيوزويك الأمريكية والذي صور الرئيس الأمريكي وهو يندد بالغازات السامة التي استخدمها العراق ضد شعبه وسوف يستخدمها ضد جيرانه.. ثم احتضانه للرئيس الروسي بوتين الذي استخدم غازا خطيرا في عملية تحرير رهائن المسرح الروسي لم يكشف عن مجرد اسمه للمستشفيات المعالجة للمصابين!
و لاريب ان الادارة الأمريكية ومن خلفها اللوبي الصهيوني كانت تتربص بالمملكة العربية السعودية الدوائر.. ولم يكن هذا التربص لسواد عيون المواطنين السعوديين أو لعدم وجود البرلمانات الديموقراطية والمجالس المنتخبة فيها.. وإنما للدراسات الخطيرة التي أجراها الكونغرس الأمريكي والمؤسسات البحثية الأمريكية والتي توصلت إلى ضرورة السيطرة على البرك النفطية الخليجية.. وخصوصا بعد حرب 1973 ومنع الملك فيصل رحمه الله بيع النفط لأمريكا.
إذا ما نظرنا إلى اللوبي الصهيوني كطرف في هذه القضية فاننا نجده مذنبا والمستفيد في الوقت ذاته فهو المذنب في توتير العلاقات السعودية الأمريكية وربما العميل في الأحداث المسببة لهذا التوتر وقد فاحت ريحته في الآونة الأخيرة، لخوف اليهود على دولتهم ومكتسباتهم من مبادرات الأمير عبدالله الجريئة والتي تحظى بقبول عربي وإسلامي.
وإذا ما اتفقنا على ان الولايات المتحدة قد حققت رغبتها في السيطرة ولو جزئيا على نفط الخليج وضمنت عدم تكرار ما فعله الملك الراحل فيصل، فإن اللوبي اليهودي هو المستفيد من تحجيم السعودية أو في إدخالها في حرب مع الولايات المتحدة.. ولهذه الأسباب فإن السؤال الذي يخطر ببال كثير من المراقبين الذين قرأوا تصريحات كولن باول المذكورة أعلاه هو: هل فعلا تريد أمريكا من دول العالم انتهاج الديموقراطية؟ أم انها تريد افتعال أي قضية مع السعودية تحت شعار عصرنتها؟