عبدالله العباسي
&
محاضرة المفكر الايراني هاشم آغاجردي عن آراء الدكتور علي شريعتي في الاصلاح والتجديد في الاسلام التي اثارت غضب المحافظين الذين حكموا عليه بالاعدام غير ان تمرد الطلبة علي هذا الحكم جعلهم يعيدون النظر فيه ماذا في هذه المحاضرة؟وماذا قال عن علي شريعتي؟ وما هو رأي شريعتي في الاسلام؟ وما هي آراء آغاجردي في الاسلاميين؟ وبم شبه المسلمين؟ ان من يقرأ المحاضرة يدرك حقيقة انه اساء للمحافظين الاسلاميين في ايران، ويدرك انه لم يتجاوز الخطوط الحمراء فحسب بل كل الالوان الحمراء والسوداء والرمادي جميعها وكان متوقعا ان لا يخرج حيا من المكان الذي ألقي فيه محاضرته. لكن هذه المحاضرة تكشف شيئا حساسا في توجه الشعب الايراني وهو ان المزاج العام بدأ يتغير بالفعل، وانه ماعاد الشعب الايراني يتشبث بالمحافظين مثلما كان يفعل في الماضي فاذا لم يكتف المشاهد بنسبة 72% الذي حصل الرئيس محمد خاتمي كدليل علي التغيير فان هذه المحاضرة وتصفيق الحضور مع كل فكرة كان يطرحها هو تأكيد بان هذا الشعب خرج من مرحلة الانبهار الماضي بالاسلاميين الي مرحلة النظر بواقعية اكبر ويري في التجديد امرا لا مفر منه لانه العلاج الحقيقي لتخلفه الاقتصادي حسب رأي السيد علي شريعتي. ولا اعتقد ان هذا الرأي وقف علي الشعب الايراني صاحب المذهب الشيعي بل صارت تشعر به الشعوب الاسلامية وفي مقدمتهم الشعب العربي الذي بدأ يعيش مرحلة خوف علي مستقبله خاصة بين فئة المثقفين منهم فهم يرون ان الانظمة العربية افسحت المجال امامهم لكي ينمو بشكل متسارع وشجعت الاسلاميين كي تكون الغلبة والفوز لهم مقابل تضييق الخناق علي الثقافة والوعي السياسي بشتي الوسائل الممكنة ولم يتوقفوا عن ذلك ولم تظهر براءة القوي الليبرالية والديمقراطية من المؤامرة ضدهم الا بعد احداث 11 سبتمبر 2001 عندما تغيرت نظرة السادة الامريكان فيهم. لكن هذا التغيير جاء في العديد من البلاد العربية بعد فوات الاوان وبعد ما اصبحت لهم جذور عميقة وصلبة لا يمكن قلعها وكانت انتخابات المجالس البلدية والمجلس النيابي في البحرين. وفي المغرب اكتسحوا المجلس النيابي علي حساب القوي الاشتراكية اكبر دليل علي ذلك، وهنيئا لهم بهذا الفوز وقد جنت الانظمة العربية علي نفسها مثلما جنت علي نفسها براقش. وتقول مجلة القدس العربي في السيرة الذاتية التي نشرتها عن السيد علي شريعتي في مقدمة المحاضرة التي نشرت نصها بتاريخ 2002/12/2م (وكان شريعتي عندما مات في قمة عطائه الفكري، وبعد انتصار الثورة الايرانية كانت صورته تظهر جنبا الي جنب مع آية الله الخميني، وتمت قولبة فكر شريعتي بعد وفاته بعدة وجوه، فالمتشددون راوا فيه محفزا للجماهير، ومنها شطبوا كل الاشارات لنقده الفكر الديني المتخلف، كما ان المثقفين خاصة مجاهدي خلق احلوه موقعا عاليا، ولهذا السبب كان شريعتي رجل الفصول الاربعة مقبول من كل الطوائف الايرانية المختلفة). وهذا ايضا تأكيد مرة اخري ان الشعب الايراني الذي وقف مع المؤسسة الدينية لم يقف معها الا من اجل الثورة علي نظام الشاه الفاسد ولكنه كان يؤمن منذ البداية بالفكر الاسلامي الاصلاحي ومن هنا جاء عدم اعتراضه علي هذه المحاضرة القاسية التي اوجعت خاصرة المحافظين وقام الطلبة بمظاهراتهم ضد حكم الاعدام مما فرض علي السيد علي خامينائي مرشد الثورة الايرانية للدعوة الي اعادة النظر في هذا الحكم. ان المحاضرة هي دعوة الي اتباع افكار علي شريعتي بتحديد الاسلام وعدم اتباع رجال الدين الاسلاميين بشكل اعمي من دون وعي وادراك لاطروحاتهم ولكن بالعودة الي الاصول التي وردت في القرآن والسنة قبل ان يدخل الدين الاسلامي تلك الاضافات التي جاءت ايام بني امية وبني العباس الذين حرفوا هذا الدين لصالح مؤسساتهم الحاكمة والمؤسسات الدينية لصالحها. فالدكتور شريعتي يري (ان فصل الاسلام الذاتي عن الاسلام التاريخي يمثل عودة للنصوص الاصلية ومن ثم تعريف هذه النصوص بلغة اليوم وطريقته). وهذا الطرح صار يتردد مؤخراً في مقالات الكاتب السعودي عبدالله الحامد. يقول آغاجردي (لقد كان جزاء من جهد شريعتي يتعلق بطريقة التفكير واسلوب التغيير وفهم الاسلام، ان الانسان المسلم في القرن العشرين هو غير الانسان المسلم الذي كان في مكة قبل 041 عام عندما كان سكانها بمدار اصغر قرية من قري ايران). وكشف آغاجردي في محاضرته ان الدكتور علي شريعتي لم يكن يري ان الفقر هو السبب الحقيقي وراء ثورات الشعوب بل الوعي بالفقر حيث يقول: (ومع ان شريعتي كان يعتقد بدور النظرية الاقتصادية في التحولات الاجتماعية إلا انه كان يركز بدرجة أكبر علي الثقافة، وكان يعتقد ان وعي الجماهير كانت له الكلمة الاخيرة في التحولات الاجتماعية. ومن وجهة نظر شريعتي فان الفقر ليس وحده عنصر او عامل الثورة، اذ قد يكون مجتمعا ما فقيرا بصورة كاملة ومن الممكن ايضا ان يصل مجتمع ما الي ابشع مستويات التناقض الطبقي والاستثمار، لكن مادام الفقر لم يتبدل او يتغير الي احساس بالفقر ومادامت جماهير هذا المجتمع لم تدرك او تعي سوء الفقر وعدم انسانيته ولم يتطور هذا الوعي والادراك الي احتجاج علي الاوضاع السائدة فان مجرد وجود الفقر لن يصبح عاملا للثورة في هذا المجتمع. ان كل مشروع الدكتور شريعتي يتلخص في هاتين الكلمتين، الوعي واصل الوعي). وهذا يذكرني بكتاب الثورة الفرنسية حيث اذكر ما كتبه مؤلفه في مقدمته (ليس الظلم سبب الانفجار وانما الشعور بالظلم هو السبب). وأوضح المحاضر: (ان الدكتور شريعتي كان لا يري ان العنف قادر علي تغيير الأنظمة المستبدة بل من خلال إتساع رقعة الثقافة وتعميق الوعي لدي الشارع ليستيقظوا ويحسوا بالجور الواقع عليهم) حيث يقول (في عقد الاربعينات وعقد الخسمينات حيث كان يعيش شريعتي، كان الكفاح المسلح هو الطرح السائد، أي اسقاط نظام الشاه وانقاذ ايران بواسطة الكفاح المسلح وهو الحل الذي كانت تتبناه مجموعات المقاومة والكفاح المسلح، وهذا الخيار لم يفشل فقط في اسقاط النظام وانما فشل ايضا في الحصول علي تأييد الجماهير. ان طريقة العمل المسلح لم تعط النتيجة المرجوة في التغيير. لقد اكدت التجربة ان ايا من هذه الطرق لم تستطع ان ترفع العقبات الاساسية عن طريق التنمية في ايران). ثم يلقي آغاجردي مزيدا من الضوء علي فكر د. شريعتي فيقول (الدكتور شريعتي لم يكن من افراد المقاومة المسلحة ولم يؤمن بالنضال المسلح ويدعو الي تشكيل خلايا العمل المسلح ضد النظام، ولم يكن مناضلا سياسيا محترفا بحيث يريد جر الجماهير الي الشارع عن طريق البيان والقلم ويحركهم في اطار اثارة عاطفية في عملية نضالية ضد النظام. لقد كان يؤمن بمشروع ثقافي، كان يعتقد ان مشكلتنا الاساسية في ايران هي البنية التحتية، وان الثقافة والفكر هي علة العلل لكافة المسائل، ومادامت ثقافة وفكر وطريقة تفكير المجتمع لم تتغير فسوف تأتي الانظمة وتذهب دون ان تحل مشكلة من المشاكل لقد وجد الدكتور شريعتي وجميع المثقفين ان من واجبهم الدفع بهذا المشروع الي الامام. ان الدين يشكل في المجتمع الايراني اساس النواة الثقافية). ورأي آغاجردي: (ان الدكتور شريعتي لخص رسالته وبرامجه في مشروع واحد اي مشروع التجديد الاسلامي او الاصلاح، وبصورة دقيقة فان هذا المشروع وفي كافة خصوصياته لم يكن واحدا او متشابها مع البروتستانتية المسيحية. لقد كانت له خصوصياته ولكنه كان اعتراضا واحتجاجا علي الدين الرسمي، وقد انصب جهد شريعتي اولا علي نقد دين الانحطاط هذا او ثانيا تجديد عناصر الدين الحقيقي الموجودة، اي تهديم بناء الدين التقليدي ونقده ورفضه لغرض تجديد بناء الدين، الدين الذي رسالته رقي الانسان وتقدمه واصلاحه من خلال نظرة جديد الي العصر). وقد هاجم آغاجردي بشدة رجال الدين في ايران لان هؤلاء خلقوا هالة حول انفسهم حتي كاد يشبههم بالمسيحيين الكاثوليك بينما د. شريعتي حاول تجديد الدين الاصلاحي وتخليصه من التراكمات التي اضيفت اليه مثلما فعل المسيحيون البروتستانت حيث قاموا بتحرير المسيحية من يد الروحانية الكنيسة التقليدية وانقاذ الدين من يد البابا، ان رسالة القس الذاتي، رسالة غالوند تقول اننا لا نحتاج الي واسطة للارتباط بالله ولا نحتاج الي واسطة لفهم الكتاب المقدس، ان كتاب الله المقدس يخاطب النبي ويخاطبنا جميعا بصورة مباشرة المسيح كان يتحدث فيسمع ويفهم حديثه المؤمنون والرهبان، ان الانسانية جميعا المسيحين والمؤمنين كانوا هدفا مباشرا لخطاب المسيح والكتاب المقدس ولا توجد حاجة للذهاب الي طبقة روحانية وأسقف لفهم الكتاب المقدس، ان كل شخص هو قس نفسه، لا يكن المسيح غير مهتم بالدنيا، وبالنسبة للعمل والكدح ونشاط الانسان فإن العمل عبادة ولهذا السبب فإن البروتستانت كانوا الأساس في ايجاد الثورة الصناعية والتحولات التقنية الجديدة، اي علي العكس من الكاثوليك الذين كانو يعتقدون بأن الخبز والطبيعة والأرض من الشوون المادية التي لا قيمة لها وهي غريبة عن روح التدين والصفاء وعبادة الله. اما أولئك فكانوا يعتقدون بأن العمل جزء من راس المال والانتاج وان هذا بالضبط ما أراده الله منا ونقوم بأدائه بصفته عبادة، هذه هي البروتستانتية التي كانت هي طبعا معلولا لرأي اخر. المهم ان شريعتي يريد الفصل بين الاسلام التاريخي الذي يقدمه جهاز الدين الرسمي والاسلام التاريخي هو حصيلة تفكير وتجارب الروحانيين والعلماء علي مدي العصور والقرون الماضية وقد جمع بعضه علي بعض الذين يضعه في سياقه الزمني ويطور مفاهيمه مع تطور العصر. ومن الأمور الطريفة التي ذكرها آغاجردي خلال محاضرته استشهادات لطيفة ليكشف للجمهور الفرق بين اصحاب الاسلام التاريخي الذين يحاربون العلم وبين الذين يرون الا تطور بدون علم. فيقول آغاجاردي: لقد كتب علي باب بيت الايمان (عليك ان تترك عقلك جانبا ومن ثم تدخل بيت الايمان فيما كان قد كتب علي اكاديمية ارسطو) (لا يدخلها من لا يعرف الهندسة) كما كتب علي اكاديمية افلاطون (لا يدخلها من لا يعرف المنطق) بينما كتب علي باب الدين الكاثوليكي، التقليدي (لا يدخلها من له عقل، هذا ليس مكان العقلاء، هذا مكان المؤمنين، مكان العشاق، مكان المجانين، اذا اردت ان تدخل بين الايمان عليك أولاً ان تعطي عقلك اجازة ومن ثم تدخل البيت). ويضيف آغاجردي ان بعض الروايات المنسوخة وربما المزورة في الاسلام تقول: (ان اكثر أهل الجنة من البلهاء). وأود اسأل آغاجردي الذي ألقي محاضرته في ذكري مرور 25 عاما علي وفاة الدكتور علي شريعتي الذي أبدي اعجابه بالمسيحية البروتستانتية، تري من الذي يقوم بدعم جلادي الشعب الفسطيني والنازيين الجدد في الدولة العبرية أليس السادة البروتستانت في الإدارة الأمريكية وليس الكاثوليك؟ ( عن "الايام" البحرينية)