نبيل شـرف الدين
&
اتفقت منظمات عربية دولية معنية بشؤون الصحافة على الظروف الصعبة التي باتت تحاصر المهنة، والعاملين بها، سواء على الصعد المحلية في بلدان العالم الثالث أو حتى على الصعيد الدولي، خاصة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، وما ترتب عليها من نتائج، وحروب وملاحقات واجراءات تضع الهاجس الأمني في مقدمة أولويات الحكومات في مختلف أنحاء العالم.
ورصدت هذه المنظمات والهيئات مئات الانتهاكات لحرية الصحافة، ووثقت لحالات تعرض فيها صحافيون للسجن والاعتقال والاغتيال فضلاً عن حجب العديد من المطبوعات وغيرها من صور الانتهاكات الواقعة على المهنة والعاملين بها
وقالت منظمة (صحافيون بلا حدود) ـ وهي منظمة غير حكومية ترصد أحوال الصحافة، وتتخذ من باريس مقراً لها ـ قالت إن حرية الصحافة واصلت تراجعها بصورة كبيرة في عام 2002، مقارنة بالأعوام الماضية التي كانت أقل سوءاً.
كما أعلن الاتحاد الدولي للصحافيين في تقريره السنوي الذي نشر مؤخراً ان 67 صحافيا وموظفا في وسائل اعلام قتلوا في العام 2002 اثناء اداء عملهم ووصف هذه السنة بانها "سنة استهداف" الصحافيين في العالم.
واعتبر ادريان وايت أمين عام الاتحاد في التقرير انه "آن الاوان لأن يطلق المجتمع الدولي والمؤسسات الصحافية حملة جديدة لملاحقة اولئك الذين يستهدفون الصحافيين لانهم يطرحون اسئلة صعبة تسهم في حماية الديموقراطية.
ومضى وايت قائلاً إن ما يزيد على 500 صحافي تم اعتقالهم في العام الماضي بزيادة قدرها 50 صحافيا مقارنة بالعام السابق. كما تعرض 700 صحافي آخرين إما للتهديد أو الاعتداء في عام 2002 وأن قرابة 400 مطبوعة إعلامية تم إخضاعها للرقابة، وهو ما يمثل زيادة جوهرية في الحالتين مقارنة بالعام الذي سبقه. علاوة على ذلك لقي 76 صحافيا مصرعهم.
&
الواقع العربي
&
وعربياً فقد رصد تقرير "المنظمة العربية لحرية الصحافة" واقع الصحافة في العالم العربي وابرز ما تواجهه من تحديات وما يتعرض له العاملون فيها من انتهاكات، الذي أظهر بجلاء ان ازمة الحريات عميقة في مجتمعاتنا العربية المختلفة، وان تأكيد الحق في التفكير وطرح الاسئلة والاختلاف، باتت مهام تتطلب المزيد من الجهود والعمل والتضحيات، وربما لا يجني ثمارها سوى أجيال قادمة، إذ لا تبدو أي نذر تغير كبير في المستقبل المنظور.
ويؤدي الصحافيون العرب عملهم في بيئة سياسية واجتماعية تختلف من مكان الى آخر، لكنهم بشكل عام يشهدون مرحلة بزوغ التحول الديموقراطي في عدد من البلدان العربية بدرجة او أخرى، مع ما تحمله ارهاصات هذا التحول من صراعات، ومعارك سواء بين الأنظمة العربية الحاكمة التي يجمع بينها قاسم مشترك أبرز هو أنها أنظمة غير الديموقراطية عموماً، أو اتساع نطاق حملات الاصوليين الاسلاميين على حرية الفكر والابداع، والتربص الذي تمارسه تلك الحركات الأصولية بكل ما له صلة بحرية التعبير، إلى الحد الذي أشاعت فيه هذه الحركات مناخاً شعبياً له "ذائقة التطرف الديني"، جعل حتى من الأشخاص البسطاء الذين لا ينتمون حركياً إلى أي منظمات أو حركات، يتبنون أفكاراً بالغة التطرف والتشدد إزاء مسائل كانت المجتمعات تتسامح معها ببساطة.
ومن الملامح المهمة التي ينبغي الاشارة اليها هنا ان الحكومات في عدد من الدول العربية تملقت الاصوليين على حساب الكتاب والمفكرين والمبدعين، فالأصوليون الذين يقودون تنظيمات مسلحة في بلدان مثل مصر والجزائر وليبيا واليمن والخليج، أو يتمتعون بنفوذ قبلي في بلدان مثل الاردن والكويت واليمن ودول الخليج والسعودية، هم ـ بتقديرنا ـ أخطر على الدولة من المثقفين والمبدعين الذين لا يملكون غير اقلامهم او موسيقاهم او اصواتهم او فرشاة الرسم والالوان التي يستخدمونها في ابداعهم.
لذلك بدا ان الدولة ومؤسساتها الرسمية اكثر حرصا على ارضاء الاصوليين الاسلاميين (اصحاب منهج الاسلام هو الحل ايا كانت وسائلهم) نظرا لعناصر القوة التي يتمتعون بها. ومن جانبهم حرص ممثلو تيار الاصولية الاسلامية على إرجاء المواجهة مع رموز الدولة ومؤسساتها، وعدم اغضاب الحكام في اطار خطة تكتيكية واضحة، هدفها تجنب الدخول في مواجهة مع الدولة، بل العمل على استخدام اجهزتها ورموزها لتنفيذ السياسات التي يتطلع الى تحقيقها تيار الاصولية الاسلامية. وقد ظهر هذا التكتيك واضحا في مصر والكويت والاردن والسعودية حيث حصلت الدولة على تأييد رسمي وغير رسمي من منظمات التيار الاصولي الاسلامي ورموزه. ويهدف هذا التكتيك في النهاية الى احتواء الدولة، واختراق أجهزتها على المدى الطويل، والسيطرة عليها ليس خلال سنوات وانما خلال عقود، وهو ما بدت نذره واضحة هنا وهناك.
&
ضحايا
&
من جانبها قالت جماعة (صحافيون بلا حدود) إن الوضع تردى بصورة كبيرة في أعقاب الهجمات على الولايات المتحدة في 11 أيلول (سبتمبر) من العام 2001.
وورد في البيان "أنه بدعوى مكافحة الارهاب، قامت نظم عديدة بالاعتداء على الصحافيين الذين تجاسروا على سؤالهم، واتهمتهم بإفادة أغراض منفذي الهجمات الارهابية". كما وجهت انتقادا خاصا لاسرائيل بسبب ممارساتها في الاراضي الفلسطينية التي احتلها جيشها، حيث أصيب 50 صحافي بجروح منذ بدء الانتفاضة. وانتقدت (صحافيون بلا حدود) أيضا الولايات المتحدة بسبب تمرير قوانين من شأنها "تقويض حرية نشر المعلومات على شبكة الانترنت".
وقدرت إن عدد العاملين في وسائل الإعلام والذين يسقطون ضحايا في مناطق النزاع أو يقتلون عمدا يبقى مرتفعا جدا. بعضهم يسقط جراء وجوده في مرمى نيران مختلف الأطراف المتحاربة أو من جراء انفجار ألغام. ولكن معظمهم يقتلون عمدا على الرغم من أنهم معروفون كصحافيين، حسبما تؤكد المنظمة الفرنسية التي أكدت أيضا إن هناك 176 من 243 صحافيا، قتلوا في مناطق النزاع، تم اغتيالهم عمدا. كما أن 95% من الاعتداءات التي يتعرض لها الصحافيون في العالم تبقى من دون قصاص عادل، كما يؤكد ذلك عبد الواحد خان، مساعد مدير عام اليونسكو للاتصال والإعلام.
&
إرهاب
&
وجاءت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) والحرب ضد الإرهاب لتؤدي إلى ميلاد أنواع جديدة من القلق حيال حرية الصحافة. هناك عدد من الإجراءات الإدارية والتشريعية، المعلن عنها أو المعتمدة، في أستراليا وكندا وقبرص والولايات المتحدة وفرنسا والهند والأردن وبريطانيا وأوغندا وزيمبابوي والاتحاد الأوروبي وغيرها، تم انتقادها لانعكاساتها السلبية على عمل وسائل الإعلام. وأدى مناخ عدم الاستقرار الأمني الذي نجم عن 11 أيلول (سبتمبر) والحرب ضد الإرهاب التي تبعته، ليكون ذريعة، في بعض الحالات، تعطي للحكومات الفرصة لتطبيق تدابير مجحفة بحق الصحافة كانت تفكر فيها منذ وقت طويل. بعض التدابير المعتمدة أو المطروحة تحد من "الحق بالاطلاع" : حيث أخذت الحكومات بكتم المعلومات التي كانت من قبل متاحة.
وحسب المنظمة البريطانية غير الحكومية للدفاع عن حرية الصحافة "البند 19"، فإن "هناك مسؤولين رسميين اعتمدوا تدابير تحد مباشرة من حرية التعبير والإعلام أو لديها أثر سلبي غير مباشر على حرية التعبير".
وفي ورقة عمل تقدمت أمام مؤتمر اليونسكو في مانيلا تحت عنوان "الإرهاب ووسائل الإعلام"، قال مدير الفرع الأوروبي للمنظمة غير الحكومية "مرصد حقوق الإنسان" (Human rights watch)، جان بول مارتوز إن الحرب ضد الإرهاب تشكل امتحانا بالنسبة إلى الصحافيين : "على عكس التأكيدات القاطعة لمؤرخي الصحافة في زمن الحرب، إن حرية التعبير تشكل فرصة لا عبئا خلال الأوضاع الطارئة".
وختاماً فإنه في هذه الظروف البالغة السوء لابد من الإشارة في عجالة إلى البيئة القانونية التي يعمل فيها الصحافيون عموماً، والعرب منهم على نحو خاص، حيث ترزح المهنة تحت ترسانة هائلة من تشريعات الصحافة، مما يجعل من مسألة تطوير تشريعات الصحافة مسألة حياة أو موت للمهنة، ذلك لأن ازالة التشريعات المقيدة لحرية الرأي، وتخليص المناخ الذي يعمل فيه الصحافيون من العقبات التي تحول بينهم وبين اداء رسالتهم الاجتماعية والسياسية هو السبيل الأهم لتحقيق مجتمع ديموقراطي خال من الخوف والارهاب الفكري.