بغداد - انقضى الزمن الذي كان فيه الشجعان فقط يخاطرون بالسير في شوارع بغداد خلال الحصار، اذ تحولت زحمة السير الخانقة التي تترافق مع ضجيج السيارات غير العابئة بالقوانين، الى مشهد عادي يدل على استعادة العاصمة العراقية حياتها الطبيعية.
ويمكن ان تشكل قيادة السيارات في بغداد تحديا حقيقيا بين الشاحنات القديمة التي تنبعث منها غيوم من الدخان الاسود، والسيارات الفخمة المستوردة من المانيا، والسيارات ذات الدفع الرباعي المتوهجة، والحمير التي تجر عربات مترنحة.&وتتشابك حركة السير وسط الضجيج ورائحة المحروقات ذات النوعية السيئة واصوات ابواق السيارات المتواصلة.
وقد يتسبب السير في هذه الشوارع التي تغص بالناس والمليئة بالحفر لبعض السائقين بالانهيار، في وقت يتسابق السائقون الآخرون لتجاوز بعضهم من دون ادنى احترام لقوانين السير التي ينظر البعض اليها اليوم على انها من بقايا النظام السابق.&ويحاول عناصر في شرطة السير جاهدين تنظيم دفق السير غير المنظم الذي يعتبره البعض جزءا من الحرية التي حصلوا عليها اخيرا.
&ويقول مسؤول سياسي رفض الكشف عن هويته "ان الناس يقومون اليوم بتجاوز الضوء الاحمر لانهم يعتقدون ان هذه هي الحرية".
ويقول سائق موال للرئيس العراقي السابق صدام حسين "اعطانا الاميركيون الديموقراطية، لذلك نقوم اليوم بكل ما نريد"، مشيرا الى ان قوانين السير لم تعد موجودة كما هو الامر بالنسبة الى النظام السابق.&وادى اخيرا اقدام عدد من السائقين على سلوك طريق ذات اتجاه واحد، عكس السير، الى حدوث زحمة خانقة تسببت بتوقف مئات السيارات في مكانها خلال ساعات عدة. ولم يعد السير الى طبيعته الا بعد وصول جنود اميركيين مزودين بسلاح ثقيل الى المكان سيرا على الاقدام لان آلياتهم المدرعة عالقة في الزحمة.
ويقول التاجر السابق نفاع عبد الجبار الذي تحول الى سائق "لم يكن هذا يحصل" في ظل النظام السابق.&وقال "من كان يجرؤ في تلك المرحلة على انتهاك القوانين؟ من كان يجرؤ على التعرض لشرطي او تجاوز الضوء الاحمر؟". ويتابع وهو يقود سيارة مرسيدس سوداء اشتراها حديثا من دبي "يتم تجاوز القانون الآن من دون ان يتعرض احد للعقاب".&ولم يكن في امكان العراقيين، باستثناء الاغنياء منهم والمقربين من الحكم، خلال السنوات العشر من الحصار الذي فرضته الامم المتحدة على العراق، استيراد السيارات، لا سيما في ظل اغلاق الحدود بحكم الامر الواقع.
اما اليوم، ومع اعادة فتح الحدود وعدم وجود رسوم جمركية، يبذر العراقيون اموالهم بشراء سيارات من الدول المجاورة. فقد تبخرت الرسوم على السيارات المستوردة منذ سقوط النظام العراقي في التاسع من نيسان/ابريل.&ولا يساهم مرور القوافل العسكرية الاميركية التي تنفذ دوريات في العاصمة في اصلاح الامور. وقد عمد الاميركيون، بهدف تجنب التعرض لهجمات، الى اقفال عدد من الشوارع الرئيسية امام حركة السير، الامر الذي يثير غضب السكان.
ولا يتردد الاميركيون في التعامل بشدة مع العراقيين في حال علقوا في زحمة سير تعيق مرور آلياتهم. وقد قاموا اخيرا، مدعومين بدبابة وآلية مدرعة، بصد مجموعة صغيرة من المتظاهرين كانوا يحاولون عرقلة حركة المرور عند تقاطع طرق، بالقوة.&وصرخ احد المتظاهرين ردا على تفريق التظاهرة بالقوة متوجها الى الاميركيين "انه العراق. نقوم بما يحلو لنا هنا".