د. خالد منتصر
&
&
[سيستنكر الكثير من القراء هذا العنوان وسيتساءلون هل العلاقة بين الزوجين فيها مايسمى بالإغتصاب؟، فالإغتصاب كما نعرف جميعاً فعل جنسى تجبر عليه الضحية بواسطة رجل غريب عنها أى بالضرورة ليس زوجها، ولكن هذا التعريف قد تغير الآن بعد رصد العلاقات الزوجية بصورة علمية، ومعرفة أن كثيراً من بديهيات العلاقة الجنسية قد صارت الآن فى ذمة التاريخ مثل رغبة الرجل وفحولته التى بالضرورة تتفوق على رغبة المرأة والتى إستغلها البعض فى الدفاع عن تعدد الزوجات، وأيضاً بديهية أن المرأة مجرد وعاء جنسى مستقبل فقط وجسد مستعد للجماع فى أى وقت وليس عليه أن يرفض أو أن يتململ لأن الجنس فى إعتقاد القدماء لايكلفها جهداً أو عناء ولذلك كانوا يعتبرون الرفض إما دلالاً منها أو عنجهية وعجرفة لابد أن تعاقب عليها بكسر أنفها المتعالى الممتنع بلاسبب، ولكن مع التقدم الحضارى والإجتماعى والعلمى عرفنا فيمابعد أن المرأة ليست مجرد دمية بلاستيك بها وعاء مثقوب لتفريغ كبت الرجل الجنسى اللاهث على الدوام والذى يضنيه فحيح الرغبة المتأججة، ولكنها إنسان مثلها مثل الرجل، الجنس عندها لايتم بضغطة زر ولكنه يتم بمجموعة معقدة من التفاعلات النفسية والشعورية والجسدية، ولكى تستمتع به لابد أن تكون لديها رغبة وإلالو إنتفت الرغبة عندها ومارست مع الزوج رغماً عنها وهى توهمه بأنها مستمتعة فلافرق بينها وبين العاهرة التى عليها أن تتغندر وتمثل الإستمتاع حتى يرضى عنها الزبون الذى هو الزوج وبعد الإنتهاء من هذه المسرحية الهزلية من الممكن أن تذهب سريعاً للحمام كى تتقيأ مافى جوفها قرفاً من هذا اللقاء الخالى من المشاعر، وعرفنا بواسطة العلم أيضاً أن المرأة من الممكن أن تنتقل من نشوة إلى نشوة أخرى أو بلغة علم السكسولوجى من أورجازم إلى أورجازم بدون مدة فاصلة على عكس الرجل الذى لابد أن يمر على نشوته وقت لايستجيب فيه لأى إثارة حتى يدخل منطقة نشوة أخرى، وهذا الوقت تتفاوت مدته حسب السن، وبهذا تسقط أسطورة أن رغبة الرجل متأججة عن المرأة، وآخر ماتوصل إليه هذا العلم هو أن المرأة تستجيب للمثيرات اللفظية من مغازلات وكلام معسول أى أن الأذن لديها عضو جنسى أساسى والترتيب للقاء لابد له من تمهيدات وملاطفات لاينفع معها أن يكون الجماع فجائياً بطريقة روتينية فجة، أما الرجل فيثيره المشهد لاالمسمع ولذلك فالعين عنده مصدر الإثارة ومن الممكن أن يمارس الجنس بلا مقدمات لفظية أو تمهيدات رومانسية، وهنا فرق هام يجعلنا نفهم الجنس عند المرأة وكم هو معقد ورافض للإجبار، وهو مايقودنا إلى إعتبار أن الجنس الذى يمارسه الزوج بالإجبار مع زوجته الرافضة لممارسته معه يعتبر إغتصاباً، ولا تنفيه أو تجمله أو تقلل من حدته ورقة كتب الكتاب والقايمة والشهود والمأذون فهذه كلها ديكورات لاتخفى قبح هذا السلوك البشع من الزوج تجاه زوجته.
[ كان لابد من هذه المقدمة وهذا التفسير حتى ندخل هذه المنطقة الشائكة التى يعتبرها الفقهاء منطقة محظورة، وهى منطقة حق الرجل الذى بلاحدود أو موانع فى جسد زوجته، وهو ماأعتبره مجافياً لمنطق الدين الإسلامى الذى أعلى من شأن الإختيار، وكرم الجسد الإنسانى، وأوصى بالنساء خيراً، وليس من المعقول والمنطقى أن يجبر الزوجة على فعل يحتاج كل هذا الكم من الأحاسيس والرغبة والقبول، يجبرها لمجرد إرضاء رغبات الزوج وإطفاء ظمأه حتى ولو على حساب سلامها النفسى، فلايمكن أن يعتبر الإسلام الجنس مونولوجاً من طرف واحد، ولايمكن أن يوافق على أن تكون العلاقة الجنسية إغتصاباً مقنناً بورقة، وبالرغم من عدم إجبار القرآن للزوجة على ممارسة الجنس مع زوجها رغماً عنها فإن الفقهاء قد إعتمدوا على عدة أحاديث فى ترسيخ هذا السلوك المونولوجى فى الجنس هى :
رواية إبن عباس التى تقول " أتت إمرأة من خثعم إلى النبى فقالت إنى إمرأة أيم، وأريد أن أتزوج فما حق الزوج؟...وكانت أولى الحقوق الزوجية التى قيلت فى الحديث إن من حق الزوج على الزوجة إذا أرادها فراودها عن نفسها وهى على ظهر بعير لاتمنعه "
إذا دعا الرجل إمرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح.
وأنا لأفهم أن يساند البعض ويروج لهذه المفاهيم، فكيف يتم إرهاب الزوجة التى لاتساعدها ظروفها النفسية أو الجسدية على اللقاء الجنسى بأنها ملعونة و فى النار، إنه تثبيت لمفهوم الجنس الميكانيكى الخالى من المشاعر، فكيف مثلاً نجبر زوجة مكتئبة على الجنس، أو زوجة من الممكن أن يضرها الجماع جسدياً مثل فترات معينة من الحمل أو عندما تكون المشيمة فى وضع قريب من عنق الرحم، أو ببساطة زوجة مالهاش مزاج كيف نجبرها على الجنس بالعافية!!، والغريب أننا نجد أن عدد من يتبنون المفاهيم المنطلقة من هذه الأحاديث أضعاف أضعاف من يتبنون المفاهيم الإيجابية الأخرى التى ذكرها القرآن و الرسول التى سنذكرها فيمابعد والتى تتناقض مع هذه الأحاديث السابقة، وكما قلنا وذكرنا من قبل أن هذا التناقض لن يحل إلا بتجديد الخطاب الدينى الذى صار كل من ينادى به أمريكانياً و خارجاً عن الدين فى نظر كهنة العصر الجديد، وهذا لن يحدث إلا بتنقية الأحاديث والبحث فى المتن بنفس الهمة والتدقيق والتمحيص الذى نفعله فى السند، وإحداث ثورة فى فهم الأحاديث النبوية والتى حاول أن يحدثها دعاة ومفكرون قوبلوا للأسف بعاصفة من الرفض والإستنكار بل والتهديد بالقتل لأنهم تجرأوا وأرادوا سحب بساط الكهانة منهم.
[وساهم فى ترسيخ هذه الصورة السلبية لدور المرأة الجنسى بعض التفسيرات القرآنية مثل التى قالها الطبرى الذى نصح المؤمن بأن يوثق المرأة الرافضة فى فراشها لأن آية وإهجروهن فى مضجعهن تعنى حسب أحد تفسيراته إربطوهن بفراشهن، لأن الهجر حسب تفسيره هو الحبل الذى كانت تربط به العرب الجمال، فللرجل الحق فى أن يجامع إمرأته كما قال فى الجزء الرابع من تفسيره عندما يريد وكمايريد شريطة أن يكون الجماع من الفرج، وماقيل أيضاً فى التأكيد على أن إشباع شهوة الرجل الجنسية هى فى المقدمة فبالرغم من أن الفقهاء لم يحددوا سقفاً لتلبية رغبات الزوج فهى فى أى وقت وفى أى مكان وتحت أى ظرف، إلا أنهم إختلفوا فى أمر الرجل ووجوب مجامعة زوجته ويكفى أن نقرأ إبن قيم الجوزية فى كتابه روضة المحبين وهو يقول " قالت طائفة :لايجب على الزوج مجامعة زوجته فإنه حق له إن شاء إستوفاه وإن شاء تركه، وقالت طائفة أخرى :يجب على الزوج وطؤها فى العمر مرة واحدة ليستقر لها الصداق !!، وبالطبع إمتداد إطفاء نار الشهوة فى المرأة سيمتد من الدنيا إلى الآخرة حيث روجت فى نفس كتاب إبن القيم أحاديث تتحدث عن عن نكاح الرجال للنساء بشهوة لاتنقطع وبقوة مائة رجل ويصل كل منهم فى اليوم الواحد لمائة عذراء وعن رجوع المرأة بكراً بعد قيام الرجل عنها.....الى آخر هذه الأقوال التى رسخت مفهوم وظيفة المرأة كمنظم وصمام أمان لتوترات وشهوات الرجل الجنسية.
[ وإذا قرأنا كتب الفقه سنفهم سبب القهر الجنسى للمرأة، ونتأكد من أنه إمتداد لقهرها الإنسانى العام الذى أفرزه الفقه الصحراوى البدوى الكاره للمرأة والذى يعتبرها من ضمن المتاع والعبيد، على عكس النظرة الإسلامية الكلية التى تعلى من شأنها وكيانها والتى تشوهت وتضاءلت نتيجة أكوام التراب والكالسيوم التى ترسبت عليها فأخفتها عن العيون، وبقراءة سريعة لأحد هذه الكتب الذى كان مقرراً على الثانوية الأزهرية أى على دعاة وشيوخ المستقبل وهو الروض المربع بشرح زاد المستنقع، سنعرف رد السؤال الخالد عن سر كراهية المرأة وقهرها الجنسى، لنقرأ معاً "الزوج لايلزمه كفن إمرأته ولايلزمه دواء أو أجرة طبيب إذا مرضت "، " لايزيد ضربها على عشرة أسواط"، "دية المرأة نصف دية الرجل "، " يلزم الرجل الوطء إن قدر عليه كل ثلث سنة مرة "، ويعرف كتاب الفقه على المذاهب الأربعة الزواج على أنه "عقد على مجرد التلذذ بآدمية " ولاحظ هنا كلمة التلذذ، ولذلك فالنفقة لاتجب إلا فى نظير الإستمتاع والزوجة المريضة على سبيل المثال لاتصلح للإستمتاع ولذلك كما قلنا ثمن الدواء ليس واجباً على زوجها !!، أظن أننا بعد هذا الكلام عرفنا السر فى تحامل الفقهاء على المرأة وتحليل الإغتصاب الزوجى لها فهو حق للزوج فى نظرهم.
[ هذه الفتاوى والتخريجات الفقهية وغيرها هى التى أغضبت الشيخ الغزالى وجعلته يهاجم هؤلاء ويقول فى كتابه هموم داعية "هناك نفر من المتكلمين بإسم الإسلام يرون المرأة فى الجامع قذى فى عيونهم، ويضعون العوائق من عند أنفسهم لامن عند الله كيلا يكون للنساء وجود فى ميادين الأمر والنهى والنصح للعامة والخاصة "، ووصل الغزالى اقصى غضبه حين قرأ فتوى لأحد المشايخ تقول إن المرأة لاتجوز أن ترى أحداً أو يراها أحد فوصفها بأنها فتوى مخبول لايعرف الإسلام بل هو وأمثاله قرة عين لأعداء الإسلام !، وأنا لاأعرف كيف تستقيم هذه الأحاديث مع أوامر أخرى للرسول _صلعم_ يظهر منها فهمه المرن لمشاعر المرأة وأحاسيسها، وكيف أنه أمر الرجل بألا يقع على إمرأته كما البهيمة بدون مقدمات أو ملاطفات، مما جعل أبو حامد الغزالى يقتبس من سنته ويقول فى إحياء علوم الدين "إذا قضى الرجل وطره فليتمهل على أهله حتى تقضى هى أيضاً نهمتها "، أى أن الإسلام أوصى بالحفاظ على الإيقاع والهارمونى الجنسى الذى لن يتحقق على الإطلاق بأن نرهب المرأة ونجبرها على أن تباشر الجماع وهى مجبرة لإرضاء زوجها فقط حتى ولو على ظهر جمل وإلا باتت ملعونة، أعتقد أن الإغتصاب الزوجى لايرضى عنه الإسلام تحت أى مسمى أو مبرر فالجنس حوار ولاينفع أن يكون أحد الطرفين ثرثاراً والطرف الآخر أخرس.
&
&
&
التعليقات