&
في المؤتمر الثاني للفكر العربي الذي عقد مؤخرا في بيروت تتبلور الطموحات في مسيرة الأمة العربية لمعالجة عدة مواضيع مهمة وجدية تهم المصالح العربية والإسلامية، فبحضور بعض الرؤساء وكبار المسئولين ومجموعة كبيرة من الشخصيات ورجالات السياسة والاقتصاد والفكر من شتى انحاء الأمتين العربية والإسلامية يعد حدثا مهما لمراجعة الاستشراقات المستقبلية للعلاقات بين هذه الدول. تناولت المناقشات مواضيع كثيرة وطويلة منها وضع الجامعة العربية ومحور الشباب والعلاقات العربية الآسيوية والديمقراطية في الوطن العربي ومواضيع متنوعة كثيرة ولكننا نقف عند إحدى هذه الأوراق والمناقشات المطروحة في المؤتمر وهو موضوع التأثيرات الصهيونية على الاقتصاد العربي والإسلامي حيث أكد البعض ان السلبيات الواقعة بين الدول تركت المجال مفتوحا للوبي الصهيوني ان يتغلغل في اقتصادياتنا وفي نفس المجال فهناك مجموعة تنفي ذلك وتؤكد ان نسبة النمو الاقتصادي في الوطن العربي قد زادت بنسب متقدمة من السابق ونتمنى لها ذلك. إن الأحداث والحروب المتعددة على الأمة لا تجعلها تتنفس حتى يستمر النمو والرخاء فمثلا في الخمسينيات والستينيات بدأت مصر تعمل جاهدة مع هذه الأهداف فكانت من أوائل الدول العربية التي اهتمت بالصناعات وانشأت المصانع الخفيفة والثقيلة فمنذ قيام الثورة المصرية في عام 1952 استطاع الزعيم جمال عبدالناصر ان ينشىء عدة مصانع متنوعة تسد بنسبة كبيرة حاجيات وضروريات الدولة الحديثة، وبالرغم من وجود الخصوم من الدول الكبرى الصناعية استطاعت مصر أن تعتمد على نفسها ولو بالحد الأدنى من الصناعات وبتقدم المصريين رأت اسرائيل في ذلك تحديا صارما وبدأت تراقب حركة مصر إلى ان حركت القوى الصناعية الغربية للتحرش بالمارد العربي حتى وقعت حروب متسلسلة على مصر عبدالناصر وتضررت معظم الصناعات تحت وطأة الديوان الثقيلة وكانت تلك الأحداث بداية للسيطرة على الأسواق العربية ومقدراتها حيث الاعتقاد السائد لديهم هو مصلحتهم وعدم إعاقة تسويقاتهم وان السهام التي كانت مصر تطلقها من خلال مبدأ الاعتماد على النفس هي تحد لأهدافهم وزعزعة لنظامهم الاقتصادي.. فكيف يتنفس الصعداء تحت هذه القوى المتجبرة فالغرب وصل إلى الاحتضان في دائرة اليهود الذين يهيمنون على اكبر اقتصاديات العالم والذي بدوره ساعد على التنفيذ والتخطيط وترك الأبواب بطرق غير مباشرة لعربدة الصناعة لتكون معظم الاسواق رهينة لديهم يصعدون ويهبطون الاسواق المالية والاسهم العالمية كيف واين ومتى ارادوا، فقط لتكون النتائج والاهداف تصب في مصالحهم وتصاحب معها تخريب الاقتصاد والتخلف والفقر والحاجة المستديمة للدول النامية وهذا بالفعل ما يحدث على الساحة لطمس الحياة العصرية الحديثة فحتى الاثار والروائع الفكرية امتدت إليها اليد الصهيونية فسرقت او بيعت او خربت، لقد فقدت هذه الأمة الكثير من مقدراتها في وقت كان في إمكانها ان تصبح من القوى الكبرى وخاصة في مجالات الصناعات لوجود الأسباب الكثيرة وهي وفرة الأيادي العاملة والموارد الطبيعية والخام والموقع الجغرافي على خارطة العالم. ان بعض الدول النامية صناعيا لم تمنعها تلك المهاترات العدائية بل استمرت فتلك دول جنوب شرق آسيا ومنها ماليزيا التي جلبت الاستقرار الاقتصادي والصناعي وجعلته عنصرا حيويا حتى اصبحت ماليزيا الآن الدولة رقم 18 على الخارطة الصناعية العالمية فهي مثلا الدولة الأولى في العالم في صناعة رقائق الكمبيوتر ولديها العديد من الصناعات الحديثة التي تنافس الصناعات الأخرى ومنها في تلك المنطقة اليابان نفسها تلك السياسة المهاترية الطموحة تشكل نموذجا مستقبليا للشعوب الإسلامية وآسيا برمتها. إن سياسات عدم التكامل التي تنتهجها دول منطقتنا في الصناعات اصبحت غير قادرة على التطوير والدخول بنا بقوة في السوق العالمية لكونها مبعثرة ومزدوجة في التصنيع حيث توجد مصانع لا تتعدى مسافات بعدها عن الأخرى سوى أمتار قليلة فهناك مثلا مصنع للحديد وقريبا منه مصنع حديد آخر وهكذا مع درفلة الألمنيوم وصيانة السفن وغيرها كثير، فلو كانت هذه المصانع مجتمعة كل على حدة تحت غطاء التكامل لأصبحت قوية وكبيرة ولها مفعولها الاقتصادي والاستثماري في الاسواق العالمية ولكن الاختلافات المتعددة في مجتمعات دولنا هي دائما المشكلة وتقف أمام الطموحات والنمو والتطور والاعتماد على النفس. لابد من سياسة عربية إسلامية موحدة لمواجهة مثل هذه التحديات وفعلا كانت هناك عدة اطروحات مستشرفة للمستقبل من خلال المتحدثين المختصين في هذا الشأن، لكن كما قال السيد عمرو موسى في نفس المؤتمر "كل الإمكانيات متوفرة ولكن أين التطبيق؟". إن الأمن الاقتصادي مهم جدا لهذه المنطقة وخاصة بالنسبة للصورة المشوشة عن العالم العربي أمام العالم الخارجي فهؤلاء بدأوا يتكتلون تحت لواء الوحدة الاقتصادية والدولة التي تملك الموارد الطبيعية الأولية اصبحت تغذي الدول التي لاتملكها وتقوى مصانعها واقتصادها. لتترك الدول العربية والإسلامية الحماية الاقتصادية والصناعية المؤقتة لأنها لا تنفع إلا لفترة محددة ثم تصبح ضررا كبيرا، علينا العمل جاهدين للوصول إلى مبدأ التكامل الصناعي والاقتصادي لنستطيع الصمود ونكون اكثر استعدادا للمرحلة القادمة ونتمنى رؤية التطبيق والعمل عليه حتى نكون فعلا معتمدين على انفسنا ومقدراتنا الهائلة.
التعليقات