كلمة الأمير سعود الفيصل «الثورية» في مهرجان الجنادرية، التي اثارت انتباهنا بوصفها اتجاها تقدميا وفهما واقعيا لمتطلبات التنمية الاجتماعية والسياسية وضروراتها، ربما لم تكن مقصودة او لم تعبر بشكل دقيق عن الموقف الرسمي للنظام والقيادة السعودية، حيث وصفها الامير سعود في تصريح لاحق بانها كانت «معنية بالوضع السياسي في العالم العربي عموما ولم تكن تعنى بوضع السعودية تحديدا» هذا يعني ان الامير فيصل في حل - سعوديا - مما جاء فيها، والذي تضمن انحيازا للحريات واحتراما للاختلافات وتأكيدا لحقوق الاقليات.
على العكس من كلمة الجنادرية، تصريح الامير سعود الاخير حمل موقفا مترددا ليس من تفعيل الحريات وحسب، بل حتى من الانتخابات الشكلية وغير الشكلية. في الجنادرية سخر الامير سعود من الذين يعارضون اجراء الانتخابات بحجة التفرغ لمواجهة العدوان والانتصار لقضايا الامة القومية اولا، بينما في تصريحه الاخير تساءل من موقع الواثق عن جدوى الانتخابات وعن مبررات اجرائها.. «هناك الكثيرون الذين يتحدثون عن الانتخابات وضرورة ان تقوم انتخابات، لكن الانتخابات لماذا؟ الانتخابات وسيلة وليست غاية..» نحن مع الامير في ان الانتخابات ليست هي النهاية وليست هي الغاية، ونحن مع موقفه في الجنادرية من ان تعميم الحريات واقرار الحقوق هما الاهم، لكننا لسنا معه عندما يؤجل كل شيء بحجة الخصوصية وتحت دعوى ان القيادة (الشيوخ او الامراء) ابخص. ان تأجيل الانتخابات او التمهل في اجرائها هو مكسب شعبي فقط عندما يترافق او يتم التعويض عنه باطلاق الحريات وتفعيل دور الانشطة والمؤسسات الاجتماعية، والتصدي لطغيان الاغلبية او الهيمنة الشمولية للبعض على الآخرين. لكن تأجيل الانتخابات او المشاركة الشعبية بحجة ان القيادة الحكيمة هي الادرى وهي الاكثر تأهيلا لمعرفة الاحتياجات الآنية للناس، وتحديد المستقبل الافضل للبلد، فيه الغاء مباشر لدور المواطنين وفيه مصادرة مباشرة للحرية التي وعدنا بها في الجنادرية. ليس هناك شك في ان النخب والقيادات لعبت الدور الاساسي في تشكيل عالم اليوم الديموقراطي، ولكن لا يمكن الا ملاحظة ان تلك النخب - الاوروبية -كانت تمثل الطبقات والفئات الصاعدة اجتماعيا والنامية اقتصاديا. هنا نحن نفتقد النخب الاجتماعية الناشطة والفاعلة (لاحظ تراجع دور الطبقة التجارية في الكويت او ما عرف بجماعة الغرفة في السنوات الاخيرة) بينما الاقتصاد تهيمن عليه القيادات وحيدة، واحيانا بلا رقابة او حتى محاسبة.
ان اطلاق الحريات وتعميم الحقوق هما الاصل والنهاية، لكن اذا شاء الامير سعود او اتجاهه تناسيهما او تأجيلهما فان الافضل ان تكون هناك انتخابات شكلية خير من لا شيء.. لان «من فوق الله الله ومن داخل يعلم الله».