"إيلاف"من القاهرة:نبدأ بالأرقام، وبالرسمية منها، إذ كشف التقرير السنوي الأخير لهيئة النيابة الإدارية بمصر عن كارثة تفشي الفساد في أجهزة الدولة، حيث أشار التقرير إلى أن إجمالي قضايا الفساد بالحكومة بلغ 73 ألف قضية، بواقع قضية فساد كل دقيقة ونصف، كما كشف التقرير أن العام المنصرم شهد زيادة في معدل قضايا الفساد بأجهزة الحكومة بلغت 10 آلاف قضية عن العام السابق.
والحقيقة أن الفساد ليس ظاهرة طارئة على الجهاز الإداري في مصر، بل لعلنا لا نبالغ إذا وصفنا الأمر بأنه متجذر، وخلق ثقافة خاصة به، ودشن لغته المتداولة من "المعلوم" إلى "الزيس" مروراً بكل مفردات وأدبيات "ثقافة الرشوة".ورغم الأحداث الساخنة على الساحتين الدولية والإقليمية، إلا أن هناك أحداثاً وفضائح محلية ظلت تستحوذ على اهتمام الشارع المصري، أبرزها محاكمة عدد من كبار المسؤولين السابقين، ونواب كبار البرلمان، والملاحظ عموماً للأوضاع الداخلية في مصر أن هناك نشاطًا كبيرا في مكافحة الفساد في قطاعات مختلفة في الدول مثل قطاع البنوك والصناعة والإعلام وتقديم العديد من رموز هذا الفساد الي المحاكم ، في ما وصف بحملة "الأيادي النظيفة" في مصر.
وشهد العام المنصرم أيضاً عدداً لا بأس به من رجال الأعمال فى أقفاص الاتهام، يحاكمون أو تعاد محاكمتهم مثلما حدث مع محيي الدين الغريب وزير المالية السابق، وفي انتظار أحكام فى قضايا شركة المسبوكات، ونواب الفيوم المتهمين بالاستيلاء على أرض مملوكة للدولة قيمتها 164 مليون جنيه تحت ستار الحصانة وباستغلال شبكة العلاقات المتشعبة في كل دوائر الإدارة تقريباً.
وهناك أيضا العديد من الملفات لا زالت مفتوحة، والرأي العام مشغول بتتبع القصص التي تتكشف تباعا في قضايا مثل قضية بنك "مصر- اكستريور"، أو عبد الله طايل، التي تضم عددا من المسئولين بالبنك وآخرين من رجال الأعمال المتهمين بالاستيلاء على‏260‏ مليون جنيه من أموال البنك دون وجه حق من خلال التواطؤ والتزوير ويأتي على رأس لائحة المتهمين عبد الله طايل رئيس إدارة بنك "مصر اكستريور" السابق والرئيس السابق للجنة الاقتصادية في البرلمان‏ المصري,‏ فضلاً عن كونه أحد أكثر المقربين لوزير شهير في مصر، وقد نسبت النيابة للمتهمين في هذه القضية تهم الاستيلاء علي المال العام والتزوير في محررات رسمية واستعمال هذه المحررات المزورة والتربح من أعمال الوظيفة والاضرار العمدي بأموال ومصالح البنك المركزي والبنك والغش في تنفيذ عقود تقويم الأصول المقدمة من المتهمين لضمانات للتسهيلات التي يتلقونها من البنك التي بلغت‏260‏ مليون جنيه بموجب ضمانات مغالى في تقويمها كما سهل المتهم الأول الاستيلاء علي‏21‏ مليون دولار أميركي من أموال البنك من خلال تزوير بينانات الحاسب الآلي بقيام البنك ببيع الدولارات لبعض رجال الأعمال بسعر أقل من سعر الصرف الثابت في البنك المركزي‏,‏ كما قام طايل بإجراء تسويات غير صحيحة لرجال الأعمال المقترضين من البنك وتخفيض مديونياتهم من خلال إجراء تسويات غير صحيحة مقابل أصول عقارية وصناعية بمبالغ لاتتفق وقيمتها الفعلية‏,‏ كم وافق المتهم علي شراء أسهم الشركة المصرية لمنتجات الصلب بمبلغ‏53‏ مليون جنيه وبالفحص تبين أن القيمة السوقية لهذه الأسهم صفر‏,‏ كما تواطأ مع أصحاب المكاتب الاستشارية والذين تعاقدوا معه لتقويم هذه الأصول حيث أثبتوا عنها بيانات مخالفة للحقيقة‏.‏
رشاوي جنسية
كما شهد العام 2003 أيضا العديد من القضايا ذات السمة الفضائحية، ولعل أشهرها قضية رجل الأعمال الشهير حسام أبو الفتوح، ففي هذه القضية تفجرت فضيحة الأشرطة الجنسية التي جمعته مع عدد من زوجاته "عرفياً" وعشيقاته الكثيرات، وأشهرهن الراقصة دينا، التي انتشرت أقراص مدمجة تضم مشاهد مثيرة لها مع أبو الفتوح، وما خفي منهن كان أبشع.
وخلال هذا العام تم إلقاء القبض على عدد من كبار مسؤولي البنوك، ومنهم رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة لمنحه 12 مليار جنيه قروضا بدون ضمانات، ومحمود بدير نائب رئيس مجلس إدارة بنك مصر اكستريور بعد أن سحبت زوجته مليون جنيه من حساب زوجها فى أحد البنوك فور صدور قرار بحبسه احتياطيا فى قضية عبد الله طايل، ثم أيضا التحفظ على أموال رجل الأعمال الهارب رامي لكح عضو البرلمان وأخيه ميشيل لكح، ومحمد أبو الفتح رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة السابق.
وفي مطلع العام المنقضي صدر قرار الاتهام في قضية البورصة الزراعية التي اتهم فيها أبرز معاوني يوسف والي، نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة المصري، ومازالت تتواصل فصول هذه القضية المتهم فيها‏21‏ متهما يأتي على رأس لائحة المتهمين فيها يوسف عبدالرحمن وكيل أول زارة الزراعة ورئيس بنك التنمية والائتمان الزراعي وراندا الشامي مسئولة البورصة الزراعية والمتهمين بعدة اتهامات منها الرشوة وادخال مبيدات مسرطنة والسماح بتداولها داخل البلاد والأضرار العمدي بالمال العام بالاضافة إلي اتهام اثنين منها الرشوة الجنسية‏,‏ وقد اسندت النيابة للمتهم الأول يوسف عبدالرحمن تهمة الرشوة الجنسية مع راندا الشامي وذلك باستغلال نفوذه في تسهيل مبيدات لأحدي الشركات دون اتباع الاجراءات المقررة قانونا‏,‏ وحصوله علي نفعه لغيره دون وجه حق بأن خالف القواعد المتبعة لتوريد بعض الأجهزة المطلوب توريدها لجهة عمله بالمخالفة للمواصفات المتبعة‏370‏ ألف جنيه‏.‏
كما أضر المتهم الأول بأموال الجهة التي يعمل بها بمبلغ‏3‏ ملايين و‏500‏ الف جنيه منحها لنحو‏122‏ موظفا من العاملين بوحدة الخدمات البستانية ومن ميزانيتها دون أدائهم عملا فعليا بتلك الجهة وذلك مقابل عملا فعليا بتلك الجهة وذلك مقابل عملهم بالشركة المصرية لانتاج وتصدير وتسويق الحاصلات الزراعية وأضر المتهم الأول عمدا هو والمتهم هاني مصطفي المدير التنفيذي بالوحدة الاقتصادية بوزارة الزراعة بأموال الوزارة بأن ورد لها كمية من المبيدات دون الالتزام بالأسس والقواعد المقررة لحساب قيمتها عند توريدها لتلك الجهة بما الحق ضررا بالمال العام قدره‏9‏ ملايين و‏500‏ ألف جنيه‏.‏
كما نسبت النيابة للمتهم الأول أيضاً تهمة الاشتراك مع ذات المتهم بالأضرار بأموال وزارة الزراعة بإن ورد إلي الأدارة العامة للمشتريات‏ 85‏ طنا من مبيدات مكافحة آفات القطن بقيمة مليوني جنيه غير مطابقة للمواصفات‏,‏ بالاضافة إلي اتهامات أخري تدور حول ادخال مبيدات تسبب السرطان مع علمهم بخطورتها وحظر تناولها، مما جعل النائب العام يصف المتهمين بأنهم: (عصابة إجرامية خانوا الأمانة وأعماهم الكسب الحرام عن جرائمهم).
أيضا شهد العام الموشك على الرحيل وقائع محاكمة عاطف حامد سلام المشهور بألقاب مثل "حوت السكر وملك التسهيلات" الذي بدأ حياة الملايين حاملاً لحقيبة الهارب أشرف السعد، وانتهى فيها بالاستيلاء (بمفرده) على مليار وربع المليار جنيه من البنوك، بخلاف ما حصل عليه من أموال عن طريق التزوير والنصب سواء من شركات القطاع العمام أو بورصة الأوراق المالية.
وهكذا تحولت قضايا نهب المال العام إلى ظاهرة باتت تهدد كيان الأمن الاقتصادي للبلاد‏,‏ ورغم تضافر الجهود للحد من هذه الظاهرة وعلى الرغم من الأحكام الصارمة التي تصدرها محاكم الجنايات وأمن الدولة العليا في مثل هذه القضايا إلا أن هذه الأحكام باتت غير كافية ـ في ما يبدو ـ على ردع محترفي ومدمني الاستيلاء على المال العام، لهذا فقد استأنفت محاكم العديد من قضايا المال العام التي دخلت مراحل الحسم وأوشكت أو أسدل الستار على بعضها بالفعل‏.