"إيلاف"من لندن: مكاره الحروب ليس تقتيلا وإفناء للجنس البشري على يدي أبناء الإنسانية وحسب، بل إنها تفريق للمسافات والحدود بين الإنسان وأخيه الإنسان، مهما كانت المواثيق الدولية المستحدثة تداري عورات تلك الحروب.
ولعل أقدم أسير في العالم يروي بعض التفاصيل، فلقد عاد إلى وطنه وأسرته التي نسيته قبل يومين جيون يونغ ـ إيل الكوري الجنوبي (72 عاما) من بعد أسر قسري في معتقلات كوريا الشمالية (الشقيقة العدوة) منذ العام 1953 حيث نهاية الحرب بين الكوريتين (الرأسمالية الجنوبية والماركسية الشمالية).
وهو لم يفرج عنه حسب اتفاق بين البلدين، بل أنه هرب من السجن المخيف الذي عاناه ليجد الحرية في آخر المطاف ويلتقي بقية البقية من أسرته الباقين على قيد الحياة.
لكن الهروب الكبير لم سهلا أو هينا، فجيون يونغ ـ إيل، قبض عليه في مطار صيني في نوفمبر (تشرين الثاني ) الماضي حين كان يحاول الصعود إلى متن أول طائرة تعيده إلى الوطن الأم، حيث كانت وثائقة مثار شبهة للسلطات الأمنية الصينية التي اعتقلته مرة أخرى.
ولكن السلطات الصينية أفرجت عنه مثل آلاف من الكوريين الشماليين الراغبين في الذهاب إلى كوريا الجنوبية حيث موطنهم الأصل، وفي العادة تعيد الصين الهاربين من الشمال إلى الجنوب الكوري.
ولكن الإفراج عن الكهل جيون تم عبر دهاليز سياسية كثيرة ومعقدة بين بكين وسيؤل، ويبدو أنه محظوظ لوقوعه في أيدي الصينيين الراغبين في علاقات جيدة مع كوريا الجنوبية التي تمثل الحال الرأسمالي في الشرق الآسيوي المعقد التفاصيل.
وحال عودته على غير هدى من الخريطة القائمة حديثا في كوريا الجنوبية الموالية للغرب، فإنه اهتدى بالصدفة إلى موقع منزل العائلة التي لم يلتق أي فرد من أسرته به منذ خمسين سنة مضت، حيث انضم على الجيش الذي خاض معارك الكوريتين الدامية في مطلع الخمسينيات الفائتة من القرن المنصرم.
وكانت أول كلمة تفوه فيها الأسير القدم في العالم المتحرر من بعد عمر الكهولة هي توجيه كلمة لشقيقته التي كان يعرفها في صغره "أنا آسف يا شقيقتي اغفري لي غيابي أيتها الأخت الصغيرة؟". والشقيقة هي جيون ـ بان (57 عاما) وهذا يعني انه لا يعرفها إلا وهي كانت أربع سنين من العمر، فهو انضم للجندية ثم قاتل وتم أسره عند الجيش الكوري الشمالي الماركسي.
وقال "أنا آسف أيتها الأخت الحبيبة أنني لم أتكفل بمهماتي تجاهك كأخ كبير لك، فاغفري لي سيئاتي، الآن أقول لك لا تهتمي بمصيرك وحياتك فأنا بين يديك الأخ الذي عليه مسؤوليات كبيرة تجاهك وتجاه الأسرة كلها"، فأجابت أخته"شكرا انك حي ترزق، وشكرا إليك أنك عدت إلينا وأتيت لبيتك".
ومن غريب الصدف أنه سأل هذه الأخت الصغرى عن وعد سابق لها تجاهه وهو "هل وجدت لي العروس المنتظرة كما كنت تقولين لي ؟".
وفي الأخير، فإن أشهر أسير في العالم تعرف على شقيقه الذي يصغره بخمس سنين سو ـ إيل (67 عاما) الذي كان يعتقد أن شقيقه العائد قد قتل في الحرب الكورية، وطوى صفحة ذاكرته من حياته وإلى البد ولكنه فوجىء به أمامه بشحمه ولحمه حيا يحادثه ويتكلم إليه.
التعليقات