&
-1-
أفاق العالم العربي مذهولاً أول أمس على قائمة ما سُمّي بـ (أصحاب الكوبونات) التي نشرتها جريدة "المدى" العراقية ونشرتها جريدة "إيلاف" الإليكترونية، ثم تناقلتها معظم وكالات الأنباء في العالم. وهي قائمة طويلة تضم أسماء من كانوا يتقاضون الرشاوى من نظام صدام السابق على شكل (كوبونات نفط) مقابل القيام بالدعاية للنظام وتمجيده وتبجيله وذكر محاسنه ومحاولة رفع الحصار الاقتصادي المضروب عليه بموجب قرارات مجلس المن والأمم المتحدة.
-2-
لقد حصلت صحيفة "المدى" العراقية على مجموعة من الجداول الخاصة باسماء الشركات والاشخاص الذين تم (تخصيص كميات من النفط الخام لهم خلال مراحل مذكرة التفاهم) كما ورد نصاً في وثائق شركة تسويق النفط، وهي شركة عامة تابعة لوزارة النفط.
تشتمل هذه الجداول على أسماء اشخاص وشركات واحزاب وجماعات ومنظمات ممن خصص لها النظام السابق كميات من النفط الخام وحجم هذه الكميات مفصلة على مراحل تطبيق مذكرة التفاهم. وقد جرى التخصيص ـ كما تشير الوثائق ـ ابتداء من المرحلة الثالثة لمذكرة التفاهم، لأن التخصيص كان في المرحلتين الاولى والثانية لشركات تمتلك المصافي، وهذا يعني ان المعلومات التي تم نشرها هي عن جهات لا تمتلك المصافي، او الشركات الوسيطة.
وفي هذه القائمة المثيرة تظهر اسماء لا علاقة لها بشركات النفط ولا بتوزيعه او خزنه او بيعه، ولم يعرف عنها اي اهتمام بالنفط او الارتباط بشركات النفط. وفي حالة الاشخاص يبدو الامر اكثر اثارة للتساؤل.
-3-
كنا نتساءل قبل الكشف عن أسماء (أصحاب الكوبونات) لماذا هذا الغرام المشبوه بشخصية صدام حسين؟
لماذا هذا الحب الجارف؟
لماذا هذا الدفاع المستميت عن النظام الديكتاتوري المنهار؟
&وما ثمن كل هذا؟
كنا نعتقد جازمين بأن هذا الحب وهذا الدفاع ليس لوجه الله.
كنا نعتقد بأن هناك ثمناً لهذا الحميّة العربية القومية الوطنية الاشتراكية!
ولكننا لم نكن نظن أن هذا الثمن غالٍ إلى هذا الحد.
لم نكن نعتقد بأن الكلمة العربية لها هذا الوزن الثقيل من الذهب الأسود!
لم نكن نعتقد بأن بيع الضمائر العربية له هذا الثمن المرتفع في سوق النخاسين والديكتاتوريين.
-4-
من الأسماء المثيرة من (أصحاب الكوبونات) التي كشفت عنها هذه القائمة (قائمة كوبونات النفط المسببة لجنون البقر العربي) الكاتبة والصحافية السورية المقيمة في باريس وصاحبة مجلة "الوفاق العربي" حميدة نعنع، المدافعة عن النظام العراقي السابق، وصاحبة الكوبون الذهبي (9 مليون برميل) (الكوبون الذهبي ما هو 9 مليون برميل فما فوق، والكوبون الفضي ما هو أقل من 9 مليون برميل).
وحسب قائمة (أصحاب الكوبونات) تبين لنا أن حميدة نعنع قد استلمت كوبونات نفطية لعدد تسعة ملايين برميل من البترول العراقي المخصص لاطعام الشعب العراقي وبناء وطنه، ولكنها ضلّت طريقها بفضل الديكتاتورية العراقية السابقة وسقطت في أيدي النخاسين.
-5-
فماذا فعلت حميدة نعنع لصدام حسين وللنظام الديكتاتوري المخلوع لكي تقبض هذه الأموال الطائلة، وهي ثمن تسعة ملايين برميل من دم الشعب العراقي.
لقد قال ناثانيال هوثورن (1804-1864)& يا لقوة وبراءة الكلمة عندما تكون في القاموس، ويا لبشاعتها وضعفها عندما تصبح على لسان الكذبة والدجالين والسارقين.
وهذا ما فعلته حميدة نعنع.
لم تفعل حميدة نعنع الكثير المفيد مقابل هذه الملايين التسعة من براميل النفط غير الدفاع المجاني الكاذب عن النظام المنهار، وتغطية كل سيئات هذا النظام مما يعرف في الأدب والثقافة بـ "عُهر الثقافة" عبر وسائل الاعلام المختلفة. وهي الثقافة التي تبيع نفسها، كما تبيع المومس جسدها مقابل دراهم معدودة، وبثمن بخس.
فماذا قبض النظام المخلوع مقابل تسعة ملايين برميل من دم الشعب العراقي؟
لقد قبض هذا النظام بضاعة بائرة ورديئة وسيئة السمعة من حميدة نعنع، تجلّت فيما يلي:
1- قامت حميدة نعنع بتأليف كتاب عن طارق عزيز بعنوان (طارق عزيز.. رجل وقضية) عام 2000.
2- قامت حميدة نعنع بالدفاع عن النظام في برامج تلفزيونية كثيرة منها برنامج الاتجاه المعاكس، في تلفزيون الجزيرة، في 23/1/2002 حول موضوع "التدخل الأمريكي لاسقاط الحكومات". وقد اشترك معها في هذا البرنامج الكاتب العراقي داوود البصري الذي فضح حميدة نعنع منذ ذلك الوقت وكشفها، ولكننا لم نصدقه. ومن نماذج هذا الدفاع ما قالته حميدة في هذا البرنامج من "أن الإدارة الأميركية، هي أكبر مجرم في التاريخ هي الإدارة الأميركية، أكبر مجرم عرفه التاريخ، وأنها تعتز بصداقة نظام صدام حسين، وأن نظام صدام حسين هو نظام قومي ونظام مناضل، ونظام يضع مشروع للمواطن العربي. وربما كان نظام صدام حسين من الأنظمة القليلة في العالم العربي."
-6-
هذا كل ما فعلته حميدة نعنع.
إذن، لماذا تقولون أن الكلمة العربية رخيصة رخص التراب؟
إذن، فلقد صدق يوحنا حين قال في الانجيل: في البدء كانت الكلمة، ثم أصبحت الكلمة مع الله، ثم أصبحت الكلمة هي الله.
وصدق روبرت ستيفنسن (1850-1894) حين قال: الانسان مخلوق لا يعيش على الخبز فقط، ولكنه يعيش على الكلمات أيضاً.
وصدق المثل الصيني القائل: تكفي الحكيم كلمة.
ولقد كانت حميدة نعنع حكيمة زمان الديكتاتورية العربية والطغيان العربي، فكَفَتْها كلمة.
عن& السياسة الكويتية