بيروت: ريما زهار: قالت وكالة أنباء الأناضول إن الرحلات الجوية بين العراق وتركيا، المتوقفة منذ حرب الخليج الثانية، سوف تستأنف في أواخر حزيران يونيو الجاري.
وستنطلق أول رحلة من اسطنبول إلى بغداد في الثاني والعشرين من الشهر الجاري. وتقلت الوكالة عن
الرئيس صدام حسين
&مسؤولين في شركة فوروم فير للتنظيم والتنكمية التركية قولهم إن هذه الرحلات، التي ستتم بطائرات مستأجرة، تهدف إلى تسهيل وصول الموردين الأتراك إلى بغداد وزيادة الواردات العراقية من تركيا.
وقام بالتخطيط لهذه الرحلات، التي سيعلن عنها كل شهر، وكالة السياحة والسفر التابعة لشركة فوروم فير.
وقال المسؤولون في الشركة إنه تقرر أن تنطلق الرحلة الثانية في التاسع والعشرين من الشهر نفسه، وإن طائرات تابعة للخطوط الجوية التركية سوف تقوم برحلات إلى بغداد. هذه المبادرة تطرح علامة استفهام حول العلاقات العراقية التركية خصوصاً في ظل بعض الانفتاح الدولي على العراق.
العلاقات العراقية التركية
عندما سئل وزير الخارجية التركية إسماعيل شيم عن بغداد، قرر التوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية لإجراء محادثات حول الحصار على العراق.
ويقول شيم إن مسألة الحصار هي القضية الرئيسية للتداول بين الولايات المتحدة وتركيا. وهناك روايات تنشر في الإعلام التركي تدعي أن تركيا والولايات المتحدة يساومان لوضع حد للتبادل التجاري الحدودي التركي مع العراق. وان الولايات المتحدة ستعوض لتركيا عن خسائرها بنتيجة وقف هذا التبادل.
لكن شيم نفى الروايات هذه في حين نفى رئيس الوزراء بولندا أجاويد رواية أخرى تقول إن الولايات المتحدة الأميركية، ووسط الأزمة الاقتصادية التي تؤذي تركيا على نحو خطير، وعدت تركيا بدعمها مقابل وقف التبادل التجاري مع العراق. وكانت الرسائل آلاتية من واشنطن في هذا الشأن غامضة أيضا.
والكر
فقد قال مستشار وزير الخارجية ادوار والكر، خلال زيارته إلى تركيا في أوائل شهر آذارمارس، أن إدارته ليست ضد التبادل التجاري مع العراق بل ترى أن هذا التبادل يجب أن يكون خاضعا للإشراف والتنظيم. وفي نفس اليوم الذي أطلق فيه والكر هذه الكلمات، كان رئيس الوزراء التركي بولند أجاويد يتناول طعام الغذاء مع سفير الولايات المتحدة في أنقرة روبرت بيرسون. وكان في أولويات قائمة المحادثات شؤون الأزمة الاقتصادية في تركيا والمساعدة الأميركية الممكنة. ومن المصادفات الأخرى في ذلك اليوم، وصول كمال درويش من الولايات المتحدة الأميركية إلى تركيا كالمخلص المنتظر، وهو شغل منصب نائب رئيس البنك الدولي في مرحلة سابقة ويشغل اليوم منصب وزير الدولة المسؤول عن الاقتصاد. وهناك من يعتقد بقوة أن درويش المعروف بأنه كان من الديموقراطيين الاشتراكيين في الماضي، هو بمثابة <<هدية>> من الولايات المتحدة إلى تركيا.
تركيا الممانعة
إلا أن تركيا الممانعة دوما لتجاهل أي كلمة تصدر عن الولايات المتحدة الأميركية، أرسلت على عجل وفدا إلى بغداد مباشرة بعد زيارة والكر. وضم الوفد أربعين رجل أعمال تركي وبعض المسؤولين وانتقل إلى بغداد للبحث عن فرص جديدة
تعيين سفير جديد
بعد تعيين السفير التركي الجديد في بغداد تعالت الانتقادات ضد رئيس الوزراء بولند أجاويد بشكل خاص الذي كان قد زار بغداد بعد حرب الخليج وقبل تسلمه رئاسة الحكومة، بصفته صحفيا، أجرى مقابلة مع صدام حسين. ولا ينسى أجاويد مطلقا أنه حين كان رئيسا للوزراء لاول مرة عام 1974 وتدخلت تركيا في قبرص فرض عليها الحصار عقابا ولكن صدام حسين بقي يساعدها بتقديم النفط بسعر زهيد جدا وعلى نحو مجاني تقريبا. ولا يخفي أجاويد أبدا تعاطفه مع العراق وكان دوما لصالح علاقات جيدة مع بغداد. وقد جاء تعيين سفير لتركيا في بغداد قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية مباشرة، وبعد إصدار الكونغرس الأميركي لاعلان الاعتراف بالمجازر الأرمنية التي ارتكبتها تركيا خلال الحرب العالمية الأولى. كان الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون قد سعى جهده لمنع صدور مثل هذا الإعلان واستطاع سحبه في برنامج عمل الكونغرس في اللحظة الأخيرة، ولكن لفترة قصيرة فقط. وينفي وزير الخارجية التركية أي علاقة بين إعلان المجازر الأرمنية وتعيين سفير تركي في بغداد من جديد. إلا أن الانتقادات ضد أجاويد ازدادت بعد انتخاب جورج بوش الذي وضع في أولويات برنامج عمله الوضع في العراق والدول المساعدة له.
وحين سئل إدوارد ولكر عن مسألة تعيين سفير لتركيا في بغداد قال انه لم يأت أنقرة بأي رسالة معينة بشأن السفراء أو غير ذلك من الأمور بل انه جاء انقره برسالة واحدة تقول <<لنعمل معا لانجاح الأمر>> مضيفا أن الواقع اظهر حدوث خروقات كثيرة في العقوبات خلال الأشهر الأخيرة الماضية.
التبادل التجاري
هو لم يقل بوضوح إن التبادل التجاري مع العراق كان من إحدى هذه الثغرات لكن المسألة كانت من بين المسائل التي تناولها النقاش في محادثاته في أنقرة. وقد ابلغ مسؤولون في وزارة الخارجية التركية السفير والكر أن تركيا خسرت الكثير بسبب الحصار على العراق، وأنها لا تريد أن يتم التعاطي معها كسوريا التي شقت مؤخرا لخط أنابيب نفط يصل بين أراضيها وبالأراضي التركية.
الشريك التجاري الأول
كانت العراق الشريك التجاري الأول لتركيا قبل حرب الخليج. وكانت تركيا على الحياد خلال الحرب العراقية الإيرانية أقامت مشاريع عدة مع العراق، إلا أنها أصبحت في مرحلة لاحقة ضحية للحصار. وقدمت لمرتين متتاليتين الطلب إلى الأمم المتحدة لاستخدام المادة 50 المدانة التي تسمح لتركيا، على غرار الأردن، بإقامة تبادل تجاري مع العراق على قاعدة أن تركيا تخسر من جراء الحصار ما بلغ حسب بعض الإحصائيات حوالي مائة مليار دولار.
إلا أن تركيا لم تلق أي جواب على مطلبها. بل هي بدأت عوضا عن ذلك بإقامة علاقات تجارية أحادية الجانب مع العراق. ومنذ تطبيق اتفاقية النفط مقابل الغذاء، بدأت الشاحنات التركية المكشوفة بشحن المواد الغذائية إلى شمالي العراق والعودة بالنفط في شاحنات مجهزة خصيصا لم يكن هذا التبادل التجاري في بداياته تحت الإشراف والتنظيم بل كانت الشاحنات تنتظر في رتل على مسافة كيلو مترات عدة بانتظار الدخول إلى العراق. ولم تكن تعود فقط بالنفط، بل وان الأسلحة والهيرويين دخلت تركيا أيضا. ووجد الفساد بالتأكيد له انطلاقة، وامتلأت جيوب بعض مسؤولي الجمارك. وكان يفترض بالنفط القادم من العراق أن يستخدم في جنوب الأناضول، إلا انه لم يكن حظر جوي فرضته الولايات المتحدة على نفسها منذ البداية. حيث شاركت الطائرات الفرنسية، البريطانية والتركية في هذا البرنامج. ثم تركت فرنسا التحالف في وقت لاحق. هذه العملية لم تؤذ العراق فقط بل انعكست سلبا على تركيا أيضا. وحدة العملية تعرض كل ستة اشهر للتجديد من قبل البرلمان التركي فتتكرر اللعبة نفسها على الدوام: تعارض أحزاب المعارضة المشروع معتبرة انه يساعد على إقامة دولة كردية في المنطقة الخلفية من تركيا. لكن، وحين وصلت المعارضة إلى الحكم وافقت بدورها على التمديد للعملية ستة اشهر جديدة. وما زالت هذه العملية تعمل انطلاقا من قاعدة انسيرليك في جنوبي تركيا.
قصف العراق
حين قصفت الإدارة الأميركية، بمساعدة بريطانيا العراق مرة جديدة، قال أجاويد انه علم بأمر القصف من التلفزيون وكان غاضبا جدا واكد انه كان على الولايات المتحدة إبلاغ تركيا مسبقا بالأمر. ووافقه الرأي وزير الخارجية الذي دعا سفير الولايات المتحدة في أنقرة إلى إبلاغ بلاده استياء الحكومة التركية من عدم أعلامها بالأمر. وصدر بيان رسمي عن وزارة الخارجية أشار إلى قلق تركيا لسبب وقوع إصابات بين المدنيين. إلا أن أجاويد وشيم نفيا أن تكون قاعدة انسيرليك التي استخدمت كنقطة انطلاق العملية الهجومية. بل أن أجاويد قال انهم لن يسمحوا مطلقا للولايات المتحدة استخدام انسيرليك>> التي تشكل حاليا قاعدة لحلف الأطلسي، لاطلاق مثل هذه العمليات لكن وبعد البيان الباعث على الفخر الذي أصدره أجاويد، ابلغ مكتب إعلام برنامج المراقبة الشمالية بشكل علني أن طائرات المراقبة الشمالية انطلقت خلال الشهر الماضي من انسيرليك فتحت في الواقع النار على الرادارات العراقية اكثر من أربعين مرة. وكان على وزير الخارجية التركية بعد ذلك أن يقول إن ظروف إطلاق النار، ووفقا للاتفاقات السارية المفعول، واضحة جدا، وحين تتعرض طائرة للتهديد فليس من مبرر للحصول على أي تأكيد من أنقرة للدفاع عن النفس.
متفائلة
وتبقى أنقرة متفائلة. ويقول مسؤولون في وزارة الخارجية التركية إن مقارنة الإدارة الأميركية الجديدة مع الإدارة السابقة في ما يتعلق بالموقف من العراق، تبين أن الإدارة الجديدة اكثر واقعية. ويشعر وزير الخارجية التركي أن الولايات المتحدة لم تعد تستهدف صدام حسين بل فقط قدرته على امتلاك أسلحة الدمار الشامل. ويعتقد بقوة، بل وينصح الإدارة الأميركية الجديدة بان <<لا تثق بالمعارضة العراقية، لأنها لن تستطيع القيام بأي عمل>>.
واليوم، يضع شيم قضية العراق في برنامج أبحاثه وينتقل إلى الولايات المتحدة مع آماله. ويريد أن يصدق الوعد الذي أطلقه ادوار ولكر حين زيارته لانقرة. إلا أن السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة لن تحدد إلا بعد مشاورات ومباحثات مع دول المنطقة. وسيختبر شيم ما إذا كانت الولايات المتحدة ستبقي على وعدها.