التطورات في عالم الطب تتلاحق بسرعة، ويكاد لا يمر اسبوع دون ان تسمع جديداً في طرق التشخيص والعلاج. وفي هذا اللقاء لـ"النهار" مع الدكتور فيليب سالم رئيس برنامج الابحاث السرطانية في مستشفى سانت لوك في هيوستن (تكساس)، نعرف اكثر عن دواء "غليفيك" الفعال في معالجة اللوكيميا المزمنة، وسواه من الادوية والمقاربات الجديدة في محاربة
سالم
المرض الخبيث.
* ما سبب تلك الضجة الكبيرة التي احدثها الدواء الجديد "أس. تي. آي. 571"؟
- تلك الضجة الكبرى مرتبطة بسببين: الأول ان الدواء الجديد "أس. تي. آس. 571"، أو "غليفيك" مثلما يسمى اليوم، شديد الفاعلية في معالجة مرض نادر من سرطان اللوكيميا المزمن. وهذا المرض لم يكن له علاج جيد قبل "غليفيك" الفاعل جداً الى درجة شفائية. والسبب الثاني ان هذا الدواء يستهدف فقط الخلايا السرطانية ويؤذي قليلاً - اذا أذى - الخلايا السليمة والصحيحة في الجسم، لذلك فان الاعراض الجانبية اقل بدرجة جوهرية عن تلك التي تنتج عن العلاج الكيميائي التقليدي. والأهم من السببين اللذين ذكرتهما هي الحقيقة التي تقول ان "غليفيك" يمثل رؤية جديدة واستراتيجيا جديدة في اخضاع السرطان. تلك الرؤية استتبعت تصميم دواء جديد يوجَّه تحديداً نحو الخلايا السرطانية ويدمرها تدميراً كاملاً.
* ما هي الامراض التي يعالجها هذا الدواء؟
- الى الآن، يستخدم الدواء غالباً بفاعلية مع المرضى الذين يعانون سرطان اللوكيميا المزمن المعروف باسم Chronic Myelogenous Leukemia وهو أحد أمراض اللوكيميا الرئيسية الأربعة. العلاج المتعارف عليه لذلك المرض كان واحداً من ثلاثة، إما عملية زرع لنقي العظم وفيها اخطار عالية، او بدواء "انترفيرون" الذي يسبب اعراضاً جانبية، او بالعلاج الكيميائي التقليدي مع دواءي "بردنيسون" و"ميليران".
استخدام العلاجات التقليدية، ادى في احسن الاحوال الى القضاء على السرطان نهائياً عند 30 في المئة فقط، فيما مع "غليفيك" اشارت مجلة "نيوانغلاند جورنال أوف ميديسين" الى شفاء 98 في المئة من المرضى الذين اكتشفت امراضهم السرطانية بصورة مبكرة، وتالياً عاد عدد الكرويات الدموية لديها الى وضعها الطبيعي، واختفت عند 13 في المئة اختلافات في الكروموزومات التي ترافق المرض عادة. ونأمل تالياً ان اولئك المرضى ستختفي لديهم الاختلالات الجينية تماماً، أو على الأقل يمكن شفاؤهم.
وبالاضافة الى اللوكيميا المزمن، اظهر "غليفيك" فاعلية في علاج بعض الامراض المعوية. من المهم القول ان "غليفيك" اختبر على انواع عديدة من السرطانات، وهناك امل في ان يكون فاعلاً مع انواع أخرى.
&
العلاج الهادف
* كيف يعمل الدواء الجديد؟
- لخلية السرطان معالم مميزة عدة تجعلها تظهر وتتصرف بطريقة مختلفة عن الخلايا الصحيحة. فاللوكيميا المزمنة يرافقها تغير في الكروموزومات ينتج بروتيناً غير طبيعي يعطي اشارات الى الخلية كي تنمو وتتوالد. "غليفيك" يعمل على منع تلك الاشارات في الخلية السرطانية التي يرمز اليها هذا البروتين غير الطبيعي، ويمنع سلسلة من ردود الفعل الكيميائية التي تسبب نمو الخلية وتوالدها. اذاً "غليفيك" يستهدف بالتحديد ما هو غير طبيعي في الخلية السرطانية. واستخدام ادوية مثل "غليفيك" مقاربة جديدة في العلاج تسمى العلاج الهادف. هذا يختلف عن العلاج التقليدي الذي لا يميز بين الخلية السرطانية والخلية الصحيحة. لذلك عندما يتم استخدام عناصر العلاج الكيميائي التقليدي& يحصل ضرر كبير للخلايا الصحيحة بقدر ما تتضرر الخلايا السليمة.
* هل هناك فوائد اضافية لهذا الدواء؟
- نعم، هذا الدواء عبارة عن حبوب، وهذه ميزة عظيمة لان غالبية عناصر العلاج الكيميائي التي نستخدمها تعطى بالعروق، لذا على المريض ان يبقى في المستشفى. "غليفيك" يمكن ان يؤخذ عندما يكون المريض يستجم مثلاً على شواطئ الكاريبي.
* هل صحيح انه لا اعراض جانبية او ما شابه لـ"غليفيك"؟
- هذا غير صحيح، فرغم ان "غليفيك" اقل تسميماً من العلاج الكيميائي، فإنه يترافق مع اعراض جانبية عدة. اذ يمكن ان ينتج عنه غثيان، او تورم في القدمين وفي الجسم، او تشنجات عضلية، او طفح جلدي، او اعراض اخرى اقل. في اي حال، الموضوع المهم متعلق بحقيقة ان دواء "غليفيك" ليست له اعراض جانبية تهدد الحياة، مثل تخثر الدم او الحساسية المميتة.
اود ان احذر هنا من احتمالات الاعراض الجانبية البعيدة المدى التي لا نعرف عنها شيئاً بعد لان تجربتنا مع الدواء ما زالت محدودة، وعلينا متابعة علاج المرض لنعرف.
* الا توجد ادوية اخرى تقوم بوظيفة مشابهة لـ"غليفيك"؟
- بلى ومنها "هيرسيبتين". هذا دواء يحافظ على عدم نمو العناصر التي تغذي انواعاً معينة من خلايا سرطان الثدي. فهناك 25 الى 30 في المئة من اورام سرطان الثدي تترافق مع انتاج متزايد بصورة غير طبيعية لبروتين يعرف باسم HER - 2/neu. "هيرسيبتين" يمسك بالبروتين ويمنع الخلية من النمو والتوالد مما يؤدي الى موتها. ويمكن خزعة من الورم ان تقول للطبيب ما اذا كان المريض لديه ذلك البروتين في سرطان الثدي ام لا، وتالياً اذا كان "هيرسيبتين" ينفع أو لا ينفع. ومثال آخر دواء "ريتوكسان" وهو صمم خصيصاً ليلائم سطح الخلايا السرطانية المعروفة باسم Non Hodgkin,s Lymphomas. وهذا ايضاً يعزل الخلية السرطانية ويدمرها بمعزل عن الخلية السليمة. "ريتوكسان" يعتبر اليوم جزءاً من العلاج المثالي لسرطان الليمفوما الذي ذكرته.
* اذا كان "ريتوكسان" و"هيرسيبتين" يعملان مثل "غليفيك"، لماذا رافقت "غليفيك" تلك الضجة الكبرى؟
- يعود سب الاثارة الكبيرة التي احدثها "غليفيك" الى حقيقة تلك الحبة البسيطة، وايضاً الى الفاعلية الشديدة في علاج الامراض المستهدفة. فيما "ريتوكسان" و"هيرسيبتين" يتجاوبان مع 20 الى 40 في المئة من المرضى الذين يعالجون بهما. "غليفيك" تجاوب مع اكثر من 95 في المئة من المرضى.
* اليس هناك ادوية اخرى مثل تلك على الطريق ايضاً؟
- اجل، فنحن نحاول الآن استهداف بروتين جديد يسمى EQFR، وهو ابن عم بروتين HER - 2/neu. من الواضح ان ثلثي انواع السرطان تتلازم مع هذا النوع من البروتينات. ومن الواضح ايضاً ان الادوية التي تحجب ذلك النوع من البروتينات تمنع الخلايا من النمو والتوالد. واحد من تلك الادوية يسمى C225 واثبت فاعليته في علاج سرطان القولون عند عدد محدود من المرضى، هناك معلومات اولية تفيد ان دمج C225 مع العلاج الكيميائي التقليدي يؤدي الى ارتفاع نسبة الشفاء. وهناك دواء آخر هو osi-774 تنتجه احدى الشركات في نيويورك اظهر نتائج مؤثرة ضد سرطان الرئة وسرطان الرأس وسرطان العنق. وما زال هناك دواء آخر يعمل بالآلية ذاتها واسمه Iressa ويظهر ان له نتائج واعدة ضد سرطانات الرئة والمعدة والبروستات والثدي، ويتم انتاجه في لندن.
&
مستوى الخلية
* اهذا هو اتجاه التقدم الذي تتوقعه مستقبلاً؟
- نعم، ففي الماضي اخترنا ادوية علاج السرطان على اساس المراقبة، الآن نختار الادوية استناداً الى فهمنا لطريقة عمل السرطان على مستوى الخلية نفسها، وتالياً ابتكار ادوية لتدميره. ولهذه المقاربة ميزتان اساسيتان:
1- العلاج سيكون اكثر فاعلية.
2- ضرر العلاج سيكون اقل بكثير مما كان.
لقد استثمرنا الكثير، في الاعوام الـ25 الاخيرة، في بيولوجيا الخلايا، والآن بدأنا نقطف عائدات ذلك الاستثمار.
* ماذا حصل للمفهوم الذي اطلقه الدكتور جوداس فولكمان قبل اعوام حول العلاج الجيني المسمى - anti giogenesis؟
- الفرضية هنا تقول ان الاورام تحتاج الى الدم والاوكسيجين للنمو، وبذلك تكون قادرة على انماء مخزونها الدموي، وذلك المفهوم الذي اطلقه فولكمان يستند الى مفهوم بسيط مؤداه انك اذا حجبت ذلك المخزون الدموي عن الورم، او اذا حجبت قابلية الورم لانماء اوعيته الدموية، يموت. هذه المقاربة تجري تجربتها الآن في اختبارات عيادية. في اي حال، يجب ان اقول ان المعلومات المتوافرة حتى الآن مخيبة لجهة ان افضل ما يمكن التوصل اليه بهذا العلاج كان بالحد الادنى في العامين الاخيرين. ومن المهم التأكيد ان ذلك لا يعني ان هذا الباب اغلق. اعتقد ان الامر يستلزم سنوات اخرى لتحديد دور تلك المقاربة في معالجة السرطان. الى الآن النتائج ما زالت غير مؤثرة.
* هل من مفاهيم جديدة؟
- نعم، وأحد الاعمال الجديدة والمثيرة يتركز على كوابح الدورة الاوكسيجينية المسمى Coxinhibitors. مزيل الالم هذا اطلق لتخفيف الالتهاب كما يفعل الاسبرين، ولكن هذا الدواء ايضاً له عناصر ضد اعراض السرطان. هناك معلومات ثابتة تشير الى ان بعض الادوية يقلل عدد الانسجة ما قبل السرطانية عند المرضى. لان الكروموزم Cox2 يعبر عن ذاته لدى عدد كبير من السرطانات البشرية. الامل ان يكون هذا الدواء قادراً على اثبات فاعليته ضد سرطانات الرأس والعنق والمثانة والرئة والثدي.
* هل يمكن ان تخبرنا اين يقع العلاج الجيني اليوم؟
- العلاج الجيني ما زال في بداياته وما زلنا نتعلم اسس موضوعاته. المعلومات الاولية تتحدث عن نتائج مشجعة حول سرطانات البروستات وغيرها، ولكن ما زال من المبكر جداً اعطاء تعليق موثوق على دور ذلك النوع من العلاج.
* ماذا عن العلاج التلقيحي؟ انحن ماضون نحو رؤية لقاح يمنع السرطان مستقبلاً؟
- العلاج التلقيحي مقاربة شديدة الجاذبية. ويجب ان نفكر وان نحلم بلقاح ضد السرطان. في هذه المرحلة ليست لدينا معلومات كافية تشير الى امكان حصولنا على لقاح. نحن نتحرى عن الموضوع، ولدينا الكثير من الحوافز.(صحيفة النهار)
&