&
كتب طلال سلمان في السفير عن بشار الأسد فقال "اللقاء مقرر منذ وقت طويل، لكن المسؤوليات والانهماكات المتعددة، وأبرزها الزيارات الأوروبية الثلاث، فضلاً عن الجولات العربية المتعددة، لم تتح الفرصة إلا بالأمس فقط مع الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد. على أن متعة الحوار المستفيض، وجولة الأفق الواسعة مع أفكاره وآرائه واستنتاجاته عوضت الانتظار، وأغنت الذاكرة بفيض من المعلومات والملاحظات والانطباعات المميزة التي عرضها الرئيس الشاب بأسلوبه التحليلي المميز.
لا يتوقف بشار الأسد عند المناسبة: السنة الأولى لتسلمه مسؤوليات الرئاسة خلفا لأبيه الراحل الكبير حافظ الأسد. ليست المناسبات والمواعيد موضع اهتمامه. الإنجاز هو الأصل، والإنجاز لا يحتسب بالأيام والشهور بل باكتمال المهمة وتحقيق الأهداف.
لا غموض ولا تردد، لا تسرع ولا ارتجال، لا خوف من المسؤولية ولا استهانة بتبعاتها: <<في الحقيقة كنت حاضرا الى حد كبير. كنت في السنوات الأخيرة من عمر الرئيس الوالد قريبا جدا من مركز القرار، ولعلني كنت أشارك في التحضير له وفي إنضاجه. لست طارئا على الحياة السياسية وعلى المهمات الثقيلة الملقاة على عاتق القيادة في سوريا. إنني أعرف بلدي جيدا، وأفهم مشكلاته وأقدر طموحات شعبه، بل وأشارك فيها. ربما لهذا لم يربكني أن قد وقعت عليّ أعباء مسؤولية القرار. أعرف الفارق وأحدده بدقة: كنت صاحب رأي، وأنا الآن صاحب القرار ومركزه. ولكنني أعتبر أن الأساس هو <<التحليل>> الدقيق للواقع، ومتى صح التحليل صح القرار بالضرورة. ومن هنا اهتمامي الشديد بتحليل الواقع بمعطياته المختلفة والمركبة، إن على المستوى الداخلي أو على مستوى العلاقات بالدول، العربية منها والأجنبية. ولأنني أتعب في دراسة المعطيات ليكون تحليلي دقيقا وموضوعيا فإنني أكون أكثر اطمئنانا الى صحة قراري، وبالتالي فإنني استمد شجاعتي في مواجهة المشكلات والعلاقات المعقدة من فهمي للواقع المبني على تحليل عناصره المركبة. التحليل هو الأساس، وكثيرا ما يثير بعضهم دهشتي من ابتعادهم عن التحليل إلى ارتجال المواقف التي غالبا ما تكون لفظية أو عاطفية ولا تصمد للتطورات ولا هي تحل المشكلات. القرار هو النتيجة، وبقدر ما يكون التحليل صحيحا يأتي القرار صحيحا>>.
كنت أتأمل ملامح الرئيس الشاب وأحاول تبين الفروق في الملامح بين اللقاءين: في أواسط أيار 1999، واليوم في أواسط تموز 2001. كان الوجه الصارم التقاطيع يستعيد حيوية الفتوة حين يبتسم أو يضحك.
قال مستذكرا: <<باشرت قراءة الصحف في العام 1974 (عام صدور <<السفير>>) ولو بشكل متقطع، أما منذ 1978 فقد دأبت على قراءة مختلف الصحف العربية، واللبنانية خصوصا، فضلا عن الصحف السورية، وكوّنت فكرة عن مختلف الكتاب والصحافيين من خلال مقالاتهم وآرائهم. ويدهشني إصرار بعض المتأثرين بما هو سائد في المجتمعات الغربية عموما والمجتمع الأميركي خاصة على وصف الصحافة بأنها <<السلطة الرابعة>>. من أين لها، في عالمنا الثالث المتخلف، حيث السلطة لصاحب السلطة، لا شريك له فيها، ان تكون سلطة رابعة؟! إن الاستعارات قد تكون مؤذية أحيانا، ولكل مجتمع مقوماته وظروفه، والصحافة في بلادنا تعكس واقعنا المتخلف، وإن كانت تحاول ان تلعب دورا وأن تؤثر في صورة المستقبل، لكن الأمر لا يتعلق بطموحاتها فحسب بل بواقع المجتمع، وهنا نعود إلى أهمية التحليل>>.
كان واضحا انه الآن أكثر ثقة بنفسه، وأن خطابه أكثر تماسكا، وأن بعض ما عاد به من انطباعات، بل من نتائج مباشرة لجولته الأوروبية التي شملت ثلاثا من كبريات دول القارة الجارة، قد أكد له الأمرين: صحة التحليل ومن ثم الثقة بالنفس، استنادا إلى أهمية بلاده لا سيما دورها الكبير الذي أكده وأثبت ضرورته لأي أمر يتصل بشؤون المنطقة، الرئيس الأبرز في تاريخ سوريا الحديث الراحل الكبير حافظ الأسد.
يقول بشار الأسد: <<المهم أن تكسب الاحترام لا العطف. المهم أن تذهب برأي وبقرار، لا أن تذهب حائرا، شاكيا، سائلا الرأي والقرار في شؤونك. أن تخاطب المصلحة المشتركة، ومن خلال فهمك واحترامك لأهمية بلادك ودورها. لسنا ملتحقين ولسنا طلاب مساعدات. إننا نبحث عن شراكة في المصالح تفيد الطرفين. عندنا الموارد والأرض واليد العاملة والقرار، وعندهم المال والخبرات والحاجة الى الأسواق. التحليل يوصل الى النتيجة الصح والقرار الصح>>.
???
ننتقل الى أحوال المنطقة وما يتهددها من مخاطر في حاضرها وفي مستقبلها.
نسأل عن <<شبح الحرب>> الذي يرى كثيرون أنه يلوح في سماء المنطقة.
يقول الرئيس السوري بشار الأسد بثقة المطمئن الى صحة تحليله:
إن اسرائيل تملك من أسباب القوة ما قد يغريها، تحت رئاسة رجل مهووس بالحرب، مثل ارييل شارون، بأن تقدم على مغامرة حربية واسعة. شارون لا يعرف إلا لغة القوة. لكن مثل هذه الحرب لن تحل شيئا من أسباب أزمتها، فلا هي ستحل أو ستنهي قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه في أرضه وفي تقرير مصيره فوقها، ولا هي ستحقق فيها النصر الكاسح الماسح بحيث تسود بعدها سيادة مطلقة تضمن معها سيادة السلام الاسرائيلي.
<<إن اسرائيل قد تستطيع التحكم ببداية الحرب، ولكنها لن تستطيع مطلقا أن تتحكم بخاتمتها أو بنتائجها. إن الطرف العربي، ونحن منه في الطليعة، هو من يملك قرار إنهاء الحرب: كيف وأين وبماذا تنتهي.
<<نعرف أن اسرائيل متفوقة في بعض المجالات العسكرية علينا، لكن الصمود قرار، وهذا القرار موجود اليوم كما كان موجودا دائما. ثم إننا لن نكتفي بتلقي الضربات مستكينين، ونخضع بعدها لشروط السلام الاسرائيلي>>.
ويضيف الرئيس بشار الأسد فيقول:
<< ونعرف أن اسرائيل قد تخلت عن فكرة الاجتياح العسكري والاحتلال بالقوات، وانها تأخذ الآن بمنهج التدمير الشامل لمرافق عدوها، بواسطة الطيران، ومن على بعد كاف، يجنبها خسائر المواجهة المباشرة>>.
ويستدرك للتوكيد على معنى محدد فيقول:
<< إلا أن كثيرا من المعطيات قد تبدلت نتيجة المقاومة الباسلة في لبنان والانتفاضة المباركة في فلسطين. ليست الحال أمس هي الحال الآن، ولا أظن أن مسؤولا عاقلا في الكيان الصهيوني يستطيع أن يغفل أثر التحولات التي فرضها هذا التبدل النوعي في أساليب المواجهة، وأبرزها إمكان نقل المعركة الى أرض العدو نفسه.
<<.. أما بالنسبة إلينا فقرارنا واضح: سنصمد وسنرد العدوان حتى لو قدرنا أن العدو سيدمر الكثير من مرافقنا. إننا بالأصل فقراء، ونستطيع أن نصمد بأكثر مما يتصورون وأن نعيد بناء ما قد يتهدم، كما أننا نملك ما نؤذي به العدو إيذاء شديدا>>.
???
نحدث الرئيس بشار الأسد عن نظرة العالم إليه، ومن خلال لبنان تحديدا، مع تسلمه لمهماته... فيزيدنا إيضاحا ويقول بصراحته المباشرة:
أعرف أن كثيرا من الدول ومن القوى قد أراد امتحاني واستكشاف نقاط القوة والضعف في شخصيتي. وأعرف أن بعض الأطراف في لبنان قد افترض أن رحيل الرئيس حافظ الأسد، بشخصيته التاريخية وقدراته المميزة وهيبته سيترك فراغا كبيرا، ولعل بعضهم قد أراد امتحاني. لقد شعرت بهذا على مستوى بعض الدول كما على مستوى بعض القيادات السياسية، ولا سيما في لبنان، ولكنني أفترض أن الكل قد أدرك الآن انني لا اخضع للابتزاز ولا اتخذ أي قرار تحت الضغط، وانني متمسك بالثوابت التي نشأت عليها في بيت حافظ الأسد، والتي تعبر عن ارادة الشعب في سوريا، بل انني احس انني مؤتمن عليها>>.
وروى الرئيس بشار الأسد نتفاً من أسرار بعض المحاولات التي اقدمت عليها بعض القوى لإلغاء زيارة البابا الى سوريا أو للتعديل في برنامجها: <<لكن الزيارة تمت وفقاً لما توافقنا عليه وطلبناه من البابا، وحققت نجاحاً ممتازاً وتركت في نفس قداسته وعلى المستوى الدولي التأثير الطيب الذي نرغب فيه>>.
عن المسألة اللبنانية قال الرئيس بشار الأسد الكثير: <<عن الرؤساء لحود والحريري وبري، وعما يثار حول الترويكا، وعن المحاصصة، وعن الأزمة الاقتصادية، وعن الاتهامات المتكررة لسوريا وللسوريين بالتدخل، وعن الفساد بالشراكة، حيث لكل متورط سوري مفسد لبناني والعكس بالعكس>>... قال الكثير مما لا يتسع المجال، هنا، لنشره، ولكنه تحدث بلهجة العارف بالأساسيات والخبير بالناس، حاكمين ومحكومين، وبالمشكلات المعقدة التي يعاني منها هذا الوطن الصغير.
تحدث عن ضعف فكرة الوطن الدولة، وغلبة فكرة الدولة كصيغة تسوية بين الطوائف، عبر زعاماتها ومرجعياتها، التي يسهل بالمزايدة أو بالمناقصة اختصارها أو تزايد أعدادها بما يؤدي لتقاسم الدولة كنافع ولو على حساب الوطن.
ويختم الرئيس بشار الأسد بالقول: ان مصلحتنا، كسوريا، هي في التطبيق الحرفي والكامل لاتفاق الطائف، لا سيما في ما يتصل بإعادة الإنتشار العسكري، ثم ما يتصل بإلغاء الطائفية السياسية. ان تطبيق ذلك الاتفاق يريحنا على المستوى العسكري والأمني إذ يخرجنا من دوامة الصراعات اللبنانية الصغيرة، ويوفر لنا الفرصة لإعادة تأهيل جيشنا بما يتناسب مع مهماته القومية، ثم ان ابتعادنا عن الدوامة الطائفية بديهي لدولة علمانية مثل سوريا. لكن خوفنا على لبنان وحرصنا على اللبنانيين هو الذي يجعلنا نوافق على ما يتوافقون عليه>>.
? ? ?
بشار الأسد بعد سنة من الرئاسة أكثر ثقة بنفسه، بخطه، ببلاده، بصحة السياسة التي اعتمدها حافظ الأسد على امتداد ثلاثين سنة فأعطت سوريا دوراً أكبر بكثير من امكاناتها.
بشار الأسد مشغول الآن بكيف يضيف إلى رصيد حافظ الأسد، وليس فقط بكيف يحفظه ويحميه.
بعد مؤتمري قمة عربيين، وقمة اسلامية، وبعد جولة عربية واسعة، وبعد زيارات لأكبر دول أوروبا، يبدو بشار حافظ الأسد في صورة الرئيس العربي المهيأ للدور الكبير الذي مقدر عليه ان يلعبه، وان ينجح فيه.
&
&