&
&
&كتب طلال سلمان في السفير عن فلسطين والعرب فقال من مفارقات القدر أن يتعلق أمل الفلسطينيين لحفظ الحق الأدنى من حقوقهم في بعض أرضهم، وبقدر من السلامة فوقها، اليوم، بالتفاتة من الغرب، تتمثل في السعي لدى إسرائيل لكي تتكرم فتقبل بإيفاد بعض المراقبين الدوليين إلى <<الحدود>> بين <<المناطق>> الممنوحة للسلطة الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني، لكي يكونوا شهودا على القتل اليومي والتدمير المنهجي لأسباب الحياة في تلك البقعة من الأرض العربية المعزولة عن سائر أهلها بالموت والنار، والمعزولين عنها أو الهاربين منها حتى لا يؤاخذوا على التعاطف معها.
قبل خمسين سنة كانت الهزيمة العربية في فلسطين، أمام الصهاينة الوافدين من مختلف أنحاء العالم، بأموالهم وسلاحهم وخبراتهم القتالية المكتسبة من خلال انتسابهم إلى جيوش الحلفاء، هي المفجِّر لروح الثورة والتغيير (الداخلي) من أجل الانتصار على أعداء الداخل واستعادة فلسطين بتحريرها من أسار الأسطورة التوراتية التي شكّلت الأساس التاريخي والسياسي للكيان الصهيوني.
كانت سوريا مسرح الانفجار الأول <<المصنوع>> وإن كان قد جاء في مناخ من السخط والنقمة والشعور بأن المواطن العربي قد مُني بهزيمة نكراء في معركة لم يستعد ولم يُعدّ لها، بل كانت ضحية خداع أنظمته وإن كان قد دفع وما زال يدفع ثمن الهزيمة من حريته وحقه في حياة كريمة ومن التقدم وإثبات الأهلية وصولاً إلى الخبز اليومي.
ثم انفجرت مصر بثورة جمال عبد الناصر ورفاقه من <<الضباط الأحرار>> الذين تجرعوا الهزيمة في الميدان مباشرة، وكانت فلسطين كلمة السر في حركتهم وفي تطلعهم إلى دور لمصر يليق بها وبأمتها العربية، عبر الخلاص من النظام المتسبِّب في الهزيمة.
وتوالت حركات التغيير والانتفاض باسم فلسطين ومن أجلها، بغير أن تتمكن من إعادة العرب إلى ميدان <<التحرير>> واستعادة فلسطين، أو نصفها المشار إليه في قرار التقسيم، أو حتى بعضها الذي انتهى إليه المطاف في أوسلو.
اليوم يتبدى وكأن العرب <<يخرجون>> من فلسطين، ويهربون من ميدانها، تاركين الانتفاضة لمصيرها، ومتخلين عن دورهم الطبيعي (في حماية الذات) لما يسمى <<المجتمع الدولي>> بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
إنهم يقرون بعجزهم، ويتوجهون إلى واشنطن التي طالما اعتبروها الحليف الأكبر والشريك الدائم لإسرائيل، كي تأخذ عنهم هذه المهمة الثقيلة، وتقرر ما تراه، ثم يواصلون حياتهم بهدوء!
لقد سلّموا بإسرائيل وباتت فلسطين هي العبء،
وألغوا أنفسهم تاركين للولايات المتحدة أن تقرر، وهم يعرفون سلفا أن قرارها <<إسرائيلي>> ومعاد للمستقبل العربي.
عشية الذكرى الخمسين لثورة جمال عبد الناصر في مصر يبدو أن العرب معنيون أولا وأخيرا بقتل ما تبقّى من روح الثورة ومن هذا القائد العظيم الذي حاول ففشل ولكنه سقط في الميدان بغير أن يستسلم أو يصالح، ولهذا سكن الوجدان وبات كأنه مرادف لفلسطين.
على أن روح الثورة ما زالت متقدة ودائما في فلسطين وباسمها، وستبقى.
&