صدر في لندن كتاب للصحفي الفلسطيني الراحل عوني بشير تحت عنوان "مربط الجمل"، ضم عشرات المقالات التي كان الراحل يكتبها اسبوعيا في مجلة "المجلة" اللندنية بعنوان "مربط الجمل" والتي عالج فيها العديد من المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية والرياضية، مع تركيزه على وطنه فلسطين.
يقول الناشر "ان المعضلات والحلول التي تتناولها المقالات ما زالت مطروحة بخطوطها العريضة وتفاصيلها أيضا. لذلك فان "مربط الجمل" هو الجزء الاول من مجموعة أجزاء ستصدر تباعا". وقدم للكتاب الكاتب السوداني الطيب صالح، والصحفي السعودي عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير "الشرق الأوسط".
يقول الناشر "ان المعضلات والحلول التي تتناولها المقالات ما زالت مطروحة بخطوطها العريضة وتفاصيلها أيضا. لذلك فان "مربط الجمل" هو الجزء الاول من مجموعة أجزاء ستصدر تباعا". وقدم للكتاب الكاتب السوداني الطيب صالح، والصحفي السعودي عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير "الشرق الأوسط".
&ولمعرفة الصحافي الراحل عوني بشير، ننشر هنا مقدمة الطيب صالح ومقالة عبد الرحمن الراشد.
مقدمة الطيب صالح
انه شرف عظيم لي ان السيدة الفاضلة ليلى بشير، زوجة المرحوم عوني بشير، وقع اختيارها عليّ لأكتب مقدمة لهذا الكتاب الذي يضم مقالات للراحل العزيز.
انني بالطبع واحد من مئات الناس الذين أسرتهم جاذبية الفقيد العزيز وفيض مودته ودفء انسانيته.
عرفته منذ قرابة عشرين عاما حين بدأت اكتب الصفحة الاخيرة من مجلة "المجلة" على عهد الاستاذ عثمان العمير، ومن بعده الاستاذ عبد الرحمن الراشد.
لم أكن ألتقيته بعد، وكنت بعيدا عن لندن اعمل في مكتب اليونيسكو في قطر، فظلت صلتنا زمنا بواسطة الهاتف. ولكن حتى على البعد، كان صوته على التلفون يحمل مقومات شخصيته كلها كما وجدت حين التقينا وجها لوجه.
صوته كان نافذة على روحه، صوتا ودودا مرحا خاليا من التكلف، يجعلك تحس كأنك واياه صديقان منذ زمن طويل.
في تلك الايام كنت كثير المشاغل، دائم الأسفار، وما اكثر ما تأخرت في ارسال المقالة الاسبوعية بالفاكس، فكان يصبر عليّ، ويلاحقني باسلوبه المهذب الودود.
كانت نعمة عظيمة لي، ان المحرر الذي أتعامل معه مباشرة كان عوني بشير، وفي طبعي انني لا أحسن البعمل الا مع من أحب.
لم يكن يستقبل المقالات ببرود وعدم اكتراث، كما يفعل بعض المحررين في زحمة العمل الصحفي، ولكنه كان يحتفي بما يقرأ ويسارع فيتصل بي بالتلفون مقرظا ومشجعا. وكنت اعلم ان ثناءه بدافع الكرم وليس لأان ما كتبت يستحق الثناء.
كنت أبادله اعجابا باعجاب، ولكن سخريته كانت شيئا مختلفا. ولأنه كان عميق الحب للناس، عظيم الادراك لجمال اللغة العربية وثراء مفرداتها وصورها، أضف الى ذلك روحه المرحة دائما، فانه كان يصنع أدبا فيه روح التهكم، قادرا على الاستمرار على انه أدب من طراز رفيع.
بواسطة ذلك الرمز، الذي ابتدعه، ظل يطرق موضوعا بعد آخر. لم يكن يترك موضوعا الا طرقه، يهيب بالأمة العربية أن تحل وثاقها وتنهض من كبوتها.
كان يبدو لي أحيانا، كأنه يحمل هموم الأمة العربية كلها على عاتقه. وكنت اعلم انه يحس مأساة الانسان الفلسطيني احساسا مضنيا. لكنه صبر على كل تلك الهموم والاحزان، وطوى عليها جوانحه، وطظهر للناس على الدوام بوجهه البشوش وصوته المرح المفعم بالتفاؤل وابتسامته العذبة.
حين التقيته آخر مرة وهو على فراش المرض في مستشفى "كرومويل" استقبلني كما عهدته دائما، الى حد انني استيقنت انه ق تعافى تماما من مرضه، وانه سوف يغادر المستشفى بعد& بضعة أيام. قال لي وأنا أودعه "حين أخرج ان شاء الله، لا بد ان نلتقي أكثر".
لكن الموت - ويا للحسرة- كان أقرب اليه مما ظننت. ويا ليتني كنت لقيته أكثر في حياته، فقد كان انسانا نادر المثال. رحمه الله رحمة واسعة.
انني بالطبع واحد من مئات الناس الذين أسرتهم جاذبية الفقيد العزيز وفيض مودته ودفء انسانيته.
عرفته منذ قرابة عشرين عاما حين بدأت اكتب الصفحة الاخيرة من مجلة "المجلة" على عهد الاستاذ عثمان العمير، ومن بعده الاستاذ عبد الرحمن الراشد.
لم أكن ألتقيته بعد، وكنت بعيدا عن لندن اعمل في مكتب اليونيسكو في قطر، فظلت صلتنا زمنا بواسطة الهاتف. ولكن حتى على البعد، كان صوته على التلفون يحمل مقومات شخصيته كلها كما وجدت حين التقينا وجها لوجه.
صوته كان نافذة على روحه، صوتا ودودا مرحا خاليا من التكلف، يجعلك تحس كأنك واياه صديقان منذ زمن طويل.
في تلك الايام كنت كثير المشاغل، دائم الأسفار، وما اكثر ما تأخرت في ارسال المقالة الاسبوعية بالفاكس، فكان يصبر عليّ، ويلاحقني باسلوبه المهذب الودود.
كانت نعمة عظيمة لي، ان المحرر الذي أتعامل معه مباشرة كان عوني بشير، وفي طبعي انني لا أحسن البعمل الا مع من أحب.
لم يكن يستقبل المقالات ببرود وعدم اكتراث، كما يفعل بعض المحررين في زحمة العمل الصحفي، ولكنه كان يحتفي بما يقرأ ويسارع فيتصل بي بالتلفون مقرظا ومشجعا. وكنت اعلم ان ثناءه بدافع الكرم وليس لأان ما كتبت يستحق الثناء.
كنت أبادله اعجابا باعجاب، ولكن سخريته كانت شيئا مختلفا. ولأنه كان عميق الحب للناس، عظيم الادراك لجمال اللغة العربية وثراء مفرداتها وصورها، أضف الى ذلك روحه المرحة دائما، فانه كان يصنع أدبا فيه روح التهكم، قادرا على الاستمرار على انه أدب من طراز رفيع.
بواسطة ذلك الرمز، الذي ابتدعه، ظل يطرق موضوعا بعد آخر. لم يكن يترك موضوعا الا طرقه، يهيب بالأمة العربية أن تحل وثاقها وتنهض من كبوتها.
كان يبدو لي أحيانا، كأنه يحمل هموم الأمة العربية كلها على عاتقه. وكنت اعلم انه يحس مأساة الانسان الفلسطيني احساسا مضنيا. لكنه صبر على كل تلك الهموم والاحزان، وطوى عليها جوانحه، وطظهر للناس على الدوام بوجهه البشوش وصوته المرح المفعم بالتفاؤل وابتسامته العذبة.
حين التقيته آخر مرة وهو على فراش المرض في مستشفى "كرومويل" استقبلني كما عهدته دائما، الى حد انني استيقنت انه ق تعافى تماما من مرضه، وانه سوف يغادر المستشفى بعد& بضعة أيام. قال لي وأنا أودعه "حين أخرج ان شاء الله، لا بد ان نلتقي أكثر".
لكن الموت - ويا للحسرة- كان أقرب اليه مما ظننت. ويا ليتني كنت لقيته أكثر في حياته، فقد كان انسانا نادر المثال. رحمه الله رحمة واسعة.
مقالة عبد الرحمن الراشد
وسط القلق الذي يهدم عادة اصلب الرجال، كان مجلس عوني بشير، حتة الاسبوع الاخير من حياته، يشع مرحا. هذه الروح ظلت علامته المميزة دائما. كان يمازحنا حول نفسه وأهله، مرضه وممرضاته، بل ودفنه. هكذا كان عوني بشير، رجلا سعيدا، السعادة صناعته. القراء العرب عرفوه من بعيد كاتبا ساخرا، وعرفناه بدورنا عن قرب صديقا يقطر سخرية ايضا، بالمفارقة نفسها التي يشترك فيها كتّاب السخرية في العالم، مفارقة ان& سخريتهم وليدة معاناتهم.
وأوجز معاناة الصديق عوني في ايامه الاخيرة في تجربته، تجربة المواطن الفلسطيني اياها التي عاشها محروما من أبسط حقوقه.
شعر عوني بمرضه الخطير في يوم فرحه برحلته الثانية منذ حصوله على الجواز البريطاني بعد حبس على ارض الجزر البريطانية تجاوز العشرين عاما. فوثيقة السفر التي حملها كلاجئ لم تحمله خارج لندن، اذ لا توجد دولة تعترف بها، ولا توجد دولة تقبل بها عند عودته. في مصيدة كهذه لم يكن له بد في النهاية الا ان يلبس جلدا اخر ويطير بجواز غيره. كان يقول عندما نلومه على التأخير في الكتابة : "لقد جف خيالي". كان يشتكي من عجزه عن السفر رغم كثرة الدعوات من الاصدقاء والمنتديات المختلفة. في رحلته تلك الى امريكا فقد وعيه في أول مقابلة صحفية كان يجريها هناك، ليعلم النبأ الخطير فيما بعد.
لا شك اننا خسرنا بوفاة عوني بشير شخصا عزيزا علينا، وفقد القراء العرب احد مبدعيهم. والمقالت التي يضمها هذا الكتاب هي بعض ابداعه المتميز.
وأوجز معاناة الصديق عوني في ايامه الاخيرة في تجربته، تجربة المواطن الفلسطيني اياها التي عاشها محروما من أبسط حقوقه.
شعر عوني بمرضه الخطير في يوم فرحه برحلته الثانية منذ حصوله على الجواز البريطاني بعد حبس على ارض الجزر البريطانية تجاوز العشرين عاما. فوثيقة السفر التي حملها كلاجئ لم تحمله خارج لندن، اذ لا توجد دولة تعترف بها، ولا توجد دولة تقبل بها عند عودته. في مصيدة كهذه لم يكن له بد في النهاية الا ان يلبس جلدا اخر ويطير بجواز غيره. كان يقول عندما نلومه على التأخير في الكتابة : "لقد جف خيالي". كان يشتكي من عجزه عن السفر رغم كثرة الدعوات من الاصدقاء والمنتديات المختلفة. في رحلته تلك الى امريكا فقد وعيه في أول مقابلة صحفية كان يجريها هناك، ليعلم النبأ الخطير فيما بعد.
لا شك اننا خسرنا بوفاة عوني بشير شخصا عزيزا علينا، وفقد القراء العرب احد مبدعيهم. والمقالت التي يضمها هذا الكتاب هي بعض ابداعه المتميز.
التعليقات