&
القاهـرة- نبيل شرف الدين: أصبحت ظاهرة العنف العابر للحدود إحدى السمات المميزة لتنظيمات العنف الأصولية وهو وضع بالغ الصعوبة بالنسبة للدول المستهدفة من أنشطة هذه الجماعات والمنظمات ,ولم تدرك الدول تلك خطورة الأمر إلا بعد أن استقرت أوضاع معظم عناصر التنظيمات الأصولية في الخارج ، سواء في البلدان المعتبرة ملاذات آمنة لطبيعة النظام السياسي بها الداعم لتلك الجماعات وتوجهاتها كأفغانستان والسودان ، أو بحصول هذه العناصر على جنسيات دول غربية ، أو حتى حق اللجوء السياسي بها .
ولعله في الحالة المصرية تمثل هذه الظاهرة وضعاً نموذجياً يتكرر أو يصبح قابلاً للتكرار في عدة بلدان عربية وإسلامية ، وفي القوائم التي أعدتها أجهزة الأمن والتحقيقات تقسم عناصر الأصوليين الهاربين عامة إلى ثلاث مجموعات رئيسية ، وهي الهاربون في دول أجنبية ، والثانية تضم الفارين إلى بلدان عربية ، أما المجموعة الثالثة فهم الهاربون داخل مصر ، وتقدر أجهزة الأمن أعداد أبرز العناصر الأصولية الفارين بما يتجاوز& - وفقاً لمصادر أمنية - حوالي خمسمائة اسم موزعين في كافة أنحاء العالم من بيشاور وكابول إلى السودان واليمن ومرورا بأوروبا الغربية والولايات المتحدة وحتى موريتانيا والصومال والبوسنة والشيشان وأخيرا الفلبين وبلدان أفريقية ، وتأتى فى الصدارة من بين هؤلاء الهاربين أسماء لامعة فى قيادة الإرهاب وتصديره مثل محمد شوقى الإسلامبولى ورفاعى طه وعثمان السمان وأيمن الظواهرى - وجميعهم محكوم عليهم غيابيا بالإعدام - وتتخبط المعلومات حول محال إقامتهم فتقرير يؤكد وجودهم داخل أفغانستان وآخر يشير إلى أنهم مازالوا فى منطقة الحدود بمدينة بيشاور وثالث يذهب بهم إلى الشيشان أو حتى كشمير& .
ونأتي إلى القائمة الثانية والتي تشير معلومات أجهزة الأمن لهروبهم إلى دول عربية كالسودان واليمن وغيرهما ، ففى الوقت الذى أكدت فيه عدة تقارير أمنية ودبلوماسية على استمرار المحطة اليمنية فى إيواء المئات من العناصر الأصولية الصادرة ضدها& أحكام قضائية بالسجن والمؤبد وحتى الإعدام ، ولنقرأ هذه العبارة التى نقلت حرفيا من مذكرة جهاز أمنى رفيع المستوى حول المتهمين الهاربين& فى قضية إعادة تشكيل تنظيم الجماعة الإسلامية والتي ورد بها : "إنه قد تم رصد حركة فلول التنظيم الهاربين وتأكد أنهم يحاولون إحداث تدمير شامل ومؤثر في بنية المجتمع ومؤسساته ، وقد قامت قيادتهم بإعادة تشكيل صفوف التنظيم وترتيب مناهجه الحركية ودعمه ماديا وعسكريا وبشريا فقاموا بإعداد منهج فكري وتنظيمي يرتكز على توسيع دائرة التسليح والعمل على ضم العناصر ذات الخبرات العسكرية السابقة ، وأن هذا المنهج اعتمد تشكيل مجموعات عنقودية وتنظيمية منها الدعويّ والعسكري والمختص بأمور التمويل وتجنيد العناصر الجديدة فضلا عن القيام بإجراء بعض الإتصالات التنظيمية السرية بين عناصره بالخارج وفلوله الهاربة داخل مصر والعناصر المحبوسة بالسجون والتى انتهت بعقد عدة اجتماعات فى الداخل والخارج نوقشت خلالها أسباب فشل التنظيم فى العديد من عمليات العنف السابقة ، وفى تحقيق أهدافهم المرحلية - وفقا لما اسموه بسياسة استراتيجية المرحلة - وخلصت إلى ضرورة معاودة التحرك على نطاق واسع مع توفير التمويل والتسليح اللازمين لدعم التنظيم وتمكينه من تحقيق أهدافه مؤكدين على التنسيق بين العناصر المصرية بالتنظيم وغيرها من العناصر العربية بالجزائر واليمن ودول البلقان وكشمير وكابول وبيشاور"0
* ومن المعلوم أن مجموعة الجهاد اليمني تحديداً قد تكونت عام 1981 وضمت عناصر مصرية تحت إمارة شخص غامض هو (محمد إبراهيم شرف) واتخذت شكل جماعات متفرقة فى العديد من المدن اليمنية حتى استطاع النشطون اليمنيون جمع شملها في تنظيم له صفة مركزية وقاموا بعقد العديد من اللقاءات الفكرية تحت مسمى الدعوة ومناصرة المجاهدين الأفغان ، وتطورت اللقاءات لتأخذ شكلا حركيا وهيكلا تنظيميا بالغ الدقة ، وقاموا بجمع اشتراكات دورية إجبارية من هؤلاء الأعضاء بالإضافة لتبرعات من بعض الأثرياء العرب واليمنيين ، وقام بعض تجار العملة ومكاتب الصرافة العربية ممن تبنوا أدبيات هذه الجماعات لتحقيق مكاسب مادية من خلال القيام بتوصيل الأموال إلى كوادر الجماعات الأصولية داخل مصر للإنفاق على أنشطتها الحركية ، وعمليات العنف التي تعد لها وتنفذها ، بالإضافة لشراء الأسلحة والذخائر 0
وما حدث فى اليمن تكرر فى بلدان عربية أخرى بصورة أو أخرى ، وربما اقتصر الأمر غالباً عند حد تلقى دعم مادى ضخم من هيئات تحمل صفة الإسلامية وأحيانا العالمية وحينما انهمرت الأموال على تنظيمات الإرهاب وقع الخلاف وبدأت لعبة الإنشقاقات بين أمرائها ، ولعل ما حدث بين الجهاد والجماعة الإسلامية& فى بيشاور أبلغ دليل على هذا فقد وصل الأمر إلى إستخدام سلاح فتاوى التكفير المتبادل00 الذى يعقبه عادة إعلان الحرب صراحة 00، وحتى داخل جماعة الجهاد وما جرى من خلاف بين فريق يتزعمه أيمن الظواهرى وآخر بإمارة محمد محمد مكاوى الضابط السابق بمصر ، والذي اتهم الظواهرى في نزاع شهير بينهما بالاستيلاء على الأموال وشراء سبائك الذهب والمضاربة فى البورصة والتربح من إيران بالمتاجرة بدماء من وصفهم بـ "شهداء الجهاد" فى مصر وغيرها من البلاد العربية التى تعانى من نفس الأزمات .
* ونأتى للقائمة الثانية والتى تضم الهاربين داخل مصر ، وهناك مجموعات بأكملها ظلت هاربة لمدد طويلة مثل مجموعة حرائق أندية الفيديو وقد صدر ضد أعضائها أحكام قضائية نهائية يصفها القانون بأنها "تحوز حجية الأمر المقضى" وتشمل أسماء وصلت إلى 14 متهما هاربا منهم رمضان عبد الله إبراهيم الذى صدر ضده حكم بالسجن عشر سنوات وحكم آخر بخمس سنوات ، وهناك مدحت الخطيب وقضى بسجنه عشر سنوات ، وأحمد تونى فرحات وحكم بسجنه عشر سنوات& أيضاً ، وهكذا لايزال ملف القضية رقم 412 لسنة 1986 مفتوحا فى انتظار القبض على الهاربين من الأحكام القضائية والذين يتساقطون بشكل فردى وبالصدفة البحتة ، وذلك أثناء ممارستهم المزيد من عمليات العنف هنا وهناك أو يسعون لتجنيد وجوه جديدة غير معلومة لأجهزة الأمن ليزداد أمر المواجهة تعقيدا بما يحقق أهدافهم فى تفتيت جهود أجهزة الأمن .
بينما يأتى إسم هانى يوسف الشاذلى والذى يحمل إسماً حركياً هو "هيثم" ، وهو شاب لايتجاوز عمره خمسة وعشرين عاما وكان طالبا بآداب المنيا حينما استطاع عادل عوض صيام - أحد قادة المجموعة التى التى إرتكبت محاولات إغتيال وزراء الداخلية والإعلام - والذى تمكن من تجنيد هيثم ليشارك فى عمليات محاولة إغتيال زكى بدر وزير الداخلية الأسبق بالسيارة الملغومة أسفل كوبرى الفردوس ، وألقى القبض عليه حينئذ أمين شرطة بالمرور ، وفى 10/7/1990 وأثناء زيارة بعض أقاربه له تمكن من التنكر فى زي سيدة منقبة وتسلل هارباً خارج السجن ، وتشير المعلومات الأمنية وإعترافات المتهمين إلى اضطلاعه بأدوار خطيرة فى عدد من حوادث تفجيرات البنوك التي كانت قد شهدتها القاهرة طيلة السنوات الماضية .
ثم يأتى اسم محمد حسان حماد وهو طالب من مواليد 22/2/1971 بإحدى قرى محافظة قنا وقد انضم لجماعة الجهاد ولم يكن عمره قد تجاوز ثلاثة عشر عاما عندما انشق على جماعة التبليغ والدعوة بزعم تواكلهم وابتعادهم عن الجهاد الفعلى ضد من أسماهم بالطواغيت والفراعنة ، وبدأ هو جهاده ضد تماثيل معابد الأقصر التى وصفها بالأصنام وفر بعدها هاربا لينضم لمجموعة نشطة في القاهرة ، حيث شارك في تفجير عبوة ناسفة بمركز شباب الجزيرة بإشراف نزيه نصحى راشد الذى لقى مصرعه أثناء محاولة اغتيال حسن الألفى وزير الداخلية السابق 0
* ولعل حكاية نزيه نصحى تلخص ما كان يجري في هذه الوقائع بوضوح تام 00 فقد أكدت المعلومات الأمنية الرسمية فى يناير 1993 أن المذكور يقيم بالعنوان 8 شارع ضيف الله المتفرع من عبد القادر طه بالساحل بشبرا ، وأنه قد غادر هذا المسكن هو وأسرته للإقامة ببلدتهم "الزبدية" مركز أوسيم بالجيزة ، ولم تمض شهور قليلة حتى قام بتفجير السيارة الملغومة خلف قسم الأزبكية بوسط القاهرة ، ثم اتبعها - صحبة عادل عوض صيام وأسامة رشاد وضياء حافظ زكى - بحادث تفجير عبوة ناسفة داخل مركز شباب الجزيرة ثم محاولة الإعداد لإغتيال د0 بطرس غالى الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة أثناء انعقاد مؤتمر القمة الأفريقية بالقاهرة ، والتى لم يتمكن فيها نزيه ورفاقه من تنفيذ عمليتهم لمرور ركاب سيارة الأمين العام بخط سير بديل ثم سفره المفاجئ لإرتباطاته بأعمال دولية ، وأخيرا وقعت حادثة محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق حسن الألفى ليقع نزيه نصحى راشد ولكن قتيلا بعد أن فجر نفسه فيموت ومعه المزيد من الأسرار .
* ولا تفوتنا الإشارة إلى الواقعة التي جرت بحي المطرية (قرية بركة الحاج)& شرق القاهرة التي راح ضحيتها ضابطان من قوات الأمن المركزى كانا قد توجها صحبة إدارة مكافحة المخدرات للقبض على أحد تجار المخدرات ، وتصادف وجود اثنين من عناصر جماعة الشوقيين (تيار تكفيري) كانا يستأجران المنزل المجاور لهذا التاجر ، واعتقدا أن هذه القوات قد أتت لإلقاء القبض عليهما فبادرا بإطلاق النيران وقتلا الضابطين وتبادلت القوات إطلاق النيران معهما فأردت أحدهما قتيلا وهو عوض عبد الصادق عوض وألقى القبض على الثانى واتضح لاحقاً أنه يدعى أحمد عبد الحليم عبد الجيد ، والمدهش أن تنظيم الشوقيين - الفيومي المنشأ التكفيري التوجه - قد حوكم وصدرت ضد أعضائه أحكام قضائية عسكرية وتم التصديق عليها ، ولكن قرار الإتهام لم يكن يشمل أسماء هذين الهاربين رغم مشاركتهما فى بعض عمليات العنف التى حوكم فيها التنظيم وقد استطاع أحمد عبد الحليم مغافلة الحرس أثناء قيامه بالإرشاد عن بعض أتباعه وقام بإلقاء نفسه من أعلى العقار لينتحر ويموت مفضلا ذلك على الإعتراف بما فى جعبته من أسرار يعلم الله وحده مدى خطورتها وأهميتها0
* وبالطبع لايمكن الإنتهاء من الحديث عن الهاربين دون الحديث عن القيادي الهارب عبد الحميد أبو عقرب سليل إحدى العائلات العريقة فى أسيوط جنوب مصر التي كان يمثل عميدها جميل أبو عقرب دائرته الإنتخابية بوصفه النائب البرلمانى عن الحزب الوطنى 00 ولكن هذا لم يقف حائلا دون قيام عبد الحميد أبو عقرب إبن عمه بإرتكاب العديد من حوادث العنف من أبرزها وقائع إغتيال المقدم مهران عبد الرحيم ضابط أمن الدولة واللواء الشيمى مساعد مدير الأمن ، فضلاً عن الاعتداء على استراحات ضباط الشرطة بالقوصية وأبو تيج وتشير المعلومات إلى مسئوليته عن تنفيذ عدد من حوادث العنف التى وقعت فى قنا ونجع حمادى وغيرها من مدن صعيد مصر .
* وتبقى القائمة الثالثة التى تضم من يطلق عليهم الأشباح 00 فلا أحد يستطيع الجزم بوجودهم خارج مصر 00 وأيضاً ليس بوسع أحد أو جهة بما فيها أجهزة الأمن ذاتها أن تؤكد وجودهم داخل البلاد أو تنفي ذلك على نحو قاطع ، ويزداد الأمر تعقيدا حينما تتضارب التقارير مع التحريات ، وتتناقض شهادة المتهمين مع المعلومات التى يدلى بها بعض الشهود من المواطنين 00 ولا يتبقى في النهاية لدى كل الأجهزة سوى معلومة واحدة ووحيدة مؤكدة أنهم "هاربون" فقط .
وما يتبقى من الأسئلة وعلامات الاستفهام يكاد يدخل تحت بند الفوازير ، وكان من أشهر هؤلاء الأشباح هو طلعت ياسين همام 00 الذى كان يعتبره البعض أركان حرب تنظيم الجماعة& الإسلامية المحظور في مصر ، وظل هارباً إلى أن لقى مصرعه على يد قوات الأمن فى واحدة من أبرز وأهم العمليات الأمنية ، وحتى ندرك مدى خطورته نعاود قراءة أقوال المتهمين فى قضايا اغتيال د. فرج فودة ومحاولة اغتيال صفوت الشريف وزير الإعلام المصري ، والعائدين من أفغانستان وغيرها بأنه قد أشرف شخصيا على التخطيط وتنفيذ العمليات عن كثب بينما تصر التقارير على اعتباره هاربا إلى بيشاور واحتمال تردده على السودان صحبة مصطفى حمزة فى الوقت الذى يذهب فيه رأى ثالث إلى تسلله بأوراق مزورة عبر منفذ السلوم البرى وعودته مرة أخرى كما حدث مع المتهم اشرف السيد الذى اغتال فرج فودة وشارك فى محاولة اغتيال صفوت الشريف فقد اعترف تفصيليا بتردده عبر الحدود الليبية إلى البلاد جيئة وذهابا ، مستخدماً في ذلك مستندات تم تزويرها فى مطبعة بمدينة بيشاور 0&&
وتبقى أسماء اخرى فى قائمة الأشباح مثل& عبد النبى حسين على وكنيته تايه ، ورفعت زيدان عبد الله وكنيته عمار وهو من أخطر العناصر الهاربة في صعيد مصر ، وتشير معلومات أجهزة الأمن& إلى مسئوليته عن عشرات الحوادث الإرهابية التى وقعت فى قرى ومدن محافظة المنيا وأسيوط ، وهناك أيضاً أسماء أخرى مثل : عرندس على سليمان ، وفراج عبد الله عبد النبي ، وأحمد مصطفى نوارة ، وغيرهم ممن لا يمكن تحديد عددهم على نحو دقيق .
ولعله في الحالة المصرية تمثل هذه الظاهرة وضعاً نموذجياً يتكرر أو يصبح قابلاً للتكرار في عدة بلدان عربية وإسلامية ، وفي القوائم التي أعدتها أجهزة الأمن والتحقيقات تقسم عناصر الأصوليين الهاربين عامة إلى ثلاث مجموعات رئيسية ، وهي الهاربون في دول أجنبية ، والثانية تضم الفارين إلى بلدان عربية ، أما المجموعة الثالثة فهم الهاربون داخل مصر ، وتقدر أجهزة الأمن أعداد أبرز العناصر الأصولية الفارين بما يتجاوز& - وفقاً لمصادر أمنية - حوالي خمسمائة اسم موزعين في كافة أنحاء العالم من بيشاور وكابول إلى السودان واليمن ومرورا بأوروبا الغربية والولايات المتحدة وحتى موريتانيا والصومال والبوسنة والشيشان وأخيرا الفلبين وبلدان أفريقية ، وتأتى فى الصدارة من بين هؤلاء الهاربين أسماء لامعة فى قيادة الإرهاب وتصديره مثل محمد شوقى الإسلامبولى ورفاعى طه وعثمان السمان وأيمن الظواهرى - وجميعهم محكوم عليهم غيابيا بالإعدام - وتتخبط المعلومات حول محال إقامتهم فتقرير يؤكد وجودهم داخل أفغانستان وآخر يشير إلى أنهم مازالوا فى منطقة الحدود بمدينة بيشاور وثالث يذهب بهم إلى الشيشان أو حتى كشمير& .
ونأتي إلى القائمة الثانية والتي تشير معلومات أجهزة الأمن لهروبهم إلى دول عربية كالسودان واليمن وغيرهما ، ففى الوقت الذى أكدت فيه عدة تقارير أمنية ودبلوماسية على استمرار المحطة اليمنية فى إيواء المئات من العناصر الأصولية الصادرة ضدها& أحكام قضائية بالسجن والمؤبد وحتى الإعدام ، ولنقرأ هذه العبارة التى نقلت حرفيا من مذكرة جهاز أمنى رفيع المستوى حول المتهمين الهاربين& فى قضية إعادة تشكيل تنظيم الجماعة الإسلامية والتي ورد بها : "إنه قد تم رصد حركة فلول التنظيم الهاربين وتأكد أنهم يحاولون إحداث تدمير شامل ومؤثر في بنية المجتمع ومؤسساته ، وقد قامت قيادتهم بإعادة تشكيل صفوف التنظيم وترتيب مناهجه الحركية ودعمه ماديا وعسكريا وبشريا فقاموا بإعداد منهج فكري وتنظيمي يرتكز على توسيع دائرة التسليح والعمل على ضم العناصر ذات الخبرات العسكرية السابقة ، وأن هذا المنهج اعتمد تشكيل مجموعات عنقودية وتنظيمية منها الدعويّ والعسكري والمختص بأمور التمويل وتجنيد العناصر الجديدة فضلا عن القيام بإجراء بعض الإتصالات التنظيمية السرية بين عناصره بالخارج وفلوله الهاربة داخل مصر والعناصر المحبوسة بالسجون والتى انتهت بعقد عدة اجتماعات فى الداخل والخارج نوقشت خلالها أسباب فشل التنظيم فى العديد من عمليات العنف السابقة ، وفى تحقيق أهدافهم المرحلية - وفقا لما اسموه بسياسة استراتيجية المرحلة - وخلصت إلى ضرورة معاودة التحرك على نطاق واسع مع توفير التمويل والتسليح اللازمين لدعم التنظيم وتمكينه من تحقيق أهدافه مؤكدين على التنسيق بين العناصر المصرية بالتنظيم وغيرها من العناصر العربية بالجزائر واليمن ودول البلقان وكشمير وكابول وبيشاور"0
* ومن المعلوم أن مجموعة الجهاد اليمني تحديداً قد تكونت عام 1981 وضمت عناصر مصرية تحت إمارة شخص غامض هو (محمد إبراهيم شرف) واتخذت شكل جماعات متفرقة فى العديد من المدن اليمنية حتى استطاع النشطون اليمنيون جمع شملها في تنظيم له صفة مركزية وقاموا بعقد العديد من اللقاءات الفكرية تحت مسمى الدعوة ومناصرة المجاهدين الأفغان ، وتطورت اللقاءات لتأخذ شكلا حركيا وهيكلا تنظيميا بالغ الدقة ، وقاموا بجمع اشتراكات دورية إجبارية من هؤلاء الأعضاء بالإضافة لتبرعات من بعض الأثرياء العرب واليمنيين ، وقام بعض تجار العملة ومكاتب الصرافة العربية ممن تبنوا أدبيات هذه الجماعات لتحقيق مكاسب مادية من خلال القيام بتوصيل الأموال إلى كوادر الجماعات الأصولية داخل مصر للإنفاق على أنشطتها الحركية ، وعمليات العنف التي تعد لها وتنفذها ، بالإضافة لشراء الأسلحة والذخائر 0
وما حدث فى اليمن تكرر فى بلدان عربية أخرى بصورة أو أخرى ، وربما اقتصر الأمر غالباً عند حد تلقى دعم مادى ضخم من هيئات تحمل صفة الإسلامية وأحيانا العالمية وحينما انهمرت الأموال على تنظيمات الإرهاب وقع الخلاف وبدأت لعبة الإنشقاقات بين أمرائها ، ولعل ما حدث بين الجهاد والجماعة الإسلامية& فى بيشاور أبلغ دليل على هذا فقد وصل الأمر إلى إستخدام سلاح فتاوى التكفير المتبادل00 الذى يعقبه عادة إعلان الحرب صراحة 00، وحتى داخل جماعة الجهاد وما جرى من خلاف بين فريق يتزعمه أيمن الظواهرى وآخر بإمارة محمد محمد مكاوى الضابط السابق بمصر ، والذي اتهم الظواهرى في نزاع شهير بينهما بالاستيلاء على الأموال وشراء سبائك الذهب والمضاربة فى البورصة والتربح من إيران بالمتاجرة بدماء من وصفهم بـ "شهداء الجهاد" فى مصر وغيرها من البلاد العربية التى تعانى من نفس الأزمات .
* ونأتى للقائمة الثانية والتى تضم الهاربين داخل مصر ، وهناك مجموعات بأكملها ظلت هاربة لمدد طويلة مثل مجموعة حرائق أندية الفيديو وقد صدر ضد أعضائها أحكام قضائية نهائية يصفها القانون بأنها "تحوز حجية الأمر المقضى" وتشمل أسماء وصلت إلى 14 متهما هاربا منهم رمضان عبد الله إبراهيم الذى صدر ضده حكم بالسجن عشر سنوات وحكم آخر بخمس سنوات ، وهناك مدحت الخطيب وقضى بسجنه عشر سنوات ، وأحمد تونى فرحات وحكم بسجنه عشر سنوات& أيضاً ، وهكذا لايزال ملف القضية رقم 412 لسنة 1986 مفتوحا فى انتظار القبض على الهاربين من الأحكام القضائية والذين يتساقطون بشكل فردى وبالصدفة البحتة ، وذلك أثناء ممارستهم المزيد من عمليات العنف هنا وهناك أو يسعون لتجنيد وجوه جديدة غير معلومة لأجهزة الأمن ليزداد أمر المواجهة تعقيدا بما يحقق أهدافهم فى تفتيت جهود أجهزة الأمن .
بينما يأتى إسم هانى يوسف الشاذلى والذى يحمل إسماً حركياً هو "هيثم" ، وهو شاب لايتجاوز عمره خمسة وعشرين عاما وكان طالبا بآداب المنيا حينما استطاع عادل عوض صيام - أحد قادة المجموعة التى التى إرتكبت محاولات إغتيال وزراء الداخلية والإعلام - والذى تمكن من تجنيد هيثم ليشارك فى عمليات محاولة إغتيال زكى بدر وزير الداخلية الأسبق بالسيارة الملغومة أسفل كوبرى الفردوس ، وألقى القبض عليه حينئذ أمين شرطة بالمرور ، وفى 10/7/1990 وأثناء زيارة بعض أقاربه له تمكن من التنكر فى زي سيدة منقبة وتسلل هارباً خارج السجن ، وتشير المعلومات الأمنية وإعترافات المتهمين إلى اضطلاعه بأدوار خطيرة فى عدد من حوادث تفجيرات البنوك التي كانت قد شهدتها القاهرة طيلة السنوات الماضية .
ثم يأتى اسم محمد حسان حماد وهو طالب من مواليد 22/2/1971 بإحدى قرى محافظة قنا وقد انضم لجماعة الجهاد ولم يكن عمره قد تجاوز ثلاثة عشر عاما عندما انشق على جماعة التبليغ والدعوة بزعم تواكلهم وابتعادهم عن الجهاد الفعلى ضد من أسماهم بالطواغيت والفراعنة ، وبدأ هو جهاده ضد تماثيل معابد الأقصر التى وصفها بالأصنام وفر بعدها هاربا لينضم لمجموعة نشطة في القاهرة ، حيث شارك في تفجير عبوة ناسفة بمركز شباب الجزيرة بإشراف نزيه نصحى راشد الذى لقى مصرعه أثناء محاولة اغتيال حسن الألفى وزير الداخلية السابق 0
* ولعل حكاية نزيه نصحى تلخص ما كان يجري في هذه الوقائع بوضوح تام 00 فقد أكدت المعلومات الأمنية الرسمية فى يناير 1993 أن المذكور يقيم بالعنوان 8 شارع ضيف الله المتفرع من عبد القادر طه بالساحل بشبرا ، وأنه قد غادر هذا المسكن هو وأسرته للإقامة ببلدتهم "الزبدية" مركز أوسيم بالجيزة ، ولم تمض شهور قليلة حتى قام بتفجير السيارة الملغومة خلف قسم الأزبكية بوسط القاهرة ، ثم اتبعها - صحبة عادل عوض صيام وأسامة رشاد وضياء حافظ زكى - بحادث تفجير عبوة ناسفة داخل مركز شباب الجزيرة ثم محاولة الإعداد لإغتيال د0 بطرس غالى الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة أثناء انعقاد مؤتمر القمة الأفريقية بالقاهرة ، والتى لم يتمكن فيها نزيه ورفاقه من تنفيذ عمليتهم لمرور ركاب سيارة الأمين العام بخط سير بديل ثم سفره المفاجئ لإرتباطاته بأعمال دولية ، وأخيرا وقعت حادثة محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق حسن الألفى ليقع نزيه نصحى راشد ولكن قتيلا بعد أن فجر نفسه فيموت ومعه المزيد من الأسرار .
* ولا تفوتنا الإشارة إلى الواقعة التي جرت بحي المطرية (قرية بركة الحاج)& شرق القاهرة التي راح ضحيتها ضابطان من قوات الأمن المركزى كانا قد توجها صحبة إدارة مكافحة المخدرات للقبض على أحد تجار المخدرات ، وتصادف وجود اثنين من عناصر جماعة الشوقيين (تيار تكفيري) كانا يستأجران المنزل المجاور لهذا التاجر ، واعتقدا أن هذه القوات قد أتت لإلقاء القبض عليهما فبادرا بإطلاق النيران وقتلا الضابطين وتبادلت القوات إطلاق النيران معهما فأردت أحدهما قتيلا وهو عوض عبد الصادق عوض وألقى القبض على الثانى واتضح لاحقاً أنه يدعى أحمد عبد الحليم عبد الجيد ، والمدهش أن تنظيم الشوقيين - الفيومي المنشأ التكفيري التوجه - قد حوكم وصدرت ضد أعضائه أحكام قضائية عسكرية وتم التصديق عليها ، ولكن قرار الإتهام لم يكن يشمل أسماء هذين الهاربين رغم مشاركتهما فى بعض عمليات العنف التى حوكم فيها التنظيم وقد استطاع أحمد عبد الحليم مغافلة الحرس أثناء قيامه بالإرشاد عن بعض أتباعه وقام بإلقاء نفسه من أعلى العقار لينتحر ويموت مفضلا ذلك على الإعتراف بما فى جعبته من أسرار يعلم الله وحده مدى خطورتها وأهميتها0
* وبالطبع لايمكن الإنتهاء من الحديث عن الهاربين دون الحديث عن القيادي الهارب عبد الحميد أبو عقرب سليل إحدى العائلات العريقة فى أسيوط جنوب مصر التي كان يمثل عميدها جميل أبو عقرب دائرته الإنتخابية بوصفه النائب البرلمانى عن الحزب الوطنى 00 ولكن هذا لم يقف حائلا دون قيام عبد الحميد أبو عقرب إبن عمه بإرتكاب العديد من حوادث العنف من أبرزها وقائع إغتيال المقدم مهران عبد الرحيم ضابط أمن الدولة واللواء الشيمى مساعد مدير الأمن ، فضلاً عن الاعتداء على استراحات ضباط الشرطة بالقوصية وأبو تيج وتشير المعلومات إلى مسئوليته عن تنفيذ عدد من حوادث العنف التى وقعت فى قنا ونجع حمادى وغيرها من مدن صعيد مصر .
* وتبقى القائمة الثالثة التى تضم من يطلق عليهم الأشباح 00 فلا أحد يستطيع الجزم بوجودهم خارج مصر 00 وأيضاً ليس بوسع أحد أو جهة بما فيها أجهزة الأمن ذاتها أن تؤكد وجودهم داخل البلاد أو تنفي ذلك على نحو قاطع ، ويزداد الأمر تعقيدا حينما تتضارب التقارير مع التحريات ، وتتناقض شهادة المتهمين مع المعلومات التى يدلى بها بعض الشهود من المواطنين 00 ولا يتبقى في النهاية لدى كل الأجهزة سوى معلومة واحدة ووحيدة مؤكدة أنهم "هاربون" فقط .
وما يتبقى من الأسئلة وعلامات الاستفهام يكاد يدخل تحت بند الفوازير ، وكان من أشهر هؤلاء الأشباح هو طلعت ياسين همام 00 الذى كان يعتبره البعض أركان حرب تنظيم الجماعة& الإسلامية المحظور في مصر ، وظل هارباً إلى أن لقى مصرعه على يد قوات الأمن فى واحدة من أبرز وأهم العمليات الأمنية ، وحتى ندرك مدى خطورته نعاود قراءة أقوال المتهمين فى قضايا اغتيال د. فرج فودة ومحاولة اغتيال صفوت الشريف وزير الإعلام المصري ، والعائدين من أفغانستان وغيرها بأنه قد أشرف شخصيا على التخطيط وتنفيذ العمليات عن كثب بينما تصر التقارير على اعتباره هاربا إلى بيشاور واحتمال تردده على السودان صحبة مصطفى حمزة فى الوقت الذى يذهب فيه رأى ثالث إلى تسلله بأوراق مزورة عبر منفذ السلوم البرى وعودته مرة أخرى كما حدث مع المتهم اشرف السيد الذى اغتال فرج فودة وشارك فى محاولة اغتيال صفوت الشريف فقد اعترف تفصيليا بتردده عبر الحدود الليبية إلى البلاد جيئة وذهابا ، مستخدماً في ذلك مستندات تم تزويرها فى مطبعة بمدينة بيشاور 0&&
وتبقى أسماء اخرى فى قائمة الأشباح مثل& عبد النبى حسين على وكنيته تايه ، ورفعت زيدان عبد الله وكنيته عمار وهو من أخطر العناصر الهاربة في صعيد مصر ، وتشير معلومات أجهزة الأمن& إلى مسئوليته عن عشرات الحوادث الإرهابية التى وقعت فى قرى ومدن محافظة المنيا وأسيوط ، وهناك أيضاً أسماء أخرى مثل : عرندس على سليمان ، وفراج عبد الله عبد النبي ، وأحمد مصطفى نوارة ، وغيرهم ممن لا يمكن تحديد عددهم على نحو دقيق .
(يتبع)



التعليقات