عشية صدور تقرير السيد ميليس أذكر أنه قبل أيام قليلة من 14 شباط/ فبراير الماضي، أي قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري، كنا زوجتي وأنا نتحاور حول آلية العودة إلى لبنان بشكل نهائي، وبدأنا نعدد الصعوبات التي من الممكن أن تواجهنا، وكيفية ترتيب العودة بحيث لا يتأثر طارق ونور أولادنا بها، وبحيث يمكننا أن نجد عملا يمكننا أن نعيش من خلاله بالحد الأدنى من الآمان.
كنا نتحاور نيأس نتأمل.. نتابع الاتصال بالأهل والأصدقاء لمعرفة الأجواء، وتمهيدا للعودة النهائية بمجرد أن ينتهي الأطفال من المدرسة هنا في جدة.
ماذا حدث يوم الاثنين 14 شباط / فبراير:
فيما كنت منهمكا بانهاء متابعة الصفحات الخاصة بالانتخابات البلدية في المملكة، وبالهدية التي سأقدمها الى زوجتي بـ "يوم الحب"، سمعت من الزملاء في الجريدة أن انفجارا وقع في بيروت. لم أهتم كثيرا بالخبر حيث اعتدنا كلبنانيين على هكذا أخبار، وعاودت العمل كي أنتهي بالوقت المحدد لإرسال الصفحات إلى الطبع. تسارعت الأخبار العاجلة.. سمعت أن الانفجار استهدف موكب الرئيس الحريري. تابعت عملي بقلق وتوتر، فالوقت في الصحافة كالسيف ان لم تقطعه قطعك.. سمعت أن الحريري ربما مات... ذهبت إلى قسم التنفيذ لرسم الصفحات، والاستعداد لتبييت صفحات الأربعاء.
عدت إلى مكتبي، خبر استشهاد الحريري بات مؤكدا.
جلست على مكتبي أواصل عملي.. ثم وفي الساعة السادسة والنصف مساء اتصلت بزوجتي وأنا في طريقي إلى البيت لأعتذر لها عن عدم تمكني من شراء الهدية...وبدأت أبكي.
هرعت الى التلفزيون لأعرف ما حدث... لأعود لبنانيا. هرعت إلى دمعي، وانخرطنا أنا وزوجتي في بكاء يومي استمر لأيام، فكلما انسابت دمعة من أحد ما على الشاشة كان ينساب دمعنا بالمقابل.
لا أعرف... لماذا يحصل معنا هكذا؟ لماذا موتنا ممكن دائما؟
الآن... أصبح حلم العودة شبه مستحيل بل مشروعا انتحاريا.
الآن... بلدي مفتوح على المجهول.
الآن... كل واحد فينا يعد ضحاياها.
الآن... باتت الغربة قفصا مطلقا وبات القفص يقتلني في كل لحظة.
الآن... روحي مفتوحة على المجهول كبلادي...
وأسأل لماذا كلما شرعت بالكتابة عن بلدي أشعر بعجز تام عن التعامل مع اللغة؟ لماذا كلما حاولت أن أكتب "لبنان" أحس بأني طفل لم يتعلم بعد الكلام؟
فعندما أمشي أراه يخرج من جسدي.. يفوح من روحي. وكلما أراه "تعبان" أفقد توازني وأذهب في البكاء كرجل شجاع... وأخاف عليه كأني أبوه وأمه.
هو أنا... فنزيفه يلمع على مساماتي.
هو أنا... فوجعه يلم روحي.
هو أنا.. وأنا الآن واقف على حد الهواء.
لا نسمة تعبر.. لا ريح تدك هذه الغابة
لا أحد هنا سوى نحيب يبدأ باستمرار
.........
هل بات يفيد الإيمان؟
هل الصلاة تعني شيئا لإنسان نسي الدعاء؟
أفتقدني.. أفتقد بلادي وأشتاق إليها أكثر.
وأقول... : يا رب.. بلادي.
د. كامل فرحان صالح
في 20/ 10/ 2005
[email protected]
التعليقات