الصورة قد لا تكون قاتمة كما نراها على الدوام، فبرغم التفجيرات الانتحارية التي يقوم بها الارهاب المدعوم من الخارج، ورغم الاتهامات السائدة بالفساد والمحسوبية الطائفية والحزبية وحتى العشائرية، ورغم الهدر الواضح في الاموال وتمليك وزارات كاملة لاحزاب تفرض عليها قوانينها بدلا من قانون الدولة، رغم كل هذه السلبيات نعتقد ان العراق يمكن ان يدخل موسوعة الجينز للارقام القياسية الايجابية او التي حدثت اول مرة في تاريخه المديد.
فرغم ان العراق الجمهوري عمره يقارب النصف قرن، وحكمه لحين سقوط صدام خمسة حكام باعتبار المرحوم عبد الكريم قاسم كان رئيس الوزراء، الا ان كل هؤلاء الحكام كان ظهورهم في الاعلام مقرونا بتكشيرة وجبين مقطب دلالة للهموم والمشاكل والجدية والمصاعب التي على عاتقهم والتي يجب ان يجدوا لها حلولا عادلة لكي ينام الشعب مرفه قرير العين لا يشغل دماغه بالتفكير. طبعا كل هذه التكشيرات لم تعمل الا على اعادة العراق رويدا رويدا للخلف، الا اننا مع فترة رئاسة السيد غازي الياور شاهدنا رئيسا يبتسم ويضحك وتجسدت هذه الظاهرة في فترة رئاسة الاستاذ جلال الطالباني الذي يلقي نكتاايضا، وهذه سابقة يجب التنبيه لها، لانه بعد ان كان رؤسانا من طينة الاله صار لنا ولاول مرة رؤساء من طينة بشر، ولذا فاملنا ان يحسوا بمعاناة البشر، وان يجذروا هذه الظاهرة، اي ظاهرة الابتسام والبشاشة عند استقبالهم للاعلاميين.
كل الفترة السابقة المنوه عنها كان كل تغيير يحدث في السلطة اما نتيجة انقلاب دموي يسمى ثورة او تعقبه تصفيات دموية، الا اننا شاهدنا السيد الدكتور اياد علاوي بعد الانتخابات التي حدثت في 30 كانون الثاني من هذا العام يسلم السلطة الى تحالف جديد منصاعا لما قررته صناديق الاقتراع، كما انه مشكورا مع كل زملائه الوزراء عمل جادا لاجراء الانتخابات ولم يقم بتأجيلها لاجل اطالة امد حكومته. ونرجو ان تستمر هذه العملية لكي تصبح عادة نمارسها كل اربعة سنوات.
طيلة الفترة السابقة ما عدا فترة الزعيم عبد الكريم قاسم الذي لم يكن متزوجا، كانت زوجة الرئيس تعتبر من اسرار الدولة العليا، التي لم يكن احد يعرف لها صورة او مكانة او موقع، صحيح ان السيدة ساجدة كانت تتمتع بسلطات غير منظورة مكنتها من تكوين وتكديس راس مال كبير ليس من وظيفتها كمعلمة طبعا، الا انها لم تقم بعمل رسمي او سبه رسمي اوحتى مرافقة زوجها، الا اننا نرى في اخر زيارة للرئيس جلال الطالباني لايطاليا وفاتيكان والنمسا السيدة هيرو وهي ترافق وزجها، اي ان زوجة الرئيس صارت رفيقة دربه ولم تعد عورة من العورات يجب اخفائها، نرجوا ان تستمر هذه الظاهرة لانه على الاقل قد يضفي مرافقة الزوجة لزوجها المسؤول طابع اكثر انسانية واكثر لباقة اجتماعية وعلاقة اكثر ودية.
طيلة الفترة السابقة المنوه عنها، كان النقد يعتبر جريمة كبرى وخصوصا حينما كان يوجه الى القائد الاوحد، فحكامنا السابقون كانوا فوق النقد فوق المحاسبة، اما اليوم فلا يخلوا يوم من الايام لا يتم نشر ما ينقد او يسئ الى مسؤول من مسؤولي الدولة، حتى انه احيانا يتم الصاق التهم بهم وهم راضون ساكتون، انها ضريبة ان يعش المرء في ظل نظام ديمقراطي.
في ظل الانظمة السابقة كان النظام والمسؤولين كلهم من الفحول،وان لم يكونوا في الحقيقة الا انهم كانوا يصرون على رسم هذه الصورة لهم، فنحن ندرك ان كل رئيس دائرة كان فحلا على مرؤوسيه فقط، اما امام رؤسائه فلم يكن الا مستعطفا لرضاهم فقط، ولذا فان النساء كن مبعدات عن الواجه، اما اليوم وبرغم من اتشاح غالبية نساءنا بالسواد من قمة الراس الى اخمص القدمين بارغم من غاليتهن، فنحن نشاهدهن في كل مرافق الدولة من الجمعية العمومية الى الوزارة الى الاحزاب، لا بل تتسابق الاحزاب لاظهار الجنس اللطيف في الواجهة.
ولاول مرة منذ زمن طويل تقوم الحكومات بالعمل الجدي لاجراء انتخابات على مستوى الوطني او المناطقي، ولاول مرة تتنافس شخصيات عديدة على نفس المقاعد، ولاول مرة منذ امد طويل لا يشترط في المرشح الايمان بمبادئ ثورة 17 تموز (رغم اننا لمن نجد لدى الثورة والثوار مبادئ).
ولاول مرة يكون للعراق رئيسا منخبا، ورئيسا كرديا ولاول مرة يكون لاقليم كردستان رئيسا ومنتخبا.
طبعا من الاعمال التي يمكن انة تدرج في هذه القائمة التي يمكن ان نطلق عليها لاول مرة، ويمكن ان تكتب في موسوعة الجينز الدولية هي محاولة السيد ابراهيم الجعفري التمصل من السلام باليد على الزائرات من العراقيات او الاجنبيات، واعتقد انها ظاهرة سلبية لان النساء في كل مكان بتن يتولين مسؤوليات كثيرة في بلدانهن، فاذا الدكتور ابراهيم الجعفري لا يود ملامسة النساء لاعتقاد ايماني يمكنه ممارسة هذا الاعتقاد دون ان يكون مسؤولا سياسيا كبيرا يستقبل جحافل من النساء المسؤولات.
كما انه لاول مرة تشيع ظاهرة السيارات المفخخة والانتحاريين المستوردين او المواطنيين ولاول مرة نشاهد ونسمع ان البصرة مدينة التسامح والطيبة والاجناس المختلطة، يتم الحجر عليها وتلبيسها لونا دينيا ومذهبيا معينا، ونحن بانتظار ان نسمع لاول مرات الايجابية اكثر واكثر، فكل شئ ايجابي يكاد يكون لاول مرة في العرق، لان تاريخ العراق كان مسلوبا، كان تاريخ حكام قساة وجهلاء لا شعوب.
تيري بطرس
- آخر تحديث :
التعليقات