شكة دبوس (5)
عندما تسير مواكبنا الهادرة في العالم الاسلامي هاتفة لأشخاص كاسامة بن لادن، او الزقاوي او مقتدى الصدر ومن يماثلونهم، وداعية لهم بالنصر بل ومؤكدة نصرهم لا محالة على الكفار، فإننا بذلك نعبر عن ثقافة فعلية، وهي ثقافة جمعية غرسها في رؤوسنا من اختطفوا الاسلام في خلال العقدين او الثلاثة عقود السابقة من جماعات الاسلام السياسي. فكل واحد منا دخل المدرسة وهو صغير برمجت عقليته على ان المسلم هو الكل في الكل. غرس في رؤوسنا الصغيرة بأنه صاحب الحق بغض النظر عن القضية والمنتصر حتى ولو كان سلاحه قطعة خشب مقابل دبابة لانه هو الحق وغيره الباطل. غرس في رؤوسنا بأن القيم والمثل الحميدة خاصة بنا فقط ولا توجد لدى الآخرين. علمونا ان كل غير مسلم عدو لنا، ومتربص بنا، ويسعى الى تدميرنا، وان الغرب يعني الانحلال والتفسخ والبعد عن الدين، وانعدام القيم بل هو الجاهلية بعينها.من أفلت من هذه البرمجة في المدرسة وجدها في المسجد او اجهزة الاعلام بعد ان صارت لنا اجهزة اعلام، او وجدها في وعظ الواعظين الذين ينتظرونه في كل ركن. ترعرعنا بهذه العقلية التي جعلت من خرج منا وتعامل مع الآخرين يقول بعد عودته انه وجد هناك اسلاما ولم يجد مسلمين، وذلك فقط لانه وجد لدى القوم من القيم ما سره، لكنه استكثرها عليهم فقط لانهم غير مسلمين. صارت مقولته مثلا نلوكه عبر السنين. هذه هي الثقافة التي جعلت من كل واحد فينا يعتقد انه مؤهل لتقرير مصير الكون. صرنا مجتمعا كامل الخضوع لمن يتحدث باسم الدين. بهذه العقلية ماذا كان بامكاننا ان نفعل تجاه من قال بأن الاسلام هو الحل دون ان يحدد حلا.. لماذا؟ وكيف؟ هل كان يمكن ان نحاجه في مؤهلاته وهي انه اطال اللحية وقصر الجلباب وحمل المصحف الشريف. ماذا كان بامكاننا غير ان نكبر ونهلل، ومن لم يعجبه ذلك ان يسكت وينزوي خوفا او حرجا، لكن اذا وجد من كان عقله ما زال بصحبته وتجرأ باستخدامه يكون مصيره (فرقة تجتمع تطلق زوجته ان كان محظوظا او تستحل دمه ان كان بائسا)، او فرقة اخرى تصل الى القرار الثاني وتنفذه مباشرة كما كان الحال مع الدكتور فرج فودة الذي وقف في زمنه وحيدا ونحن نتفرج خوفا او حرجا. فقدنا العقل واصبحت العاطفة هي التي تحركنا. صرنا نلجأ الى بعض مدعي العلم الشرعي ليفتي لنا في الطب والهندسة والفلك وكل علوم الحياة وشؤونها. الحياة تتطور ونحن قابعون.اصبحنا نعيش حياة وهمية في رؤوسنا فقط وواقع الحياة الفعلية حولنا يختلف تمام الاختلاف. وهذا هو الانفصام الذي اخرج امثال اسامة بن لادن. فطالما الواقع يخالف ما في عقله فليخرج مجاهدا قاتلا او مقتولا لا يهم، ففي الحالتين هو الفائز فإن كان قاتلا فقد ادى دوره وهزم الكفر وتلك هي رسالته وان كان مقتولا فهي الشهادة والجنة بعدها.
اننا جميعا نوجه الانظار لابن لادن وامثاله وهم الفئة التي صدقت ما سمعت وعملت به، لكننا وحتى الآن لم ننظر الى ما هو اخطر من ذلك، واقصد اولئك الذين يملأون الرؤوس وما زالوا بنفس هذا الخطاب في المدارس والمساجد واجهزة الاعلام، الذين يطلقون القول بلا تحفظ وبدون التفات لنتائج ما يقولون او ان يعرفوا ان كل ما يقال في هذا العصر يسمعه كل العالم.
وماذا يهمهم وكل منهم يعتبر نفسه من حملة التفويض الإلهي، وما هي النتيجة: شوهنا حياتنا التي اصلا كانت مشوهة، وشوهنا ديننا السمح وجعلناه في مواجهة مع العالم.. فإلى متى يستمر هذا العرض والإضرار بحياة المسلمين في كل مكان في العالم، والذي تحول الى قتل وتفجير وتدمير للبشر ولكل اسس ومقومات الحياة، وهذا سوف يستمر إلا اذا اعدنا للدين قدسيته وانتزعناه من مختطفيه وابعدناه عن صراع الحياة.
د/ سحر محمد حاتم
كاتبة من منازلهم
التعليقات