الارهاب له اصناف و انواع و اخطرهم هو الارهاب الفكري الناتج عن مجموعات تتخذ الدين سلاحا لقتل الروح و الحياة و الحلم و الامل. هذا الارهاب الفكري الذي تحوله الى ارهاب على ارض الواقع بقتل الابرياء و مسح العقول و تكفير المجتمعات.

و قد بدا واضحا منذ سنوات بروز تيارات متنكره في عبأة دينية، تدعى الاسلام و التمسك به،و تنشط في الحارات و المساجد و مناطق الفقر و الحاجة و يمولها بعض من مجموعات ثرية لها هدف واحد و هو النسف و القتل والذبح و الاختطاف و التكفير.

و لقد يعتقد البعض خطاءا ان المستهدف هو الغرب في حقيقة غائبة عن ذهن البسطاء و هي ان المستهدف هو المجتمع العربي و الاسلامي.
نعم المستهدف هو البيئة العربية و الاستقرار و الامن في الدول العربية و الاسلامية لا الغرب.

اذ لا ضرر يقع على المجتمعات الغربية اذا قتل او نسف دبلوماسي او سائح من بين ملايين باستنثاء فقدان روحا بشرية بريئه،تتألم الانسانية لها. في الوقت ان الضرر كله يقع على المنطقة و طريقة التعامل معها و النظر اليها. فعلى الرغم من بشاعة الحادث و مرارة و قسوة فكرة قتل ابرياء فأن مثل تلك الاعمال لن توقف عجلة الحضارة الغربية و لن تغلق المصانع المنتجة او تهدد السياسات الاقتصادية في المجتمعات الغربية. ان مثل تلك الاعمال تعود بالدمار الاقتصادي على الدولة العربية نفسها و تجعل صورة الاسلام في الغرب صورة المعتدي الاثم و القاتل المجرم.

و اقصد هنا ان العالم يريد ان يعيش في امن و سلام لا في بقعة مجرمين و قتله يرتدون قناع الاسلام الزائف و يوهمون المجتمع بافكارهم المتشددة. كام و ان و الصراعات التى يدعو لها بعض من اصحاب الفكر المحافظ المتشدد كارثة في عصر التقنية و الحضارة و العلم.
اذ ان بعض من اصحاب هذا الفكر يريدون قتل الابرياء و نسف المجتمعات و تخريب العلاقات مع الغرب بحجة الحفاظ على العادات و التقاليد و بهدف تقليل تاثير الادوات الحضارية الوافده على استلاب الهوية و الداعية الى التغريب، حسب كلامهم و ادعائاهم.

انهم بهذه الافكار الخاطئة و المشوهة للحق يدعون الى تجهيل المجتمعات العربية و الاسلامية بطريق غير مباشر و يريدون الاستمرارفي حكم المنطقة و بقائها في النقطة المرورية السوداء التى لا ترى، عبر ما اسمونهم " غلمان التنوير" و " امراء الجماعات " و غيرها من المسميات الحركية. و هم بتلك الافعال يصدرون صورا سيئة عن العرب و المسلميين ترتد علي المنطقة بكاملها و تثير الحقد و الكراهية ضدها من الداخل و الخارج.

و هنا يبرز التساؤل لمصلحة من يجري ذلك؟ وهل نسي او تناسي من يدعي الاسلام و يستغله في راديكالية يشمئز منها المؤمن "ان القاتل يقتل و لو بعد حين؟ "،و ان الاية الكريمة تقول " لكم في الحياة قصاص يااولي الالباب ". فهل فكروا لحظة من سيقتص منهم و من افعالهم؟ وكيف ينتظر من يدعي الاسلام و يقتل الابرياء مصيره ممن قتله ظلما و عدوانا؟.

مع غياب الديمقراطية و الحرية الحقيقية في اجزاء من العالم العربي و الاسلامي و استغلال الاوضاع الاقتصادية المتردية لاحوال الشعوب بدأت مجموعات انتهازية من الفكر المتشدد الديني تبث سموم دين تعصب و تشدد و قتل لا علاقة له بالاسلام الحقيقي السمح و الداعي للسلام، و ذلك في محاولة لاقناع الشباب الساذج، الضائع في الحياة و الباحث عن بريق امل و لقمة عيش، أن ذلك هو ملاذا مهما لهم، و بهذا فأن مجموعات ضللت في الدنيا لاجل تخريب المجتمع تحت مسميات تبدو و كأنها محافظة.


وعند الحديث عن التيار المحافظ يجد الباحث و المتمعن انه امتدادا للمد الفكري الذي يعبر عن حالة تامة من الرفض و الممانعة لقيم الحضارة و الانفتاح و ادوات المعرفة،و ينتمي الى ماضي منغلق يريد ربط الحاضر بماضي بعيد عن تحديث المجتمع و تطويره، حتى و لو ادى الى الضرر بالمجتمع العربي و الاسلامي. و يوظف التيار المحافظ ادواته في الساحة العالمية من خلال مجموعات فكرية نهجهها و حياتها و تراثها و علمها هو قتل الحضارة و محاربتها و الابتعاد عنها و رفضها رفضا مطلقا تحت امضاءات تستخدم الدين و الشريعة في غير مكانهما الصحيح و بطرق ملتوية و خاطئة و مضلله. بل ان بعضا من هذا التيار ينتهج الخط التكفيري المتسم بالغلو و التشدد.

و اخرون يرون ان الحضارة هي بالعودة الى الماضي تحت مصطلح " الحداثة المعكوسة " التى تدعو الى الجمود و الرتابة و التوقف عند نقطة الماضي و يدعون ان الحضارة الغربية ستنتهي و تنقرض و يوظفون العاطفة الدينية لاجل الحرب على الغرب و حضارته.

هذا التيار ضد الاصلاح وضد التقدم و يغيب عن الواقع المعاصر و لديه ازمة في الروئية الدينية الواضحة لكيفية الانفتاح على الغرب متحججا بالشريعة و الاعراف التى يفسرها على رغبته و اهوائه. انها ثقافة ذاتية لا علاقة لها بالجانب التراثي و الحقيقي للاسلام و الاعراف العربية الاصيلة.

ان التزمت و الانغلاق ظاهرة غير صحية، و تتنافي مع روح الدين و القيم التى فطر عليها المسلمون و تؤدي الى العجز و الشلل في المعرفة العالمية و الحضارة و تقف ضد الحراك الفكري و الثقافي الذي العرب و المسملون جزءا لا يتجزء منه في العالم.

اليوم العالم كله قرية صغيرة و الثقافة لم تعد حكرا و لا ضريبة و انما اداة معرفة للحقيقة الغائبة.
[email protected]