الدولة العراقية الجديدة تبنى على أسس غير صحيحة و هو أمر لم يعد خافيا رغم محاولات بعض الجهلة من البعثو اسلاميين والطائفيين إثبات عكس ذلك. إنها حكومة تمهد لمحاصة طائفية مقيتة و يتحمل المسؤولية الكبرى في ذلك المحتل الأمريكي الذي سمح للسلفيين و أعداء الديموقراطية بالسيطرة على مقاليد السلطة في العراق، فإذا علمنا بأن الكثير من الأحزاب التي تتربع على راس الهرم الحكومي لا زالت مصرة على الاستمرار في برامجها السياسية التي تدعو إلى إقامة نظام حكم شمولي و لا تؤمن بالديموقراطية أساسا وتعتبرها بدعة غربية و تقدم مقابل النظام الديموقراطي إما نظاما على الشاكلة الإيرانية حيث كتب الدستور بصورة طائفية وشوفينية، أو على الطريقة البعثية حيث القائد والرئيس المجاهد والمناضل و أمل الأمة، الذي يحيي و يميت.

و استمرارا لنهج عدم الأيمان بالديموقراطية كنظام للحكم فإن بعض الأحزاب لا تؤمن أيضا بالنظام الفيدرالي الذي يسمح للأخوة الكورد وغيرهم بالتمتع بحريات أساسية، قومية وسياسية وثقافية من خلال مواد دستورية مثبتة و متفق عليها، تمنع التصفيات العرقية الشوفينية التي مورست من قبل نظام حكم البعث على مدى أكثر من ثلاثة عقود مضت.

وإذا عرف السب بطل العجب، فهذه الأحزاب التي كانت تتخذ من إيران منطلقا لنشاطاتها، تؤدي مهمة رد الجميل للإيرانيين الذين استضافوهم لسنوات. فالنظام الإيراني الفارسي الشوفيني، يضطهد جميع القوميات الأخرى و خاصة العرب و الكورد. حيث إن الفقر المدقع والتخلف هما سمتان يميزان المناطق العربية و الكوردية لذلك ليس لإيران مصلحة في ظهور كيان كوردي يتمتع فيه الشعب الكوردي بحقوق و امتيازات لا يتمتع بها نظيره في كوردستان الإيرانية.

لذلك نرى بأن أطراف في القائمة الشيعية و كجزء من محاولاتها لمنع قيام نظام حكم فيدرالي يقض مضاجع دول الجوار وخاصة إيران، قدمت عربون صداقة للبعثيين المجرمين أعداء العرب و الكورد و الأقليات القومية الأخرى. عربون الصداقة هذا تمثل في

1-
بما أن حكومة الجعفري هي حكومة انتقالية و تخضع لقانون إدارة الدولة المؤقت الذي أقر من قبل جميع الأطراف التي كانت مشاركة في مجلس الحكم المنحل، فإن مراسيم أداءها اليمين ( القانونية ) كان يجب أن تتم حسب ما هو مكتوب ومثبت في قانون إدارة الدولة المؤقت والذي ينص على أن ( المرحلة الانتقالية تعني المرحلة التي تبدأ من 30 حزيران 2004 حتى تشكيل حكومة عراقية منتخبة بموجب دستور دائم كما ينص عليه هذا القانون و ذلك في موعد أقصاه 31 كانون الأول 2005، إلا في حالة تطبيق المادة 61 من هذا القانون ). [1]

كما أن المادة الرابعة من قانون إدارة الدولة للفترة المؤقتة تنص على أن ( نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي ( فيدرالي )، ديموقراطي، تعددي، و يجري تقاسم السلطة فيه بين الحكومة الاتحادية و الحكومات الإقليمية و المحلية و البلديات...... الخ ). لكننا رأينا بان اليمين القانونية التي أداها السيد رئيس الوزراء و بعض وزراءه كان بطريقة أخرى تتناغم مع مطالب البعثيين والشوفينيين و بعض دول الجوار و كانت اليمين القانونية على الشكل التالي ( بسم الله الرحمن الرحيم.. أقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي مهامي و مسؤولياتي بتفان و إخلاص و أن أحافظ على استقلال العراق وسيادته و أرعى مصالح شعبه و اسهر على سلامة أرضه وسمائه و مياهه و ثرواته و أطبق التشريعات كافة بأمانة و حياد.. و الله على ما أقول شهيد ). لم تتم الإشارة هنا إلى احترام النظام الذي ثبت أسسه قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية و هو نظام جمهوري ديموقراطي تعددي فيدرالي. وقد كان الأخوة الكورد المشاركون في التشكيلة الوزارية أكثر حرصا على الديموقراطية و شكل نظام الحكم القادم من رئيس وزراءهم أو الذين كتبوا صيغة القسم.

2-
عربون الصداقة الآخر الذي قدمه الجعفري للبعثيين و القتلة والمجرمين هو تغاضيه الإشارة إلى شهداء الحركة الوطنية العراقي بكافة أطيافها، وهنا لا أعني الإشارة إلى جميع الشهداء فردا فردا بأسمائهم بل أعلام هؤلاء الشهداء وكان من الممكن الإشارة إلى اثنين أو ثلاثة على الأقل منهم، و قد ركز الجعفري على شهداء الحركة الإسلامية وهم محترمون ومبجلون من قبل الجميع، كما ركز على إحدى السيدات التي قتلت في ظروف غامضة في الموصل فيما عرف بمؤامرة عبد الوهاب الشواف، و كان الشوفينيون واالبعثيون و كل أدبياتهم السياسية تشير إلى ذلك، قد اتهموا الأكراد و الشيوعيين في تلك الحادثة. إذن هو تناغم مع البعثيين واستجابة لمطالبهم خاصة بعد مطالبة مجلس الحوار الوطني الذي يضم بين صفوفه بعثيون سابقون بمحاكمة مرحلة 1958 كشرط لمحاكمة مرحلة البعث منذ شباط 1963 حتى 9 نيسان 2003. و ربما سنسمع أصوات الظلاميين و الجهلة و المتخلفين و هي تطالب بنبش قبر زعيم الفقراء و المحرومين الراحل عبد الكريم قاسم لمحاكمته.

3-
أما العربون الثالث الذي قدمه الجعفري لأعداء الحرية و الديموقراطية فقد تمثل في تغاضيه عن الإشارة إلى التركيبة السياسية العراقية التي تضم طيفا واسعا من الأحزاب و الشخصيات الوطنية، وتركيزه على التركيبة العرقية والدينية والطائفية، و هو بذلك يؤسس بشكل رسمي للطائفية المقيتة التي ربما تتحول قريبا إلى طائفية سياسية تزيح من طريقها كل المعارضين السياسيين والذين يختلفون في الرأي والفكر عمن يحاول لبننة الواقع السياسي العراقي.

إنها خطوات خطأ في مكان و زمان غير مناسبين و بناء العراق الديموقراطي التعددي الفيدرالي لا يتأتى من خلال تقديم عربون صداقة لأعداء الشعب العراقي و جلاديه، إلا إذا أراد الجعفري إقامة نظام حكم دكتاتوري يضم البعثيين والمجرمين والقتلة باعتبارهم مدافع أمين عن هكذا أنظمة قمعية.

[1] قانون ادارة الدولة العراقية المؤقت