وسط ضجيج قذائف وصواريخ وقنابل الحرب الإسرائيلية على لبنان المختلط بضجيج الجدل الداخلي بين مؤيد لمغامرة حزب الله من جهة ومعارض لها من جهة أخرى، ثمة ثلاث مبادرات وطنية ومعبرة ينبغي أن تكون ملهمة لكل اللبنانيين ومدعاة للاتعاظ من الحرب الجارية وفي إعادة بناء مستقبل دولتهم وهويتهم المشتركة التي مزقتها الانقسامات والحروب:

الأولى: تتمثل في استضافة العديد من المناطق اللبنانية، على اختلاف مذاهبها وطوائفها، لأهالي الجنوب والضاحية الأبرياء، الذين جُعلوا وقوداً لمغامرة حزب الله، ولا ناقة ولا بعير لهم فيها. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا: هل يا تُرى ستساهم طهران في إعادة إعمار مناطق المهجّرين بعد وقف الحرب باعتبار الإعمار عملاً جهادياً، لا سيما وأنها الداعم الأول لحزب الله تسليحاً ومالاً، وحيث تصل تكلفة ذلك الدعم إلى مئات الملايين من الدولارات إن لم يكن أكثر من ذلك، كما لمح زعيمه الراحل حسن نصر الله؟

الثانية: تتمثل في البيان العقلاني الذي تمخضت عنه القمة الروحية في منتصف الشهر الفائت، والتي شارك فيها ممثلون عن كل الديانات والطوائف اللبنانية، بما فيها الطائفة الشيعية، حيث دعت القمة إلى وقف الحرب (بدون ربطها بشروط حزب الله). كما وجهت القمة شكرها لكل الدول العربية على مبادراتها تجاه لبنان بتقديم الدعم السياسي والعون المادي والطبي والغذائي، كما حثت اللبنانيين على التوحد صفاً واحداً نحو إعادة بناء مؤسساتهم الدستورية، وانتخاب رئيس الجمهورية، وتطبيق القرار 1701 ودعم الجيش اللبناني وتعزيز قدراته ليتولى الدفاع عن الوطن. كما وجهت القمة الروحية الشكر إلى كل المواطنين الذين قاموا باستضافة النازحين في هذه الظروف العصيبة التي يمرون بها، وأشادت بالمبادرة العربية الصادرة عن القمة العربية في بيروت 2002. على أن الأهم من نص البيان هو ألا يبقى حبراً على ورق، بحيث ينبغي أن تستلهم روحه الأحزاب التي تتحدث باسم طوائفها لتتخذه منهاجاً في عملها، خاصة ذات الصلة بمغامرة وحدة الساحات أو "إسناد غزة"، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

إقرأ أيضاً: منافع الموسيقى الكلاسيكية للإنسان

الثالثة: وتتمثل في التشييع الرائع والمهيب الذي نظمه جيش الدولة اللبنانية لجنازة الرائد محمد سامي فرحات، شهيد الجيش والوطن الذي سقط مدافعاً عن وطنه في الحرب العدوانية الإسرائيلية الحالية عليه، وحيث لُف جثمانه الطاهر بالعلم اللبناني، راية الوطن المشترك وليس راية حزبية لا يجمع عليها كل المواطنين كراية حزب الله الصفراء. وفي هذا الصدد، فإنَّ بادرة عائلة الشهيد باختيار بلدة رشعين في زغرتا المسيحية - وقد ارتبط بها الشهيد الجنوبي شطراً من حياته - لتمرير جنازة الشهيد (ينحدر من نفس طائفة حزب الله) في كنيسة مار إلياس التي قرعت أجراسها وقت إدخال الجنازة في الكنيسة، وحيث حضر التشييع جمع خليط من المسيحيين والمسلمين، كما حضره قائد الجيش جوزيف عون معزياً أهالي الشهيد، وخاصة والدته التي وجهت إليه الامتنان بكلتا يديها، لهي بادرة غير مسبوقة أو نادرة لكونها مفعمة بالدلالات الوطنية والوحدوية المؤثرة في مثل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها بلد لطالما تحاربت فيه الأحزاب ضد بعضها البعض باسم طوائفها.