انتهت الانتخابات الرئاسية الأميركية بتعبيد الطريق أمام الرئيس السابق دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات تنقل خلالها بين الولايات لدفع الاتهامات التي وُجهت ضده.

انتصار الرئيس الأميركي يمكن وصفه بالتاريخي، فالمرشح الجمهوري عانى ما عاناه خلال فترة حكمه ثم بعد هزيمته في انتخابات 2020، حتى اعتقد الجميع أنَّ مشواره السياسي قد انتهى إلى غير رجعة بفعل الضغوطات السياسية والقضائية التي لاحقته قبل أن يعلن ترشحه للانتخابات الفائتة ويحظى بتمثيل حزبه، ثم ينتصر ليصبح ثاني رئيس أميركي في التاريخ يتولى المنصب لفترتين متباعدتين منذ الرئيس جروفر كليفلاند.

وكما تحدثنا سابقًا، فإن موقف ترمب في انتخابات 2024 كان أفضل من الانتخابات الأولى في عام 2016 عندما واجه هيلاري كلينتون، ثم محاولة الدفاع عن رئاسته عام 2020 بوجه الرئيس جو بايدن، ولهذه الأفضلية عوامل عديدة منها جمهورية ومنها تتعلق بالحزب الديمقراطي، وأخرى تتمحور حول أسباب من خارج الاصطفافات الحزبية.

وبلا شك فإنَّ الملف الاقتصادي والتضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والوقود شكّل حجر زاوية الانتصار بالنسبة لترمب، فالناخب الأميركي يضع الاقتصاد فوق أي ملف آخر، وإدارة بايدن لم تنجح في السنوات الأخيرة من الحد من التضخم وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، كما أن ترمب نجح في دغدغة الطبقة العمالية من أبواب عدَّة، بداية تعهده بعدم فرض ضريبة على أموال البقشيش أو (Tips) وكلامه عن ضرورة عدم فرض ضرائب على "الأوفر تايم"، ثم عاد ليظهر في مطعم ماكدونالدز ليقدم وجبات سريعة إلى الزبائن، وفي مرة ثانية ارتدى سترة عمال القمامة ليوجه رسالة إلى العمال الأميركيين أنه غير بعيد عنهم، ويعرف همومهم.

في الشق الاجتماعي - الثقافي، لم يكن ترامب بحاجة إلى بذل جهود كبيرة، فالديمقراطيون أهدوه ما لم يكن ليحلم به، أولًا على صعيد الهجرة غير الشرعية التي وصلت إلى مستويات تاريخية، والإشكالات التي رافقت وصول المهاجرين إلى المدن الأميركية، ثم في ملف التحول الجنسي حيث خسر الحزب الديمقراطي دعم قاعدته المحافظة التي رغم انتمائها الأزرق إلا أنها لا توافق على تمويل المدارس التي تخير الأطفال بتغيير جنسهم دون حتى مناقشة الأمر مع ذويهم، وأيضًا ملف الإجهاض ساعد ترامب خصوصًا في الحصول على دعم من الفئة المتدينة.

وسيَبقى يوم الثالث عشر من تموز (يوليو) 2024 ماثلًا في الأذهان يحفظه التاريخ، ففي هذا اليوم تعرض ترامب لمحاولة اغتيال في مهرجان انتخابي في باتلر في بنسلفانيا كاد أن يخسر معها مشواره السياسي وحياته، وحظي بتعاطف كبير خصوصًا بعد رفع قبضته والدماء على وجهه مطالبًا أنصاره بمواصلة القتال، وبعد وقت قصير أعلن إيلون ماسك دعمه المرشح الجمهوري بشكل مباشر، وماسك في الولايات المتحدة يسحر الأميركيين بالتطور والتكنولوجيا وهو مثال يُقتدى به، دعمه مكّن ترامب من تسيد شبكة "إكس" على مواقع التواصل والتي أصبحت تضاهي الشبكات الإعلامية من حيث المتابعة ومحاولة الحصول على الأخبار والمعطيات.

إقرأ أيضاً: خطة حزب الله... أربعة أهداف للحرب ضد إسرائيل

وفي الانتخابات الثالثة التي يخوضها، أصبح للحزب الجمهوري زعيم وحيد هو دونالد ترامب، لا يشاركه أحد في القيادة أو الاعتراض، وخفتت أسماء زعماء تقليديين جمهوريين كان لهم حضور في عامي 2016 و2020 كعائلة بوش، وميتش ماكونيل، وبول رايان وميت رومني وآخرين، فيما اختارت شخصيات عديدة كانت تعارضه الانضمام إلى حافلة ترامب مثل ماركو روبيو، وليندساي غراهام، وتيد كروز.

وإذا كان ترامب قد حاز على حصرية القيادة الجمهورية، فإن أوضاع الحزب الديمقراطي انقلبت لتصبح صورة طبق الأصل عن الجمهوريين في المحطتين الانتخابيتين السابقتين، فأصبح الحزب الأزرق متعدد الرؤوس، بايدن من ناحية وباراك أوباما من ناحية، وبينهما تيار تقدمي، إلى جانب المرشحة كامالا هاريس التي دفعت ثمن فشل إدارتها في تحقيق ما يصبو إليه الأميركيون، وبالتالي أصبحت كل وعودها مثار شكوك في أوساط الناخبين، وهذا ما سهّل تصويب ترامب عليها، فمن فشل في تحقيق أي شيء خلال أربع سنوات كيف يمكن أن يحقق شيئًا في أربع سنوات لاحقة.

إقرأ أيضاً: رهان لبناني فاشل على Fast Food أميركي سياسي

بايدن نفسه شكل أحد العوامل التي ساعدت ترامب، فالرئيس الأميركي الحالي حتى 20 كانون الثاني (يناير) 2025، نفذ انقلابًا على الانقلاب الذي استهدفه، فبعد المناظرة الرئاسية الأولى رمى الديمقراطيون بثقلهم لدفعه إلى الانسحاب، وبعد معاندة قصيرة تلقف كرة النار ثم رماها إلى حضن المسؤولين في لحظة واحدة؛ أعلن انسحابه وسمّى نائبته كامالا هاريس لتكمل المشوار الانتخابي، وهذه الخطوة أربكت كبار الديمقراطيين الذين كانوا يريدون الذهاب إلى مؤتمر واختيار ممثلهم هناك، وأسماء عدة كانت مطروحة وبوسعها منافسة ترامب بشكل أكبر، مثل ميشيل أوباما على سبيل المثال أو روبرت كينيدي الذي حصل على أقل من ستمئة ألف صوت بقليل رغم انسحابه من الانتخابات منذ أشهر معلنًا دعمه ترامب وعدم وجود اسمه على أوراق الاقتراع.

إقرأ أيضاً: إشارات خطيرة تُلتقط في بيروت

وينبغي الإشارة إلى أن ترامب الذي أصبح أقوى رئيس جمهوري منذ رونالد ريغن، غيّر خارطة الانتخابات على صعيد الولايات المتأرجحة، ففي الدورات الثلاث نجح في نقل فلوريدا وأوهايو كولايات من خانة الولايات التي ستشهد معارك كبيرة إلى الخانة التي تميل إلى الجمهوريين، وبدرجة أقل نورث كارولينا، وبفعل النظام الانتخابي فإن هذا يعني أنه وضع أي مرشح ديمقراطي في المستقبل بموقف صعب بحيث سيكون لزامًا عليه الفوز بولايات بنسلفانيا وميشيغن وويسكونسن للمنافسة، وخسارة أيّ ولاية من هذه الولايات تعني تبخر الآمال بالوصول إلى البيت الأبيض.