تيارات الأصولية الدينية في ثقافتها بصورة مجملة هناك دائما ً وجود لل ( آخر )..
الآخر الذي عليها أن تواجهه وتعاديه وتلغيه وتقصيه من الوجود..
والآخر الذي لا ينفك عن تخريب معتقداتها وثوابتها والمؤامرة عليها باستمرار حسب اعتقادها..
هذه الثقافة انتجت على مر العصور فكرا ً متطرفا ً تأسس على قمع ( الآخر ) ومحاربته والاستبداد عليه..
ولم يتجه هذا الفكر لنقد ذاته وترميم آلياته والانشغال على تصحيح مداراته الثقافية ومواكبة متطلبات الحياة العصرية..
بل اتجه بالكامل نحو تعزيز أدبياته الماضوية ونصوصه التراثية لمواجهة ما تعتقده أن ( الآخر ) قد أتى لإقصاءه ونسف وجوده..
وبسبب هذه المعتقدات الفكرية المناهضة لل ( آخر ) لدى تيارات الفكر الأصولي الديني وعدم قدرتها على استثمار التعددية الثقافية التي تضج بها الحياة في بناء منظومة من التجاذبات الفكرية التي تؤمّن لها التواصل المثمر مع ( الآخر ) ظهرت لدينا في مجتمعاتنا ثقافة متطرفة لدى بعض التوجهات الليبرالية التي رأت أن اثبات وجودها لا يكون إلا من خلال التطرف في مواجهة الفكر الأصولي..
وذلك بالطبع ما يعيب الثقافة الليبرالية في مجتمعاتنا تحديدا ً لأن الليبرالية لم تقم في الأساس على فرضية وجود ( الآخر ) المختلف ثقافيا وفكريا ً الذي يساهم في بناء الحياة الطبيعية الحرة والإنسانية وبالتالي له الحق الكامل في حرية ابداء الرأي والتعبير بل كانت على النقيض تماما ً من الديكتاتورية والفاشية وكل أشكال الاستبداد والعنصرية وتشاركت مع الإرث الإنساني لمواجهة كل تلك الآفات وكانت أن تشكّلت في مراحل النهضة والتنوير..
فهي ثقافة تتأسس على مبدأ التسامح والإيمان بالتعددية الفكرية وتعزيز التجاذبات الثقافية في منظومتها الفكرية بصورة عامة واعتماد الحرية أساسا ً ثابتا ً في الانطلاق نحو حرية الرأي والتعبير..
يجب أن لا تكون هناك مشكلة لدى الليبرالي في وجود الآخر المختلف عنه انطلاقا ً من الإيمان المطلق بحرية الرأي والتعبير ما دامَ هذا الآخر لا يسعى إلى قمعه ونسفه والغاءه ومحاربته سياسيا ً وثقافيا ً واجتماعيا ً وفرض مسوغاته الفكرية وحمولاته الأيديولوجية عليه..
وفي ظل وجود المناخ الحر والمتسامح في التعاطي مع ( الآخر ) لا تصل الأمور إلى الطريق المسدود بل سيجد الطرفان نقاطا ً للالتقاء..
ولكن للأسف واقع الحال في مجتمعاتنا يؤكد أن التيار الأصولي الديني يمارس شتى أصناف الاستبداد الفكري على ( الآخر ) المختلف عنه..
لذلك نشأ بعض ( التطرف ) لدى بعض الليبراليين ومرده ليس إلى مكونات الثقافة الليبرالية بل نتيجة الطغيان السلوكي والفكري الذي تمارسه تيارات الفكر الأصولي الديني بحقهم..
وقد يراهن البعض على تيارات الاعتدال الإسلامية في خلق التواصل الطبيعي مع الآخر..
شخصيا ً أعتقد أن في منطقة الخليج تحديدا ً تكاد تختفي أية ملامح واضحة لتيارات الاسلام السياسي المعتدلة..
وذلك لأن الاعتدال مسألة نسبية ما أراه أنا اعتدالا ً قد يراه غيري تطرفا ً..
بالإضافة إلى تجذر الفكر الديني المتطرف منذ عقود في منطقة الخليج وتحديدا ً الكويت والسعودية اللتان أصبحتا من أكثر المنابع الفكرية تفريخا ً للتشدد والتزمت الديني..
كاتب كويتي
التعليقات