في الوقت الذي يواصل الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية محاربة الارهاب و العنف و التطرف التي تحاول الاستمرار الربط بين الارهاب و المقاومة المشروعة في استرجاع الحق المسلوب، ألا أن في الواقع أمريكا لا تستطيع ألا الاعتراف صراحة و ضمنا بحق الشعوب في المقاومة و تحرير أراضيهم، و هذا ما فعلته واشنطن و الدول المتحالفة التي سعت بكل ما بوسعها إلى تحرير دولة الكويت عند الغزو الغاشم من نظام صدام البائد، و أن كانت مصلحتها هي التي أملت عليها أن تقود التحرير خوفا على المنابع النفطية و وجدتها فرصة مواتية لقيادة عالم تستحوذ عليه، أيضا لا أحد يستطيع أن ينكر الدفاع المستميت من قبل واشنطن و الدول الغربية عن الجنوب السوداني و السعي بكل بما وسعهم لتمتع الجنوب بحكم ذاتي حتى لو أستدعى الأمر إلى اقتتال المواطنين و الأخوة بعضهم ببعض. أحيانا واشنطن لا تجد مناصا من الاعتراف بحق الشعوب في التحرر و الاستقلال و لكن حسب المصالح و الاستفادة من هذا الحق.

قرار إسرائيل الانسحاب من قطاع غزة الذي جاء رغما عن أنفها، التي حاولت جاهدة بمساعدة سندها الرئيس الولايات المتحدة الأمريكية بشتى الطرق، منها المفاوضات و اللقاءات من موقع قوة و فرض شروط تعجيزية لتخرج الدولة المحتلة بأقل الخسائر و أقل الإهانات و لكن تحت بأس المقاومة الأبية الفلسطينية جاهدت الخروج إسرائيل من مأزق المقاومة و العمليات الاستشهادية و بالعنف و الإبادة و التشريد و المفاوضات من مدريد إلى أوسلو إلى مبادرات عربية خجولة مجاملة لواشنطن لكن لا فائدة من دولة إسرائيل المحتلة التي تريد أن تحقق أكبر المكاسب بأقل الخسائر.

بعد المحاولات الفاشلة التي ما فتأت إسرائيل تستخدمها من خلال واشنطن بالضغط على الدول العربية و الإسلامية بقبول التعايش السلمي و التطبيع مع إسرائيل لجأت إلى تشويه المقاومة من خلال ربط تطرف و عنف و إرهاب الجماعات و منظمات مشبوه و ترعرعت في العواصم الغربية و حفظوا رجالاتها لاستخدامهم لأغراض في نفس واشنطن و إسرائيل بالإضافة للضغط على الأنظمة العربية.

و إلى حد ما، نجحت واشنطن و إسرائيل في الربط ما بين مقاومة الشعوب و تحررهم و ما بين الارهاب الذي يستهدف أبرياء و مدنين من جنسيات مختلفة الذي لم يفرق ما بين عاصمة عربية و إسلامية و عواصم غربية. و بعد تغير المصالح أنقلب السحر على الساحر و اكتوت واشنطن و مدريد و لندن من نيران الإرهابيين الذين روعوا الأبرياء في كل مكان و لم يعد المرء يأمن على نفسه لا في مدينة غربية أو عربية نتيجة خطا إستراتيجي ارتكبته دول تبنت في يوم من الأيام هذه الجماعات الإرهابية الذين جعلوا من أنفسهم أوصياء على العالم و محددين له ما هو صالح و ما هو طالح.

و نتيجة انشغال دول العالم بما فيها الدول العربية بمكافحة الارهاب و القـضاء عــليه و عملية احتلال العراق نتج عنهما غفلة عن القضية المحورية العربية و الإسلامية، قضية فلسطين المحتلة الذي بقي الفدائي الفلسطيني وحده تقريبا في ساحة الوغى يصارع الاحتلال الإسرائيلي في ظل تعتيم أعلامي و محاولة خلط العمليات الاستشهادية في أراضي محتلة و مغتصبة و ما بين العمليات الانتحارية التي تستهدف البريء في أماكن متفرقة.

و لكن رغم المحاولات الدؤوبة لتشويه سمعة المقاومة ألا أن ثقة الفلسطيني بنفسه و بحقه في الاستقلال و الحق في الدفاع عن أرضه تعززت مصداقيته عند الدول المعتدلة و الشعوب الحرة و المحبة للسلام. و أحد أسباب تقوية هذه المصداقية هو عدم انزلاق الفلسطينيين إلى هاوية الارهاب و العنف للجماعات الإرهابية المشبوه، و أن كان البعض جنح إلى التأييد الإعلامي الذي لم يخدم المقاومة و أستغلها المتربصون بالقضية الفلسطينية الدوائر و حاولوا الربط ما بين بعض منظمات النضال الفلسطيني و هؤلاء المشبوهين الذين لم يعيروا القضية المصيرية أي اهتمام إلا في الشعارات الإعلامية فقط لإضفاء مصداقية لعملياتهم الإرهابية و كسب الرأي العام العربي.

إن الانسحاب من غزة هي أولى الخطوات المهمة في طريق التحرر الكامل و الاستقلال و بناء دولة فلسطينية حرة ينعم فيها المواطن بالحياة الكريمة و يرجع اللاجئ الفلسطيني من دول التوطين، كل هذا بفضل مقاومة شريفة تميز ما بين دفاع عن أرض محتلة و عمليات إرهابية تستهدف أبرياء في أماكن آمنة.

علي عيسى