لم يسبق للملك في المملكة الاردنية الهاشمية ان كان حادا مع ضيوفة - على الاقل - في العلن كما كان الملك ليلة الاثنين الفائت، فالقواعد البروتوكولية في القصر الملكي في الاردن توجب على الملك ان يكونفي منتهى اللطف والكياسة والتهذيب، وهذا كان اصلا جزءا من طبع الهاشميين في الاردن بعيدا عن الاشكال البروتوكولية، الا ان الملك قد خرق العرف السائد، وتعامل مع رجالات الدولة بكل حزم وقوة وانزعاج، دون ان يصافح منهم احدا وهم في حضرته في القصر الملكي، فكان مستهجنا بين الاردنيين، الا ان المواطنيين يعرفون وجع الملك، وهم الملك، لان هذا كان همهم قبله، يشعرون بما يههد الاردن مثله، لانهم هم في الميدان وفي الشارع، وعلى احتكاك بما يحدث.

لقد دعي الملك عبدالله الثاني النواب والاعيان والوزراء في الديوان الملكي، واطلعهم على حقيقة ما هو عليه الواقع في الاردن، وما يقومون به هم، بل انهم المحرك الرئيس فيه، من سوء ادارة وتناكف، واغتيال للشخصيةو ومؤامرات صغيرة بين فئة واخرى، مما خرّب البلاد وضّيع حقوق العباد، فكلما جاءت مجموعة المسؤولين والوزراء لعنة سابقتها وهكذا يعيش الاردن.

لقد توقف الملك عند المشاكل الرئيسة التي تنخر جسم المجتمع الاردني والدولة الاردنية وهي المناكفة بين النواب والحكومة ومحاولة كسر ذراع كل منهم الاخر، مع ان المواطنيين ليسوا راضين عن اداء الحكومة ولا عن اداء النواب. وهذه حقيقة يلمسها الساكن في الاردن ان الحكومات تاتي وتروح فقط تحمل شعارات فقاعية براقة تختفي في الهواء، والنواب يحملون بيانات انتخابية تعجز عن تحقيقها امريكا، وبعد الفوز بالمقاعد النيابية يبدا مسلسل اختباء النواب عن ناخبيهم وهكذا، تنتهي الاربع سنوات بين لعبة القط والفار. اما منصب الوزير في الاردن فهي هبة تمنح للاشخاص المحظيين لتحسين اوضاعهم والسلام ختام، فمع اول تعديل وزاري يجلس الوزراء الخارجين من الحكومة باطلاق الاشاعات على الوزراء الدخلين للحكومة الجدد وهذا مسلسل اخر في الاردن بين الراكب والنازل عن الكرسي الوزراي، والموطن يتفرج على مأساة وطنة منذ الخمسينات من القرن المنصرم وحتى اليوم دون تغيير.

الاشكالية الثالثة التي ذكرها الملك وبمرارة هي الصحافة الاسبوعية، وهذه افة الاردن الاخلاقية والسياسية، حيث يمتلك هذه الصحف نفر ينتمي الى خارج الاردن من ناحية الاصل والولاء والتمويل، وهي مافية تعمل تحت مسمى الصحافة، الا انها تعمل في كل شيء وتكتب اي شيء يمكن له ان يحقق لها الربح والاساءه الى الاردن.

المشكلة الاخرى وهي الصالونات السياسية التي يديرها بعض الوزراء السابقين او ممن شغلوا رئاسة الوزراء سابقا حيث يقومون بتاليف الاشاعات عن كل شيء ناجح في الاردن، ويحاربون الحكومات العاملة رغبة منهم اما للعودة الى الكرسي، او في ضم الوزراء العاملين الى طابور الوزراء المتقاعدين، ويكفي ان يعرف القارئ الكريم ان في الاردن اكثر من عشرة رجال احياء يحملون لقب دولة رئيس الوزراء الاسبق. وهؤلاء مع الوزراء السابقين يشكلون مادة خصبة للصحافة الاسبوعية التي تعتمد على الاشاعات والدسائس واخبار الاثارة والفضائح الجنسية والاخلاقية.

والقضية اللاخيرة التي اثارها الملك وركز عليها هي مشكلة التوطين، او الوطن البديل للفلسطينيين في الاردن، حيث شرح الملك باختصار انه اذا كان هنناك من يخطط لحل مشاكل تاريخية عالقة على حساب الاردن فان الملك والاردنيين لن يسمحوا بحدوث ذلك وركز على الفلسطينيون في الاردن ممن يحملون الجواز الاردني، حيث قال ان الاردنيون من اصل فلسطيني هم من يجب ان يتصدوا الى مثل هكذا محاولات، حيث اعتبر الملك ان التوطين هو الخطر الحقيقي على مستقبل الاردن والاردنيين.

انها ركائز جوهرية التقطها الملك الشاب من بين ثنايا الهم الاردني المليء بالمأسي، وكان السبب دائما معروف وهو تغييب المواطن الاردني عن المواقع الرئيسة وصنع القرار، ومنح غير الاردنيين المراكز العليا في الدولة للتخطيط لمستقبل البلاد، وقد عجب المواطنيين لهذه الدقة التي توصل اليها الملك في تشخيص الامور و لان اغلب القضايا التي تحدث بها الملك لم تكن ترقي لمستوى ان تصل للمسامع الملك، بكون الاغلب تظهر على شكل شائعات تسري بين الناس، فان يستطع الملك التقاطها بحسه الانساني وباجهزته العاملة ممن تتناقله الالسن، فان الاردن بخير ويحكمة من يتابع كل كبيرة وصغيرة ولا ينام الليل، اعان الله الملك على ما ابتلي به الاردن. وابعد عنه بطانة السوء، وقرب منه من يريد للاردن والفلسطينيين والعرب الخير والمنعة والسؤدد.

الدكتور منور غياض ال ربعات

استاذ في الاعلام الدولي