الحملات العنصرية ضد المسلمين و اهدافها الاستعمارية

يتعرض الاسلام و المسلمين فى الفترات الاخيرة و خاصة منذ انتهاء الحرب الباردة الى حملات عنصرية شرسة جعلت من الاسلام و المسلمين رمزا للارهاب و القساوة والتخلف فى الغرب و ان المسلمين فى اوربا و امريكا اصبحوا اهدافا للكراهية و التميز العنصري بسبب انتماءهم الدينى او حتى اسماءهم الاسلامية فقط هذا ما عدا التميز العنصرى التقليدى الذى يتعرض له المهاجرين من دول العالم الثالث فى الغرب.

التميز العنصرى ضد المسليمن اشتد فى الغرب و لو بفارق بين دولة و دولة فى الآونة الاخيرة الى درجة اصبحت الرموز الاسلامية كالحجاب و اللحى رمزا للارهاب و التطرف و ينظر اليها كمصدر للتهديد من قبل اكثرية سكان الدول الغربية حيث ان ظاهرة التميز العنصرى ضد المسلمين فى اماكن العمل و التعليم و حتى الاماكن العامة اصبحت شيئا مألوفا مما يشكل عائقا كبيرا امام الحياة العادية للانسان المسلم فى الغرب بحيث يشعر بانه شخص غير مرغوب فيه و هو شبه منعزل عن المجتمع الذى عليه ان يعيش فيه و حتى لو ولد و ترعرع فى هذا المجتمع. و السبب هو مرة اخرى هو الانتماء الى الدين الاسلامى فقط.

هذا الوضع تازم الى درجة اضطر المقرر الخاص للامم المتحدة حول العنصرية الاعتراف فى مؤتمر المنظمة الاوربية للامن و التعاون التى تضم امريكا و كندا ايضا فى حزيران 2003 بان المعاداة للاسلام اصبحت التحدى الرئيسى للدول الاوربية فى ميدان التميز العنصرى بحيث ينظر الى المسلمين فى هذه الدول كاعداء فى الداخل. فهو يقول ايضا بان المعاداة للسامية فى الغرب استبدلت بالمعاداة للاسلام.
ظاهرة التميز العنصرى ضد المسلمين ازدادت منذ ذلك الحين هذا ما يؤكده قرار لجنة الحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة الصادر فى نيسان 2005 الذى يتحدث عن حملة تشويهية ضد الاسلام والمسلمين فى الغرب و يؤكد على تنامى هذه الظاهرة فيه.

حسب قول الامين العام للامم المتحدة كوفى انان ملاحقة المسلمين بسبب انتمائهم الدينى فى الغرب اشتدت بصورة مخيفة بعد احداث الحادى عشر من ايلول الارهابية فى امريكا حيث طالب الامين العام بداية عام 2005 بالكف عن ملاحقة و استهداف المسلمين الذى يتزايد باستمرار حسب رأيه منذ هذه الاحداث.

و من حق المرء بان يتساءل عن مغزى هذا التغير المفاجئ فى موقف الغرب اتجاه الاسلام حيث كان الغرب ينظر الى المسلمين كحلفاء له ضد الاتحاد السوفيتى ابان الحرب الباردة خاصة فى افغانستان.
محاولة الاجابة على هذا السوآل تعود بنا الى تاريخ العنصرية و الاستعمار او بالاحرى الربط بينهما اى ان اى حملة استعمارية فى التأريخ سبقتها حملة عنصرية ضد الشعوب و البلدان المستهدفة. و الحملات العنصرية كانت تشن بطريقة تتناسب مع الزمن و الثقافة السائدة فى هذه الحقبة الزمنية. فمثلا الحملات العنصرية ضد شعوب آسيا و افريقيا و امريكا منذ القرن السادس عشر و الى الحرب العالمية الثانية كانت تستند الى ادعاءات حول همجية و تاخر هذه الشعوب لتبرير استعمارها و كانه حملة تنويرية لجلب التمدن و الرفاهية لهذه الشعوب من قبل الشعوب الاوربية المتحضرة.
و لكن كما يبدوا فان الامر تغير الآن لان الشعوب و البلدان الاسلامية من الصعب اتهامها بالتأخر لتبرير استعمارها و لذلك وجدت وسيلة اخرى لتوفير هذا التبرير اى عن طريق تشويه صورتهم من خلال حملات عنصرية تتخذ من الدين اساسا لها و خاصة فى اطار اتهامات تنوى الربط بين الدين الاسلامى والارهاب.

لذا يجب علينا عند بحثنا عن الاسباب الحقيقية وراء هذه الحملات العنصرية الانطلاق بالذات من هذه النقطة اى الحملات العنصرية الجديدة ضد المسلمين و الاتهامات المتعلقة بالارهاب ضدهم هى ليست غاية بذاتها بل وسيلة تمهيدا لحملات استعمارية جديدة بدأت ظواهرها فى الافق الآن ضد الدول الاسلامية و خاصة الغنية منها بالنفط.

من العنصرية الى الاستعمار

هناك ربط عضوى بين العنصرية والاستعمار اى ان الاستعمار يعنى دائما الاستغلال و الاذلال و اضطهاد اللآخرين و اهانة كرامتهم و هى جرائم من الصعب تبريرها ضد شعوب و جماعات معينة تتمتع بالمساواة مع المستعمر نفسه فلذلك على الاخير ان يقوم باطلاق مواصفات غير لائقة اجتماعيا و دينيا و سياسيا على الشعوب التى ينوى المستعمر استعمارها و اذلالها بهدف التقليص من كرامتها و قيمتها الانسانية و حرمانها من حق المساواة الكاملة مع الآخرين كاعضاء فى المجتمع البشرى تبريرا لجرائمه الاستعمارية ضد هذه الشعوب.

و العنصرية هى ايدولوجية هدفها الرئيسى هو تبرير الاضطهاد و الهيمنة و حرمان اللآخرين من حقوقهم الطبيعية و هى تستند الى ادعاءات باطلة و غبية بان الاختلافات فى العرق و الاصل و المنشأ و حتى الدين تؤدى الى تفوق جماعة على اخرى. و هى بذلك نظرية تقسم المجتمع البشرى على اساس هرمى تكون لها نتائج وخيمة على الشعوب و الجماعات التى تكون حصتها المواقع السفلية فى هذا الهرم.
و ليست العبودية و جرائم الابادة الجماعية و الغزوات الاستعمارية كلها شكل من اشكال ممارسة العنصرية.
و من اهم خصائص الايدولوجية العنصرية هى قدرتها على التكيف و تغير جلدها، فهى مرة تعتمد على النظرية البايولوجية و اذا اثبتت هذه النظرية فشلها فهى تتحول الى النظرية الاجتماعية و فى حالة فشل هذه النظرية ايضا فهى تلجأ الى الدين كاساس لتبرير نفسها كما هو الحال مع الحملات العنصرية الجديدة ضد المسلمين فى بعض بلدان الغرب.

و يجب ان نعترف هنا ايضا بان ظاهرة العنصرية هى ليست اختراعا غربيا بل وجدت منذ قدم التاريخ و لكنها كايدولوجية تحاول تبرير نفسها بطرق علمية مزيفة فهى من صنع غربى.

لو نظرنا الى تاريخ الفلسفة الغربية نرى بان اكثرية فلاسفتها الكلاسيكيين من ارسطو الى كانت كانوا عنصريين فى كتاباتهم و اراءهم حتى المعروفين من بينهم بالتقدمية. فمثلا كان الفيلسوف الثورى فولتير يعتقد بان السود هم صنف من الحيوان و الفيلسوف كانت نفسه يعتبر من اباء المنهج العنصرى و القائمة طويلة جدا لتشمل فيختى و دافيد هوم و مونتينيسكو.

و ليست الموجة العنصرية الجديدة ضد المسلمين و شعوب الجنوب الا امتدادا لهذه الفلسفة العنصرية مهما تغيرت اشكالها و طرق تبريرها فان هدفها الرئيسى يبقى الهدف الاستعمارى نفسه و هو الهيمنة على الشعوب و نهب ثرواتها.

و الاستعمار كمصطلح سياسى يعنى الهيمنة و فرض ارادة طرف على طرف آخر عن طريق القوة او التهديد بها و هو ايضا امتداد لسيادة دولة ما لتشمل دول و شعوب اخرى. و كمصطلح اقتصادى يستهدف الاستعمار الى الهيمنة الاقتصادية بكافة اشكالها.
و الاستعمار يختلف عن الامبريالية بحيث ان الامبريالية هى وليدة القرن التاسع عشر و هى مرتبطة بالتراكم الرأسمالى حيث تبحث القوى الامبريالية عن اسواق جديدة و الهيمنة السياسية و هى لا تعتمد بالضرورة على الاحتلال المباشر كالاستعمار الذى هو اقدم من الامبريالية بكثير.

هناك نظريات عدة حول اسباب نشوء الامبريالية و الاستعمار و اشهرها النظرية الاقتصادية حيث اعتبر لينين الامبريالية كاعلى مرحلة للرأسمالية و لكن الفيلسوف شومبيتر فى كتابه "الامبريالية و الطبقات الاجتماعية" يقول بان للامبريالية اسباب متنوعة غير كالانانية و حب الهيمنة على اللآخرين و الميلان لاستعمال العنف و الاثراء الغير المشروع. وبان الحقد الشخصى و الدينى و حب الظهور او التعويض عن نقص ما يلعب دورا مهما لدى القيادات التى تميل الى حروب استعمارية. كما يضيف شومبيتر بهذا الصدد ان الحروب الامبريالية هى من صنع اشخاص ذات غرائز متدنية كحب المغامرة و تاسيس الامبراطوريات مقارنين انفسهم بامراء العصور الوسطى يخوضون حروبا عدوانية من اجل توسيع سلطاتهم فقط او ربما لافتقارهم لقدرة القيام بعمل مفيد ما.

و بما ان الاستعمار هو الهيمنة عن طريق استعمال القوة فهى لا يتم الا من خلال شن حروب استعمارية و هى اشرس انواع الحروب و اكثرها دموية فى تاريخ الشعوب لانها حروبا شاملة ضد الشعوب و ليست ضد الجيوش فقط. فالاستعمار يحتل ارضا ليبقى فيها و ممارسة الهيمنة الشاملة على شعبها لذلك فان للاستعمار اهداف شاملة تشمل كل مجالات حيات الشعوب الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الدينية.
أثار الهيمنة الاستعمارية على شعب ما هى فى الواقع اوسع من هذه المجالات بكثير كما يقول فرانتس فانون الطبيب النفسى و الكاتب الثورى الفرنسى الذى اشترك فى ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسى، اذ يقول فى كتابه " معدومى الارض" بان الاستعمار يخلف حالة نفسية معينة لدى افراد الشعوب الخاضعة للهيمنة الاستعمارية تؤثر على التصرفات الشخصية لهذه الافراد كازدياد معدلات الجرائم و الفساد بانوعه و الامراض النفسية و الجسدية.
و لكن الاضرار هذه لا تنحصر على جانب واحد بل تشمل كلا الجانبين. حسب رأى فانون فان الاحتلال هو اذلال للمحتل ايضا بسبب الممارسات اللانسانية التى يمارسها ضد الشعوب الخاضعة لاحتلال. وخير مثال على صحة هذا القول هو العراق الحالى اذ ان سمعة امريكا بعد ممارساتها اللانسانية ضد الشعب العراقى تضررت كثيرا فى العالم و امريكا تعانى حاليا من فقدان المصداقية و اصبح اسم امريكا فى العالم الثالث رمزا للاضطهاد والعنف والتعذيب خاصة بعد نشر صور فضائح سجن ابو غريب.

فالحالة العراقية يمكن اعتبارها بداية لحملة استعمارية جديدة و لكن تحت ذرائع اخرى. فالعراقيون رحبوا بالدعم الامريكى لاسقاط النظام البعثى الذى كان يوما جاء الى الحكم بدعم امريكى و لكنهم فوجئوا بتحول المحرر الى المحتل.
و ربما ستتكرر هذه الحالة فى بلدان اسلامية اخرى لان الحملات العنصرية ضد المسلمين هى مستمرة و بصورة متزايدة مما يؤدى بنا الى السوآل التالى:

هل الحملات العنصرية ضد المسلمين هى بداية لحملات استعمارية جديدة واسعة ضد الشعوب الاسلامية؟

الربط العضوى بين العنصرية و الاستعمار يمكن التاكد منه ميدانيا من خلال تحليل الحملات العنصرية الجديدة ضد الاسلام و المسلمين و التحركات والتهديدات العسكرية ضد العالم الاسلامى و خاصة الدول الغنية بالنفط او الدول التى تبدى مقاومة ضد محاولات الهيمنة عليها.
الحملات الاستعمارية الجديدة ضد الشعوب الاسلامية تختلف هذه المرة قليلا من الحملات الاوربية السابقة اذ هى عبارة عن تحالف غريب بين دول انجلوساكسونية كامريكا و بريطانيا و الحركة الصهيونية العالمية.

كل البوادر والتجارب الاستعمارية السابقة تشير الى امكانية تحقيق هذه المخاوف لانه كما يبدوا فان التاريخ يكرر نفسه.

فمثلا قبل بدأ الحملات الاستعمارية الاوربية ضد أفريقيا بدأت الاوساط الاستعمارية آنذاك بشن حملة عنصرية ضد الشعوب الافريقية و وصفتها بشعوب بدائية و همجية غير متحضرة وصل الى حد اتهامها باكل لحوم البشر.

و لم يختلف الامر كثيرا مع شعوب امريكا الاصليين بعد اكتشاف هذه القارة اذ وصفت هذه الشعوب بالوحشية و التهام لحم البشر.
فمثلا نشر فى اطلس انكليزى سنة 1606 رسم مخططى لامرأة شبه عارية من السكان الاصليين و فى يدها آلة حادة يقول الاطلس عنها بانها تستعملها لتقطيع لحم البشر تمهيدا لشويه على النار و ثم التهامه فيما بعد.
و كولومبوس نفسه كان يطلق اسم Caribs على هنود الحمر و هو بدوره اسم مشتق من مصطلح Canibals اى آكلى لحوم البشر و اصله هو الاسم Canis و يعنى فى اللغة اللاتينية الكلب الذى يصطاد فى قطيع.
من المعلوم بان اتهامات من هذا النوع فسحت المجال فيما بعد امام الابادة الشبه الكاملة لسكان امريكا الاصليين على يد المهاجيرين الاوربين.

اطلاق تسميات و اتهامات مهينة للكرامة الانسانية لم يقتصر فقط على الشعوب من غير الجنس الابيض بل شمل كافة الشعوب المستهدفة من قبل الاستعمار، فمثلا كان العنصريون الانكليز يطلقون اسم الشمبانزيا الابيض على الايرلندين تمهيدا لاحتلال اراضيهم. و حتى بعد احتلال اراضى هذه الشعوب فان الاتهامات هذه لم تتوقف بل تشتد فى بعض المرات خاصة اذا تجرأ شعب ما على مقاومة الاحتلال. فمثلا كان الانكليز بعد احتلالهم للهند و عدم مواجهتهم لمقاومة تذكر من قبل الاكثرية الهندوسية فى المراحل الاولى من الاحتلال كانوا يطلقون على الهندوس اسم الهندوس الناعم للتعبير عن رضاهم عن قبول الهندوس بالاحتلال و لكن بعدما قام الهندوس بانتفاضة عام 1857 انقلب عليهم الانكليز و اتهموهم باغتصاب النساء الانكليزيات و بان الهدف الرئيسى وراء هذه الانتفاضة هو اغتصاب الانكليزيات.
حتى بعض الكتاب و العلماء الاوربين المشهورين جدا تاثروا بالادعاءات العنصرية ضد الشعوب الاخرى الغير الاوربية كشكسبير مثلا الذى لمح فى مسرحيته أوتيلو الى مصطلح Cabibalsim.
و حاول بعض العلماء الاوربيين فى مجالات البايولجيا و الطب و العلوم الانسانية اسناد النظرية العنصرية بطريقة علمية او حتى تبرير الابادة الجماعية للشعوب الغير الاوربية.
فكتب داروين مثلا فى كتابه Decent of Man سنة 1871 " الانقراض يكون عادة سببه المنافسة، المنافسة بين قبيلة و قبيلة او جنس مع جنس و عندما تقابل الامم المتمدنة الامم البربرية فان المعركة ستكون قصيرة". و فعلا كانت المعركة قصيرة للسكان الاصليين فى امريكا و استراليا و بعض مناطق افريقيا حيث ابيدت شعوبا باكملها.
هذه النظرية تعرف الآن بالداروينية الاجتماعية و هى من المبادئ التى يؤمنون بها المحافظين الجدد.

وبعض من هؤلاء العلماء كانوا ينادون علنا لابادة الاجناس الغير الاوربية كعالم اللانتروبولوجيا الالمانى Theodor Waitz سنة 1859 عندما كتب:" لو كانت هناك اجناس بشرية مختلفة اذن لا بد من وجود جنس ارستقراطى بينها يهيمن على الاجناس الاخرى التى حددت الطبيعة مصيرها لخدمة الجنس الارستقراطى بحيث يمكن تدجينهم لهذه الغاية كالحيوانات المدجنة و كذلك يمكن اجراء التجارب العلمية على اجسادهم بدون اى تردد و اذا وقفت الاجناس السفلى هذه فى طريق الرجل الابيض فان ابادتها بصورة كاملة تكون حينئذ لها ما يبررها".
هذه النظرية اى النظرية العنصرية الاجتماعية ظهرت بعد فشل النظرية البايولوجية القائلة بان الجنس الابيض يختلف عن الاجناس الاخرى فى تكوينه البايولوجى و ان التزاوج بين البيض و السود و غير ممكن بايولوجيا.

و لكن كان هناك ايضا كتاب و علماء اوربيون معارضين للنظريات العنصرية و الاستعمار كالكاتب الانكليزى Milton الذى قارن فى اشعاره "الجنة المفقودة" استعمار الشعوب بطرد آدم و حواء من الجنة لان الاستعمار لا يجلب الا الفساد و التفسخ.
و لكن المعارضة هذه لم تاخذ شكلا عاما بل كانت النزعة العنصرية و الرغبة فى التوسع و خوض الحروب الاستعمارية يتمتع بتايد شعبى واسع بسبب فعالية الادعاءات العنصرية و المصالح الشخصية لبعض مواطنى اوربا حيث كان باستطاعة الانسان الاوربى المعدوم العاطل عن العمل و حتى المجرم ان يتحول الى انسان ارستقراطى بين ليلة و ضحاها فى احدى المستعمرات. رئيس وزراء مستعمرة كاب فى جنوب افريقيا كتب عام 1908 بان العمال البيض تنهال عليهم النعمة عند وصولهم الى المستعمرات حيث يجدون انفسهم فى موقع الانسان الارستقراطى.
و لا يختلف الحال الآن كثيرا فى العراق حيث ان بوسع الجندى الامريكى الذى ربما كان مشردا فى شوارع امريكا قبل مجيئه الى العراق او نادلا فى البيتسريا بان يتحول الى حاكم يحكم على الحياة والموت فى العراق. و كما ان حالة الاحتلال توفر فرصة ذهبية لكل المجرمين و مرضى النفسيين لاشباع رغباتهم الاجرامية المريضة اذ لا مسؤولية لجرائمهم من القتب وا لترهيب والتخويف فى الاراضى المحتلة.

و مع بشاعة العنصرية و الاستعمار فان المرء يحتاج دائما الى مبرر لقتل انسان آخر و ان هذا المبرر من الصعب ايجاده فى حالة قتل انسان يتمتع بحق المساواة الكاملة مع القاتل و على رأسها حق الحياة، لهذا فان القاتل يلجأ اولا الى تجريد الضحية من خصائصها الانسانية كما يقول الفيلسوف الفرنسى سارتر و النزول بها الى منزلة القرود لتبرير جريمته. هذه التبريرات ساعدت على ابادة الكثير من الشعوب للاستلاء على اراضيها و ثرواتها.
و السر وراء بقاء بعض الشعوب التى خضعت فيما مضى للاحتلال و العبودية على قيد الحياة كما يضيف سارتر هو ليست انسانية المستعمر او اسياد العبيد بل هى اسباب اقتصادية لان المستعمر و مالك العبيد كان يحتاج الى الايدى العاملة الرخيصة، ولذا فانه فى بعض الاحيان عندما لم تكن هذا الشعوب مستعدة لخدمة المستعمر كان يتم ابادتها مثلما حدث لهنود الحمر الامريكيين عندما اعلنوا عدم استعدادهم للعيش كعبيد.
و هذه هى نظرية خطيرة جدا اذا طبقناها على الحملات الاستعمارية التى يتعرض لها العالم الاسلامى حاليا و خاصة الدول الغنية بالنفط لان الاستعمار الجديد لا يحتاج الى الايدى العاملة الرخيصة بل الى الثروات الطبيعية فقط و هذا يمكن ان يعنى على الاقل من الناحية النظرية بان ابادة شعوب هذه الدول ليست الا مسألة وقت كما حدثت لهنود الحمر ولكن بعد مجئ الفرصة المناسبة و اليس تاريخ الانسانية كله هو تاريخ جرائم الابادة الجماعية. و لهذا فان كفاح الشعوب المستعمرة يكون فى اكثر الاحيان على شكل حروبا شاملة ضد المحتلين الاجانب و التضحية بروح الملايين من ابناءها هو ليس الا محاولة للافلات من الابادة الجماعية على يد المحتلين حتى لو كانت وسائل الدفاع عن النفس بدائية. فى انغولا التى كانت تخضع لاحتلال برتغالى وحشى الى السبعينات القرن الماضى فان السكان كانوا يقومون فى بعض الاحيان بهجمات انتحارية جماعية ضد جنود الاحتلال بحيث كان النساء والرجال والاطفال يقفذون باجسادهم فوق اجساد جنود المحتلين و اسلحتهم لعدم توفر اسلحة لدى السكان للدفاع عن انفسهم.

و لم يكن حصة المسلمين من الحملات العنصرية و الاستعمارية الاوربية افضل من حصة الشعوب الغير الاوربية الاخرى ولكن بفارق واحد و هو تميز هذه الحملات بطابع دينى ايضا اى المعاداة للدين الاسلامى اضافة الى العنصرية العرقية.
فصورة المسلمين فى اوربا قبل و خلال الحروب الصليبية كانت توصف بالبربرية و الانحطاط و الاعتقاد بان الاسلام لم ينتج الا الاستبداد و العنف و الدمار.

و فيما يتعلق بتاريخ العلاقات الامريكية الاسلامية فان اولى الاتصالات بين الامريكيين من اصل اوربى والمسلمين لم تكن ودية اذ ان نسبة لا بئس بها من العبيد السود المختطفين من افريقيا الى امريكا كانت ذات اصول اسلامية تقدرها الباحثة الامريكية اليزابيث صديقى فى بحث لها نشر على موقع www.islamamerica.org بحوالى 10%. و من بين هؤلاء العبيد المسلمين كانوا علماء دين تفوق ثقافتهم ثقافة مالكي العبيد البيض فى بعض الاحيان و لهذا لم يكن من المستغرب بان يصبح هؤلاء العبيد المسلمين مصدرا لتحريض العبيد على الثورة ضد العبودية. فصورة المسلم لم تكن من البداية كما يريد ان يراها الرجل الابيض.

و فى يومنا هذا يعيش حوالى عشرون مليون مسلم فى دول الاتحاد الاوربى و حوالى عشرة ملايين مسلم فى الولايات المتحدة الامريكية و الحملات العنصرية ضدهم هى فى تزايد مستمر و تشتد حسب تقرير الاتحاد الهلسنكى العالمى لحقوق الانسان الصادر فى آذار 2005. التقرير المتكون من 160 صفحة يتكلم عن هجمات جسدية واهانات لفظية و التميز فى شتى المجالات ضد الاقليات المسلمة فى الغرب و خاصة بعد احداث ايلول الارهابية فى امريكا. يشير التقرير الى المسلمين بانهم ينظر اليهم فى بعض الاحيان كاطابور الخامس فى الغرب و يتهمون بتشكيلهم مصدرا للارهاب و عدم الاستقرار فيه.
فمثلا يذكر التقرير استطلاعا للرأى اجرى فى المانيا عن المسلمين ربطت فيه 80% من الذين شملهم استطلاع الرأى بين الاسلام و الارهاب. و فى استطلاع آخر اجرى بين مسلمى بريطانا تحدثت اكثر من 80% من المسلمين الذين شملهم هذا الاستطلاع عن تعرضهم لشكل من اشكال التميز العنصرى. و فى تقرير آخر لمنظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الانسان و مقرها فى نيويورك جاء بان نسبة البطالة بين الاقليات المسلمة تبلغ اعلى نسبة فى الغرب و انه يكفى لانسان ان يحمل رمزا اسلاميا كالحجاب و اسم اسلامى لكى تغلق كل الابواب بوجهه.

فمن الطبيعى بان ظروف كهذه تمارس ضغوطا كبيرة على الجاليات المسلمة فىا لغرب يمكن ان تؤدى فى بعض الاحيان الى اعمال عنف تمارسها عناصر من اصول اسلامية ذات نزعات اجرامية تصل فى بعض الاحيان الى عمليات ارهابية وحشية واعمال العنف والارهاب هذه تؤدى بدورها الى المزيد من الضغط على المسلمين و التميز ضدهم و هكذا تتكون دائرة شيطانية من العنف و التميز والارهاب.

لذلك لا يمكن اعتبار الارهاب الذى يمارس باسم الاسلام الا ارهابا ضد المسلمين فى الحقيقة لانه يوفر الغطاء الشرعى لشن هجمات انتقامية على المسلمين و اراضيهم كما حدث فى افغانستان مثلا.
لذا يجب على المسلمين و الدول الاسلامية رفع اصواتها بصورة مسموعة ضد الارهاب وتعلن عن براءتها عن هؤلاء المجرمين.
و على المستوى الداخلى لا بد من اجراء اصلاحات اقتصادية و سياسية و محاربة الفساد والفقر والمرض والبطالة التى تغذى الارهاب ايضا.