لماذا نُبْقي على الإسلام رمزا للتخلف والإرهاب؟ إذا كُنت سنيا فالمسؤولية - مسؤولية تحسين وضع الإسلام في العالم - تقع على عاتقك وإن كنت شيعيا فيجب أن تتواصل مع الموالي والأئمة لحثهم ومساعدتهم على تجديد صورة الإسلام في المجتمع الدولي.

الدفاع عن الإسلام في المحافل الدولية ليس قولا فقط وإنما قول وفعل. يجب تحرير الإسلام من خاطفيه أمثال أسامة بن لادن ومن تبعه. يستطيع الإسلام والمسلمين أن يرقوا إلى آفاق جديدة إذا أخذنا بما جاء في هذا الدين بعقلانية. تأجيج عواطف المسلمين وتخويف أصحاب العقيدة الضعيفة وتبسيط الأمور المعقدة لدى شباب المسلمين خطر كبير ؛ جعل من القاعدة وما تسوقه من كراهية مرجعا للإسلام. نحن نعلم أن الإسلام لم يكن يوما دين بطش وحرب. لو كان كذلك لما استطاع أن ينتشر إلى خارج الجزيرة العربية في حوالي ثلاثين عام منذ بدء نشر الرسالة – إنها عقيدة لا يمكن إكراه شخص على الإيمان بها.

إذا أخذنا بأن الإسلام صالح لك زمان ومكان فيجب علينا أن نكون بقدر من الديناميكية لمواكبة هذا الدين المرن الذي يستطيع أن يبقى إلى يوم الدين. الإسلام في حد ذاته ليس هدفا وإنما هو وسيلة لكسب رحمة الله وللحياة في بيئة يُحب فيها كل إنسان الخيرَ لغيره لينتشر العدل والأمان. لنُشبه الإسلام بالسيارة: تنقلنا السيارة من مسكننا إلى عملنا فنكون منتجين، تنقلنا من موقعنا إلى المستشفى لنستعيد عافيتنا، تنقلنا من مكاننا إلى أوكار – إذا أردنا – لنفعل الفاحشة ونكون من المفسدين. هنا السيارة وسيلة يمكن أن تكون وسيلة لنفعل بها خيرا أو شرا. إن الإسلام وسيلة خيرٍ طالما فهمنا أوامر ربنا ووسيلة شر إذا تركنا أسامة بن لادن يختطف خيرها ويعطي العالم شر نفسه غير السوية باسم الإسلام.

عماد الدين الإسلامي من شهادة إلى الحج تُعنى بالصورة التي يظهرها المسلم للغير في مجتمعه. الأهم مما يُظهرُه المسلم علانية هو ما يُكنه داخليا كمعتقد. أمي – أعطاها الله الصحة والعافية – حفيدة فاطمة الزهراء ابنة رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) كانت دوما تقول لي أن الدين المعاملة وأن خيركم خيركم لأهله. فهمت نصائحها على أن عماد الدين هو شيئ خاص بين المسلم وربه وإنما معاملة الغير فهي الأهم في المجتمع وما تجعل من المسلمين أفرادا فاعلين في مجتمعهم ومؤثرين في تطوره ورقائه.

يجب أن أؤكد أن للإسلام مسلكين الأول علاقة المسلم بربه والثاني علاقة المسلم بغيره ومجتمعه. لو كان الإسلام قطارا لكان المسلكان قُضبيْ الحديد الذي يسمح للقطار بالتقدم. إذًا يجب أخذ المسلكين بجدية تامة ولكن ما يهمني هنا هو المسلك الثاني أي علاقة المسلم بغيره. فالمسلك الأول خاص بين المسلم وربه وليس لي أي حق في الحكم أو التدخل في أي منحى منه. فأنا لا أستطيع أن أفرق بين شخص يصلي بخشوع وشخص يصلي وهو يفكر في أمور دنيوية ومن منهما سيكسب قبول صلاته. الأهم أن ثقتي في نفسي جيدة ولا أحتاج أن أعوض نقصا فيها بالتحكم في أناس غيري.

عودة إلى المسلك الثاني: نعم لا أستطيع أن أتحكم في المسلك الثاني ولكني أستطيع أن أدعو إلى أهميته وتفسير الفوائد التي تعود علينا جميعا إذا التزمنا به. علاقة المسلم بغيره بناءا على مفاهيم العدل والمساواة والرحمة والشفقة وحسن الجيرة هي ما تجعل من الإسلام ديناً حقاً في أعين المجتمع الدولي وتحث الغير على دراسته وفهمه وقبوله. لو أن الإسلام بقي دين قتل ودمار في أعين الغير كما يبدو الآن فإنه سيبقى يحارب. الحرب لم تكن قط الوسيلة التي كسبت تأييد بني البشر للإسلام قبل مئات السنين، إنما مفهوم العدل والمساواة كانت الدعامة التي جعلت الناس يدخلون في دين الله أفواجا.

الإسلام في بدايته كسب الأقليات من نساء وعامة القوم والعبيد. هنا يجب أن نتساءل لماذا؟ الجواب قد ذكرته من قبل. لأن هؤلاء استطاعوا أن يتحرروا من قيود مجتمعهم الظالمة بقبولهم للإسلام. أعطاهم الإسلام حقوقهم. فكان هؤلاء قبل الإسلام مجرد أتباع يطيعون ما يأمر به أولياء أمورهم بالنسبة للنساء، وأوامر علية القوم بالنسبة للعوام، وأوامر سادتهم وملاكهم بالنسبة للعبيد. إذًا أصبحت هناك معادلة في عهد الإسلام بين الحقوق والواجبات لهؤلاء الذين أثقلتهم الواجبات دون أي حقوق. لذلك نستنتج أن العدل والمساواة كانت الركيزة التي جعلت الإسلام دين دخلت فيه أفواج من المستضعفين. ولكن الإسلام لم يكن دين المستضعفين فقط وإنما مفاهيمه تعدت إلى عقل وقلب الأقوياء وعلية القوم. وكان إسلام عمر بن الخطاب بداية عهد إسلامي يرحب بكل انسان دون عنصرية تجاه أي انتماءات اجتماعية أو قبلية.

قبل 1400 عام كانت المجتمعات قبلية وزراعية أما اليوم فالمجتمعات تحولت – أو في طور التحول – إلى مجتمعات صناعية ومجتمعات خدمية. هذه المجتمعات ترتكز على مبدأ الفردية أي أن الفرد مُستقلٌ عن الجماعة ويستطيع الحياة دون أن يتنازل عن شخصه وكيانه. وذلك يعني أن رسالتنا الإسلامية يجب أن تعطي هؤلاء الأفراد في الوطن العربي وخارجه بيئة أفضل مما لديهم كي يعودَ الإسلام إلى عهده المزدهر. الرسالة التي يجب على الإسلام إيصالها إلى المجتمعات الفردية هي رسالة عدل ومساواة وحب وإخاء كما كانت الرسالة الأصلية وفي نفس الوقت يجب التركيز على ما يحتاجه الفرد في هذه المجتمعات الصناعية والخدمية. أكثر ما يرغب فيه أعضاء هذه المجتمعات التي توصف بالمتقدمة هو أن يملؤوا الفراغ الروحي في حياتهم. لقد اكتشف الغرب أن حياتهم غير كاملة بمجرد امتلاك الماديات. الماديات لا تستطع أن تروي العطش الروحي لبني البشر.

على كل مسلم أن يبرهن عمليا أن الدين الإسلامي دين يملأ الفراغ الروحي ويجعل من حياة المسلم حياة قانعة سعيدة. العوائق عدة ويجب على المسلمين أن يتغلبوا عليها: أولها أن يؤمن المسلم حقيقة – قولا وفعلا – بمساري الدين الإسلامي. ثانيا أن يوضَع الأشخاص المشوهين لصورة الإسلام في صندوق مكتوب عليه بما لا يدع مجالا للشك أو التأويل أن فلسفتهم غير إسلاميه – ذلك لا يعني أننا سنحكم على علاقتهم بربهم وإنما نتبرأ منهم لكي يبقى الإسلام صافيا حقيقيا كما جاء به رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.

ما أقول به هنا ليس مجرد نظرية وإنما لاحظناها في الولايات المتحدة التي تشهد انتشارا لدين الله. ذلك الإنتشار لوحظ في مجموعتين: الأولى – المجموعة الكبيرة – هي الطبقة المستضعفة من المجتمع الأمريكي من المسجونين الأفارقة الأمريكين. السبب في ذلك أن الإسلام – مرة أخرى – يساوي بينهم وبين بقية المجتمع مثلما حدث في عهد الرسول لمؤذنه بلال فالمجتمع الأمريكي مازال يفرق عنصريا بين البيض والسود. المجموعة الثانية – وهم قلة – هؤلاء الأشخاص الذين نجحوا في حياتهم العملية وحصلوا على المادة واكتشفوا الفراغ الروحي ومنهم شخصيات رياضية وغنائية ناجحة.

يجب أن نعمل العقل في فهمنا للإسلام أولا كي نستطيع أن نُقنع الغير بصحته. علينا أن نُؤمن بعد تفكير عميق كي نستطيع أن نكون رموزا وسفراء لدين الحق الإسلام. علينا أن نتناقش فيما بيننا كي نفهم الحكمة من وراء النصوص القرءانية. يجب أن نحلل ونستنتج أهداف السنة النبوية قبل أن نأخذ بها في حياتنا اليومية كنص دون تحقيق أهدافها وتعميم فوائدها. يجب أن نُخلِّص الإسلام من خاطفيه. حان الوقت لأن نستيقظ من سباتنا العميق ونعود إلى جادة الصواب.

وليد عبدالجواد
إعلامي
www.walidaj.com