أعترف بأني في كندا، أحسست بانسانيتي وباني امتلك حريتي التي افتقدتها في بلدي الأم العراق، الحرية التي أستطيع من خلالها أن اعبر عن ذاتي من خلال الكتابة، وجدت هنا مساحة واسعة استطيع من خلالها أن أقول ما أراه صائبا، وأحسست بأن ليس هناك رقيب على ما أفعل إلا ضميري الذي يدلني على الطريق الذي يجب أن اسلكه في هذا الموقف أو ذاك، حتى وإن اختلف الموقفان.
في كندا، صحف كثيرة وبكل لغات الأثنيات التي تسكن هذا البلد الجميل، تسعى جميعها للتعبير عن دواخل مجتمعها الصغير ضمن مجتمعها الكبير كندا، الصحف ووسائل الإعلام جميعها تشترك في أولويات تصب أولا في صالح أثنيتها ثم في صالح الدولة الكندية ككل، وفي صالح المجتمع الدولي باعتبار كندا ضمن هذا المجتمع. وبما أن العالم أجمع بكل قومياته وطوائفه وأديانه ومذاهبه يقف ضد الإرهاب الذي يبث سمومه هنا وهناك، ويزهق أرواح البشر في هذه الدولة أو تلك، فإن وسائل الإعلام هذه تقف في هذا الصف ايضا. لكن المراقب الثاقب البصر، يرى أن هناك البعض ممن يحاول أن يقف بشكل أو بآخر في الصف الآخر، وان سالته السبب جاء الجواب بأنه يمارس حرية التعبير المكفولة في القانون الكندي.
الفرق كبير وواسع ايها السيدات والسادة الأكارم بين حرية التعبير والتحريض على العنف، او الوقوف إلى جانب الإرهاب، ومن هذا، تسمية من قتل أبناء الشعب العراقي بالمقاومة، أو من يقتل الأبرياء في لندن ومدريد وسرم الشيخ ( بالمجاهدين ) وما إلى ذلك.
اننا في كندا وفي غالبية دول الغرب، ومن واجبنا كوسائل اعلام ناضجة، أن نسعى للوقوف إلى الجانب المضاد للإرهاب وليس العكس، لكن البعض حتى في ادانته لهذه الأعمال الإجرامية فإنه يدينها بشكل ( مخجل) وكأن كلماته المستعملة تخرج مجبرة من جوفه، ولو اجتزئنا بعضا منها لظهر العجب والكيل بمكيالين، فقد أفتى علماء المساجد الإسلامية في لندن بإدانة التفجيرات التي طالت العاصمة البريطانية لكنها من جانب آخرأيدت الهجمات الانتحارية ضد القوات الأمريكية والبريطانية وما أسموه بالمتعاونين مع الاحتلال في العراق، هؤلاء المتعاونين في غالبيتهم من أبناء الجيش والشرطة العراقية والمدنيين من الشيوخ والأطفال والنساء والكسبة والطلبة والموظفين والمعلمين وعمال الكهرباء والماء وسواهم من المنخرطين في العملية السياسية.
حتى ان بعض ( الدعويين ) يجاهرون في البحث عن مسوغات شرعية للمضي في الحقن الإعلامي
دون أن يتلمسوا ما يحفظونه من نصوص تحض على التعاون على (البر والتقوى). فهل البر والتقوى هو القيام بالقتل والذبح الحلال وكل ما هو محرم كالاختطاف والاغتصاب كمحصل جهادي حاصل، والاستهانة بأرواح العراقيين وطموحهم بزرع الحياة التي لا تطالها عبوات (المقاومين والمجاهدين) ومن لف لفهم.
ان بعض الأقلام التي تعيش في أرض الكفر ( كما يسمونها) قد خرجت عن القسم والعهد الذي قطعته على نفسها، حين ولجت باب المهجر والإغتراب، يوم عاهدت ( السفارة) التي قابلتها وقبلتها، بان تحترم القوانين التي تحمي الدولة، سواء في كندا أو في أي مكان آخر من عالم الغرب، هذا العالم الذي وفر لهم وسائل الحماية والعيش الكريم الذي حرموا منه في بلدانهم الأصلية، كما وفر لهم حرية الرأي المفقودة في بلادهم الأم، فبدلا من الإلتزام بذلك راحت تحرض وتدعو إلى مقاتلة جنود الدولة التي آوتهم مستخدمين أكثر الطرق التواءً وأسلوباً من الهمز واللمز في وسائل اعلامهم التي تعيش بلا رقابة.