لم استغرب ما تفوه به اعضاء مجلس الشعب من كلمات جارحة بحق نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام إثر التصريحات التي ادلى بها لفضائية العربية الجمعة، لكنني توقعت ان يكون نائب الرئيس استغرب الكم الهائل ونوعية الأوصاف التي وصفه بها رفاق الامس. وبالتأكيد ستنعكس تبعات الحديث عن الفساد المالي والمطالبة بالتحقيق في التجاوزات التي طالت المال العام، اعضاء مجلس الشعب انفسهم.

اعضاء مجلس الشعب من اقصى quot;اليسارquot; الى اقصى اليمين وجدوها فرصة ليتظاهروا باستنكار هدر المال العام ونشر غسيل رفيق الأمس، و ليؤكدوا ولائهم للرئيس بشار الأسد.

عندما ظهر خدام على شاشة فضائية العربية الجمعة، تبادر الى ذهني السؤال الذي طرحه ايضاُ المحاور وربما معظم المشاهدين، عن السبب الذي منع نائب الرئيس عن الحديث عندما كان في موقع القرار، لكن موقف اعضاء مجلس الشعب الهستيري وضعني في الصورة مجددا رغم معرفتي بطبيعة النظام.

السيد عبد الحليم خدام تقدم الى الأمام بجرأة كبيرة متحدياً السلطة وهو يحمل في جعبته امراً كبيراً وخطيراً كما أشار، وهذا التصريح لوحده سيقض مضاجع النظام فلربما لجأ خدام لاحقا الى تطبيق المقولة العربية الشهيرة quot;علي وعلى أعدائيquot;.

والسؤال المحير هنا: هل يستحق الموقف الجديد والمفاجئ لخدام الأشادة، أم يجب التذكير بماضيه السياسي الذي لايحظى بالاعجاب في سوريا بأي حال؟ لكن الأمر سيبقى مرهونا بالخطوة التالية للسيد خدام.(بالمناسبة فان رئيس مجلس الشعب طلب من النواب الكرام ان لايستخدموا كلمة السيد وكان لطلبه مفعول السحر حيث لم يعترض احد رغم ان بعضهم حاول في بداية الجلسة ان يظهر بمظهر الجنتلمان).

وقد أثار احد النواب في جلسة مجلس الشعب يوم السبت نفس التساؤل عن الخطوة المقبلة لخدام، وما يهدف اليه نائب رئيس الجمهورية سابقاً، وهل ينوي الانتقال الى الصف المعارض لquot;سوريةquot; وهو يقصد طبعا النظام وقيادته بالتحديد، وهذا اقرار بوجود المعارضة رغم النفي أو التوصيفات والنعوت التي تطلق على المعارضين من قبل النظام ومؤسساته.

وبغض النظر عن نية السيد خدام في الانضمام الى المعارضة، او استعداد المعارضة للتعامل معه، مثلما هو الحال بالنسبة للسيد رفعت الاسد، فان تمييز خدام لنفسه عن النظام سيعطي المعارضة زخما ويعزز من مصداقيتها. واعتقد ان بامكان السيد خدام ان يلعب دورا مؤثرا في المعارضة السورية لما له من باع سياسي طويل وخبرة حزبية وعلاقات عربية ودولية واسعة، ستسهم في كسب اهتمام واسناد اوساط متنوعة داخل وخارج سوريا.

وفي غضون ذلك فان على المعارضة ان تتصرف بحكمة ومن منظور سياسي سليم يربط بين ما هو استراتيجي ومرحلي في مجرى التعامل مع هذا الواقع الجديد، بعيدا عن التشنج او التشفي، ومن منطلق الحرص على ما هو مشترك ومفيد لمستقبل العملية السياسية بمجملها، اخذين بنظر الاعتبار تشتت قوى واحزاب المعارضة وضعف التيار الليبرالي والعلماني فيها. لذا من المفيد الانفتاح على الاخر، وتوسيع وتقوية جبهة المعارضة.

ان تسارع ديناميكية وحراك الوضع السياسي في البلاد، يجعل من الممكن ان يحتذي عدد اخر من المسؤولين حذو السيد عبد الحليم خدام متى ما سنحت لهم الفرصة، وبالتالي ان تتهيأ احزاب المعارضة لاحتضان من يختار الابتعاد عن النظام او تحديه.

وبعيدا عن ضجة وهيستريا بعض اعضاء مجلس الشعب وغيرهم، فقد جاء حديث عبد الحليم خدام شافيا لاوساط واسعة من ابناء وبنات شعبنا السوري، ولا بد ان المعارضين في الخارج، والذين ضاقت بهم الدنيا فلجأوا الى بلاد الغربة، قد وجدوا في الخطوة التي اقدم عليها، مادة لإعمال الفكر وتنشيط الذاكرة وتحفيز الهمم في العام الجديد.

وكل عام وانتم بخير

نجوى نوفل
كاتبة سورية