يقولون أن العمى ليس هو عمى البصر فقط ولكن العمى الحقيقى هو عمى القلب الذى لا يشعر ولا يحس ولا... يندهش.
المفكر الفيلسوف الذى كان يشعل مصباحه فى وضح النهار باحثا عن الحقيقة لم يكن مختلا عقليا، إنما كان يرى أن ضوء النهار ليس كافيا لكشف الحقيقة رغم أنها ظاهرة دائما ولكن الناس هم الذين أصابهم العمى حتى أصبحوا لا يرونها فى وضح النهار.
يقول الأطباء أن العقل أحيانا وعندما يصطدم بما هو فوق طاقته على الإحتمال فإنه ينغلق على نفسه، ويرفض إدراك الحقيقة البشعة الظاهرة. ويبدو أننا أصبنا فى وطننا العربى بما يماثل ذلك فأصابنا العمى الجماعى، وإنغلقت عقولنا عن إدراك حقائق بشعة خارج المعقول والمنطق فلم نعد حتى نرى تلك الحقائق.
أين فى العالم كله يمكن أن يجرى ما يجرى فى وطننا العربى، والذى حتى لا يدهشنا وقوعه بل أيضا لا نرى ذلك الواقع من شدة صدمته للعقول والأحاسيس والإنسانية.
أين فى العالم كله عدا فى أوطاننا تجد هذا الكم من الحكام الدكتاتوريين الذين تجمعهم رقعة متصلة من الأرض وشعوب ناطقة بلغة واحدة وكل حاكم فيهم لديه عصابة تزرع الخوف والفساد وتملك الأرض بما وبمن عليها. وزعماء هذه العصابات يورثون الأرض والشعب والثروة لأولادهم!
اين فى العالم كله رؤساء ووزراء ومتنفذون يسرقون ويهلبون من شعوب فقيرة ليس ملايين الدولارات فقط بل مليارات ولا يشبعون. أين تجد بلاد كلها تقريبا عصابات مختلفة الأشكال تتكسب حراما من كل نشاط إنسانى تقريبا؟ أين تجد بلاد كل وزرائها وموظفيها العموميين لهم أولاد وبنات يؤسسون شركات خاصة تتولى التعامل مع شركة او وزارة أو مصلحة quot;باباquot; بتاعهم وتتجاوز رقم أعمال تلك الشركات المليارات رغم أن هؤلاء الأولاد أحيانا ما يكونون لازالوا فى اللفة.
أين فى بلاد العالم ماعد كوريا لشمالية تجد رئيس يظل رئيسا طوال عمره، واين تجد بلدا رئيسها يزعم أنه لا يريد تجديد رئاسته ثم يرجع ويلحس كلامه إلا فى أوطاننا؟
أين تجد شعوبا خانعة تقبل بمثل ذلك حكام إلا فى أوطاننا، وأين تجد شعبا كله تقريبا بموظفيه العموميين وأحزابه وحتى حركاته quot;المحظورةquot; وأصحاب المشاريع الخاصة فيه، لا تختلف ممارسات أشخاصه كل على قدر مستواه عن ممارسة أولائك الحكام، سواء فى تمسكهم بالكراسى او فى دكتاتوريتهم أو فى سرقاتهم إن سمح الحال.
أين فى العالم يخرج مسؤول جثم على كرسى الحكم لمدة أربعين عاما ليدعى بعد خروجه من بلده أن شعبه quot;ياحرامquot; محروم من الديمقراطية، وأن الفساد وصل للركب وأن الحاكم الأعلى الذى كان ذلك الشخص يخدمه حتى زمن قريب هو مجرد قاتل ولص سيكوباتى.
أين فى العالم تسمح حكومة لحكومة أخرى بإتخاذ إجراءات فض إعتصام سلمى لرعاياها بطريقة تسفر عن مقتل أكثر من عشرين نفسا بينهم نساء وأطفال، ثم لا تعترض ولا تحتج وإنما تقابل مقتل رعاياها ببرود بينما العالم كله يغلى غضبا وقرفا من هكذا ممارسات.
جميع هذه المارسات ليست فيروسا هاجمنا أو مرضا إستيقظنا ذات صباح فوجدنا أعراضه علينا، هذه الممارسات كتبت على شعوبنا العربية كما لو كانت قدرا لا فكاك منه إلا لو فتحنا عيوننا وتعملنا أن نندهش وأن نستنكر وأن أيضا نقاوم.

عادل حزين
نيويورك
[email protected]