بادرت كل من المملكة العربية السعودية ومصر، في الثالث من كانون الثاني 2006 لعقد قمة مصرية ـ سعودية في محاولة لتطويق الازمة التي تعيشها سوريا بعد تصريحات عبد الحليم خدام وطلب لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، لقاء الرئيس بشار الاسد ووزير خارجيته فاروق الشرع. وقد اوضح متحدث باسم الرئاسة المصرية ان وجهات النظر التقت على ان استجلاء الحقيقة في اغتيال الحريري، يتفق مع الشرعية الدوليةrlm;، بما يضمنrlm; تجنيب سورية كل شرrlm;، وكل مكروهrlm;، وأي ضغوط دولية من خلال تعاونها مع اللجنة الدولية.
وكان وزير الخارجية البريطاني جاك سترو، اثناء زيارته لبنان، قد حث سورية على التعاون في التحقيق وقال ان المجتمع الدولي يتطلع لان تفي سوريا بالتزاماتها وهي تعرف ما ستكون عليه العواقب.
كما اكد المندوب الامريكي في الامم المتحدة السفير جون بولتون ان على سوريا الالتزام بقرارات مجلس الامن والتعاون الكامل مع لجنة التحقيق.
وبدا واضحا ان الرياض تقوم من جهتها بجهود لاقناع المجتمع الدولي، بحمل لجنة التحقيق الدولية على البحث عن صيغ اخرى من شأنها حفظ ماء الوجه السوري، بالاضافة الى مساع لاقناع اللبنانيين بتهدئة التصعيد ضد دمشق لما يمكن ان يجلبه ذلك التصعيد من مخاطر على المنطقة برمتها.
ويدل التحرك الدبلوماسي السعودي في العام الجديد بقيادة العاهل السعودي الملك عبد الله، على عزم الرياض صياغة استراتيجية عربية شاملة، واقعية، ومتجانسة بعد ان عجزت جامعة الدول العربية عن معالجة ملفات خطيرة من بينها الملف السوري اللبناني، وظهور مؤشرات على تزايد النفوذ الايراني في دول عربية شرق اوسطية.
ورغم تلاحق الاحداث وتطورها في سوريا ومحيطها الا ان نشاط الدبلوماسية السورية كان ضعيفا جدا، ان لم يكن معدوما، ربما يعود السبب في ان وزارة الخارجية ليس لها القدرة على مواجهة المستجدات، وتحجرها عند مواقف عفى عليها الزمن، وترديدها لمقولات متشددة لاتفيد الا في زيادة عزلة سوريا على النطاقين العربي والدولي.
هذا الارتباك الواضح الذي تعانيه الدبلوماسية السورية، يظهر ايضا، في الخطاب الاعلامي الرسمي، ويتطلب هذا الأمر اتخاذ اجراءات سريعة وحاسمة لمعالجة الخلل، وقبل فوات الاوان، وعدم الاكتفاء باصلاحات ادارية شكلية لاتقوم سوى باستبدال مسؤولين غير كفوئين باخرين ليسوا بافضل منهم.
وهذه ليست دعوة لانقلاب داخلي او quot;حركة تصحيحيةquot; لمواجهة خصوم حزبيين او بعض افراد العائلة المتنافسين، وانما هي ضرورة يتطلبها الوضع الراهن، تبدأ من التخلص كلية من الفكر الشمولي، ومن اوهام الاشتراكية العربية، ونزعات الاستعلاء القومي، والخطط الاقتصادية الخمسية الفاشلة. واتباع سياسة جديدة، ووضع الية لتطبيق الوعود التي لم تنفذ بتطبيق الديمقراطية وتحقيق العدالة والمساواة لكل مكونات الشعب السوري، لان مصداقية نظام الحكم وصلت الى ادنى مستوياتها، سواءً داخل البلاد، او خارجها.
ان الركون الى سياسات انتهجها الحزب الحاكم منذ تأسيسه، ودأب على تطبيقها بحزم، دون اي تطوير يتواكب مع متطلبات العصر، ورهانه على خضوع المواطنين وامتثالهم لاوامر السلطة وأجهزتها الامنية، بحجة تعرض البلاد الى ما تطلق عليه وسائل الاعلام الرسمية بالهجمة (الامبريالية والصهيونية والرجعية)، اوعدم وجود بديل افضل من النظام الحالي. ان الركون لمثل هذه السياسات والرهانات لم يعد مجديا، ما يستوجب عدم تأجيل الاصلاحات السياسية، بزعم ان الوضع السوري ليس مهيئا لمثل هذه الاصلاحات في الوقت الراهن.
ان ممارسة حرية التعبير للمؤيدين والمخالفين في الرأي على حد سواء، هو حق وليس امتياز، ما يعني التوقف عن الممارسات التعسفية بحق المعارضين والنشطاء في مجال الدفاع عن حقوق الانسان، والاعتراف بوجود معارضة، ومحاورتها، والسماح مجدداً بتشكيل وتفعيل الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وايجاد حلول سلمية للمشاكل والتحديات التي تواجهها سوريا بعيدا عن العنف.
ان تشخيص الاخطاء، وتقييم السياسات بشفافية وتقويمها، سيؤدي الى الكشف عن مواقع الخلل واسبابه، ومعالجة الفساد المالي والاداري المستشري في الدولة ومفاصلها، خصوصا اذا اقترن ذلك بتوظيف الكفاءات التي عانت من سياسات الاقصاء والتهميش في قطاعات هامة اصبحت حكرا على المسؤولين واقربائهم والموالين لهم خصوصا من البعثيين. واعطاء الاولوية لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، لانه في الواقع من اهم التحديات التي تواجهها سوريا.
وليس لدى القيادة السورية من خيار اخر، سوى استغلال هذه الفرصة، لتستجيب الى نداءات المجتمع الدولي، ومبادرات الاشقاء العرب، وابداء اقصى التعاون مع لجنة التحقيق الدولية، والمبادرة في غضون ذلك، الى اصلاح الوضع الداخلي بالانفتاح على الشعب، بمختلف تياراته الفكرية والسياسية والقومية والدينية، ممن هم خارج مجلس الشعب او الجبهة الوطنية التقدمية، ومشاركتهم الفعلية في قيادة البلاد نحو مستقبل افضل.
نجوى نوفل
التعليقات