عندما كان الكتاب يُنسخ باليد في جهد وبعد بَذل، كان مكانه في الغالب في بيوت جماعة من العلماء والأدباء أو جماعة من السراة والهواة وفي بيوت الكتب العامة، فكان الكتاب على الأكثر ارستقراطياً !!
وعندما بدأ الكتاب يطبع بالأعداد الوفيرة صار مكانه ndash; إلى جانب تلك البيوت ndash; في بيوت من يشاء من الناس، وبذا صار ديموقراطياً !
وديموقراطية الكتاب لا تشبه ديموقراطية أية (بضاعة) أخرى، إنها ديموقراطية تتصل اتصالاً مباشراً بالعقل والوجدان، فالمعرفة حب يستهين بكل غال، فكيف بالغالي الرخيص ؟
الكتاب اليوم غال رخيص. أفانين من المعرفة في (كيانات) لطيفة من الورق المطبوع بالحروف المنمقة والاخراج القشيب والحجوم المختلفة. كل الأفانين.. ما أردت فناً إلاّ وجدته بين يديك في يسر وسرعة، لكأن المكتبة (خاتم سليمان) !
والكتاب في البيت زينة أيضاً، وعندما يجمع كتاب إلى كتاب.. في رفوف بدولاب، يصبح (دولاب المعرفة)، (قطعة) من الأثاث يشع في البيت اشعاع الجمال والجلال.
ولا بأس أن يقفل الدولاب، فحتماً سيأتي يوم أو ظرف يفتح على مصراعيه، ليشهد الفاتح عيوناً ترحِّب به، وقلوباً تهتف له، وعقولاً تتحدث إليه حديثاً أشهى من حديث شهرزاد في لياليها الألف.
وإذا لم يتيسّر الدولاب، فكومة الكتب المنسّقة على مرتفع في ركن من الأركان كنز مشاع غير مدفون في قَبو مظلم، أو صحن من (الطعام) اللذيذ، يطعم منه ولا ينقص.
في بلاد متقدمة كثيرة نجد في كل بيوتها كتباً، احتلت مكانها منها، وأثبتت مكانتها فيها، وفرضت نفسها على الأفراد فرض المشوق فجعلوا في ميزانيتهم فصلاً لشراء الكتب، وفي هذه البيوت حين ينهض الصبي على قدم التفتح الذهني في مطلعه ويجد بين يديه الكتب الجميلة، ويرغب على تصفحها، يكون قد بدأ في مطالعة سفر الحياة من بابه المنتقاة، ويكون ذلك خير استهلال.
وعندما يصبح الكتاب ndash; وهو اليوم في متناول الجميع ndash; جزء من حياة الأفراد يكون الحرص عليه واحترامه أمراً طبيعياً فلا يُهمل من ثمة ولا يضيع، ويكون الانتفاع به أرحب شمولاً وأكثر جدوى.
والدنيا تتقدّم في مسالك الحضارة والمدنية، وما الحضارة والمدنية إلاّ نتيجة المعرفة، أو هي إياها، وبالرغم من أن المعرفة تكون كما قال القدماء في الصدور لا في السطور إلاّ أنها تكون في السطور قبل أن تكون في الصدور.
وعلى الإنسان الذي يعيش في هذا العصر أن يترع نفسه من مباهجه ومشاهده، والمعرفة سبيل إلى هذا الاتراع، أما السبيل إلى المعرفة نفسها فهي الكتاب بالدرجة الأولى ولا ريب.
عقيل يوسف عيدان
[email protected]
باحث وكاتب، من الكويت.
التعليقات