انتهت الإنتخابات الفلسطينية أو ما يوصف بأنه العرس الديمقراطي الفلسطيني بفوز شبه كاسح لحركة حماس وهزيمة ساحقة ماحقة للحركة الفتحاوية التي أطلقت شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وحملت على عاتقها منذ ذلك الحين آمال وآحلام الشعب الفلسطيني والتي تضاءلت يوماً إثر يوم بفعل الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها تلك الحركة، وكذلك بفعل الحرفنة في تضييع الفرصة تلو الأخرى والتي أجادتها بإمتياز الحركة الفتحاوية ورموزها وعلى رأسهم قائدها الراحل أبو عمار، حتى أضحى سقف المطالب الفلسطينية أقل مما كان مطروحاً في كامب ديفيد السادات وحتى كامب ديفيد كلينتون وباراك وعرفات، وماسال بين ذاك التاريخ وهذا من دماء فلسطينية وجرحى ومعاقين ومصادرة للأراضي وبناء المستوطنات وجرف للمزروعات وهدم للبيوت وبناء جدارا عازلا صادر داخل حدوده غالبية الأرض الفلسطينية المحتلة عام سبعة وستين.
ولقد كانت حركة حماس شريكا رئيسيا بتلك النكسات التي لحقت بالشعب الفلسطيني وخصوصا منذ العام ألف وتسعمائة وست وتسعون حين فرضت رؤيتها للنزاع من خلال سلسلة العمليات الإرهابية التي نفذتها في ربيع ذلك العام وما أدت اليه من نتائج وخيمة على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وطبعا بالتآزر والتعاضد مع قيادة فلسطينية أدمنت الفشل وضياع الفرص كما فشلت في الإنتقال من منطق وشروط الثورة الى منطق وشروط الدولة حين أصرت على رفض نتيجة المفاوضات التي قدمت للفلسطينيين عام تسع وتسعين أقصى مايمكن أن ينالوه، وذلك خوفا من انحسار مدها الجماهيري الذي كان سيكون آنيا بالتأكيد ليعود أكبر وأوسع من ذي قبل حين تدرك هذه الجماهير أنَ قيادتها لم تتخذ مااتخذته من قرارات إلا في سبيلها وضمانا لمصالحها، وغضب الجماهير المؤقت خير ألف مرة من قدوم ساعة كان قدومها حتمياً بسبب ماذكرناه، تلك الساعة التي جاء وقتها اليوم ليقول فيها هذا الشعب كلمته في وجه قيادته التاريخية دافعاً إياها الى خارج السلطة ومؤسساتها، وفاسحاً المجال لخيار مجهول لا يعلم إلا الله أين سيوصل هذا الشعب.
لقد اختار هذا الشعب إذاً حركة حماس كخيار ومع احترامي الشديد للخيار الشعبي إلا أن هذا الخيار لا يعدو أن يكون قفزة في المجهول والظلام ذلك أن هذه الحركة ليس لديها أي برنامج سياسي حتى الأن بإستثناء تلك الإشارات المبهمة والخطيرة التي يخرج علينا بها أحد قياداتها بين الحين والآخر، وهي اشارات لايفهم منها على أية حال إلا المصير الظلامي الذي يخبأ لهذا الشعب، ولم يكن أولها رفض إلقاء السلاح بدون تقديم البديل في ظل اختلال كامل في موازين القوى لصالح اسرائيل، وكذلك الرفض المطلق للتفاوض مع الإسرائيلين تارة والقبول بالتفاوض عبر طرف ثالث تارة أخرى، ولا نعلم كيف سيتم تأمين الخدمات الأساسية للشعب الفلسطيني من كهرباء وماء واتصالات والتي تمر بمعظمها عبر الجانب الإسرائيلي بدون التفاض معهم، أما على صعيد تعامل هذه الحركة مع الحريات الأساسية كحرية الإعتقاد والحريات الشخصية فإن أكثر مايثير مخاوفنا هو أن تتحول الى واقع تلك التصريحات الخطيرة والعنصرية التي أطلقها أحد الناطقين بإسمها-نزار ريان- قبل أشهر والتي ذكر فيها أن الحركة ستلجأ الى تطبيق العهدة العمرية في التعامل مع الأخوة المسيحيين شركاء الوطن والدم، وكذلك تصريحات السيدة أم نضال فرحات ( أم الشهداء ) بأن أول ما ستعمل الحركة من أجله هو تشريع قانون جديد يفرض الحجاب على المرأة الفلسطينية في تعد صارخ على حق من حقوق الإنسان الأساسية.
ان حركة حماس اليوم والتي تتغنى بالخيار الديمقراطي وتدعو المحيط العربي والإقليمي والدولي الى إحترام خيار الشعب الفلسطيني، هي خير من يعلم بأنها ماسلكت هذا الطريق إلا لقناعتها بأنه الطريق الوحيد الذي يمكنها من الوصول الى السلطة بكل مغرياتها، وماعدا ذلك فهو ضحك على اللحى والذقون هذا التشدق الحمساوي بالديمقراطية ونتائجها مستغِلة فشل وفساد الحركة الفتحاوية ومتلاعبة بعواطف جماهير أقسمت على مايبدو يميناً قاطعاً بأنها لن تستفيد من تجارب الشعوب الأخرى التي جربت حكم الحركات الإسلامية ولم تنل منها إلا الدمار والخراب وتضييق الحريات، وهي الجماهير نفسها التي ترفض أن تسأل نفسها بفعل شحن ديني مكثف ماالذي استجد بين الإنتخابات الأولى التي قاطعتها حماس وحرمت التصويت والترشيح بها وبين هذه الإنتخابات التي اشتركت بها بإستماتة؟.
إن ماحصل بالأمس هو عرس ديمقراطي حقا ولكنه تم في ظل غياب كامل لوعي العروس والعروسة على السواء ومانتمناه هو أن يصحح أصحاب العرس عندما يستفيقوا من تخديرهم وهم أبناء شعبنا الفلسطيني ماحصل بعد أن يكتشفوا أن ماكان لا يعدو كونه يوم بؤس وشقاء سيؤكده القادم القريب من الأيام، وأن يوم العرس الديمقراطي الحقيقي هو عندما يختار هذا الشعب ممثليه الحقيقيون بعيدا عن سطوة الدين والعزف على العواطف ومخاطبة القلوب عوضا عن مخاطبة العقول، وبعيدا عن ردات الفعل تجاه فشل هذا وفساد ذاك وكذلك بعد أن يعرف شعبنا البعض على حقيقتهم وليس عبر شعاراتهم والى حينها- بعد أربع سنوات- ماعلى الشعب إلا أن يتحمل مسؤولية اختياره في لعبة الديمقراطية التي نعشقها ونشجعها دوما رغم بعض خيبات الأمل والتي لن تصحح إلا بمزيد من الديمقراطية.
مروان الخطيب
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات