شاء حظي العاثر أن أصلي الجمعة الأولى من رمضان المبارك في احد مساجد القدس الشريف، فأستمع إلى خطبة القاها الخطيب الذي تمترس فيها خلف مفاهيم دينية فضفاضة، أعطى لنفسه فيها معرفة الغيب عندما ادعى بأن زيارة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية للمنطقة في الاول من تشرين الأول جاءت بعد اتفاق مع حماس، وبعد أن تلقت من حماس تاكيدات بأنها تقبل بقيام دولة فلسطينية على الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة، لينطلق صاحبنا بعدها لتحريم قيام هذه الدولة لسببين حسب رأيه أولهما : الاعتراف بدولة يهود حسب تعبيره.
وثانيهما : أن في ذلك تجزئة للعالم الإسلامي.
ثم أبدى عدم اعترافه بأي من الدول العربية أو الإسلامية متسائلا ماذا تعني لكم دولة كاليمن ؟ أو السعودية ؟ أو مصر ؟ أو العراق ؟ أو إيران ؟
وأجاب : بأنها لا تعني شيئا.
وينطلق صاحبنا من منطلق دعوته لإعادة بناء دولة الخلافة الاسلامية الراشدة كما كانت في عهد المصطفي صلوات الله عليه وعهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم.
فإذا كان صاحبنا وحدويا حقا فإننا سنشاركه الدعاء لبناء الدولة العربية الواحدة الموحدة ونعتبر ذلك أمنية لكل عربي، ونصلي لله أن تكبر الوحدة لتشمل الدول الإسلامية، لنكون دولة قوية عزيزة تستطيع الوقوف في وجه التحالفات العسكرية والاقتصادية الكبرى التي تتنافس على السيطرة على بلادنا العربية والإسلامية. اما ان يحرم صاحبنا قيام الدولة الفلسطينية فهذا يعني أنها ستبقى تحت الاحتلال هي وشعبها، وإذا ما انتظرنا حتى تكون جزءا من دولة الخلافة فهذا يعني اننا سننتظر الاف السنين ان لم ننتظر حتى قيام الساعة، وأما ان يعتبر صاحبنا الدول العربية- ويسمي دولا منها لها ثقلها الاقتصادي والسياسي- quot; بأنها لا شيء quot;، فهذا هو الظلم بعينه إن لم نقل الجهل.
إن خطيبا كهذا عندما يخطب في ايام الجمعة والاعياد ويتطرق إلى الموضوع السياسي فإنه يشكل طابورا خامسا، محبطا للعزائم وللهمم، وإذا ما تحدث في أمور الدين فإنه لا يتحدث إلا عن جهنم التي اقل موضع فيها سقر إذا وضعت فيه جمرة تحت كعب إنسان غلى منها الدماغ، والمستمع إلى هكذا خطب يعتقد ان الله لم يخلق النار إلا لتعذيب المسلمين، وان وصولهم إلى الجنة يكاد يكون من المستحيلات مع ان هناك أحاديث تؤكد أن من ينطق بالشهادتين بقلب مؤمن يدخل الجنة، وأن وجودهم في الدنيا لا معنى له مع انه صلى الله عليه وسلم يقول : quot; اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كانك تموت غدا quot; وهذه قمة التوافق بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة.
أما الحديث عن الامور الحياتية المعاصرة فإن تلك الامور بعيدة عن متناول الكثيرين من خطبائنا لجهل فيهم في امور الدنيا وأمور الدين مع ان بعضهم يلبس البّة ويضع العمامة،ويطلق ذقنه وقص شاربه،ويعتبر نفسه مالكل لمفاتيح العلم ان لم يكن وحيد زمانه وفريد عصره.
ان اخطر ما يهدد العرب والمسلمين هم اصحاب الفكر التكفيري الذين لا يرون احدا غيرهم يفهم الدين او يعرف الحقيقة الالهية.
اما انا فانني شعرت بأن الله سبحانه وتعالى قد عاقبني مرتين،مرة لأنني اضعت الصلاة في المسجد الاقصى هذه الصلاة التي ثوابها كثواب خمسمائة صلاة كما اخبر الرسول الاعظم صلوات الله عليه،ومرة اخرى لانني استمعت الى الخطبة التي ذكرت لكم بعضا مما جاء فيها،واسأل الله المغفرة لنا جميعا والهداية لخطبائنا.
جميل السلحوت
التعليقات