تلعب القيادة دوراً بارزاً في حشد الجماهير وتنظيمها وشحذ الهمم كما يمكنها أيضاً الإستفادة من طاقاتها، وتستطيع أيضاً تفعيل دور العمل التطوعي لديهم، وبالتالي تحقيق أهداف القيادة وجماهيرها وهي أولى الخطوات العملية للتغيير، فإذا كان هناك قائد يتسم بشخصية مؤثرة وكاريزما بمهارات قيادية عالية تملك روح المبادرة والتأثير من خلال مجموعة من الأفراد تؤمن بمبدأ العمل الجماعي الجماهيري من خلال برنامج عمل يأخذ بعين الإعتبار الظروف المختلفة سواء كانت سياسية أو إجتماعية أو إقتصادية والبيئة التي ينطلق منها وكذلك مناخ المجتمع الدولي بشكل عام وقابل للتعديل والتطوير طبقاً لكل مرحلة من المراحل.

جاءت مقدمة المقال لتبين عجز القيادة الفلسطينية في هذا الزمان عن الإلتزام بمسئولياتها تجاه أبناء شعبها الفلسطيني في الداخل وفي أماكن اللجوء والشتات، وإذا أردنا توصيف الحالة هذه بشكل عام فإننا نحتاج الى مزيد من الشرح والإيضاح ولن يتسع المجال في مقال لتوضيح ذلك ولكن لو أخذنا دور الجالية الفلسطينية في المملكة العربية السعودية خلال مرحلة مابعد حرب عام 1967م الى وقتنا الحاضر وبشكل موجز وسريع.

ويعتبر هذا المقال أيضاً بمثابة دعوة للكتاب الفلسطينيين في كل الدول أن تبدأ بدراسة وضع الجاليات في بلدانها من خلال الدراسة التاريخية والتطورات التي حدثت خلال مرحلة تاريخية لنضع أيدينا على الأسباب التي أدت الى تدهور الأوضاع بشكل عام حتى نتعظ من دروس الماضي لبناء إستراتيجية مستقبلية لهذا الشعب الذي مازال يعاني من التشرد والتشرذم والضياع والنسيان وفقدان الأمل والتيه ويتعرض لخطر ذوبان الهوية وكثير من الصعاب لايحضرنا حصرها الآن.

عندما كانت هناك قيادات فلسطينية وعربية واعية في مطلع الستينات إستطاعت أن تشهد تلك الحقبة من الزمن إنطلاق الثورة الفلسطينية وفي المملكة العربية السعودية أعلن الملك فيصل يرحمه الله البدء في تشكيل اللجان الشعبية وتنظيمها وتحديد أهدافها بعد هزيمة يونيو حزيران عام 1967م برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض.

وتبنت تلك اللجان مشروعات وأنشطة منها مشروع ريال فلسطين، ومشروع سجل الشرف، ومشروع اللإلتزام بنسبة 5%، ومشروع التبرع بنسبة 1%، ومشروع الفتاوى الشرعية، ومشروع حملات التبرعات،وسارت القافلة بنجاح بفضل الله ثم بفضل القيادات الوطنية الواعية والمخلصة لقضايا الأمة.

وبعد أن حققت تلك المشروعات الكثير من النجاحات بدأ الإنحراف عن الخط السليم مع بداية معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل وبدأت القيادات تتخبط وتتناحر فيما بينها ولاسيما بعد إتفاقية أوسلو التي دمرت مابقي من جسور الدعم والتأييد.

وعود على ذي بدء نود أن ندلي بدلونا فيما يتعلق بالأسباب التي أدت الى تدهور الوضع الفلسطيني بشكل عام والعلاقة مع السعودية بشكل خاص ومنها : عدم وجود قيادات فلسطينية تعمل على حشد الجماهير وتفعيل دورها والإستفادة من الدعم السعودي الكبير حكومة وشعباً لأبناء فلسطين، وأيضاً نقص المعلومات الديموغرافية والدراسات اللازمة عن الوجود الفلسطيني في السعودية، كما لاننسى عدم وجود تجمعات فلسطينية تحافظ على اللحمة الفلسطينية وعاداتها وتقاليدها وثقافتها وغيرها.

ومن المهم أن لاننسى غياب دور المظلة التي يتمتع من خلالها الفلسطيني بالقيام بالأنشطة المدنية التي تحافظ على الهوية الفلسطينية من خلال السفارة والجالية ومؤسسات المجتمع المدني، كما يجب أن لانغفل دور القيادة السياسية لمنظمة التحرير إزاء الغزو العراقي لدولة الكويت الشقيقة والأثر السلبي الذي أحدثه هذا التأييد ونشكر الرئيس محمود عباس على الإعتذار الذي قدمه لشعب وحكومة الكويت عن مواقف قيادات سابقة.

لقد كان الفلسطينيون يتمتعون ببعض الإستثناءات كالقبول في المدارس والجامعات ولكن هذه الإستثناءات بحاجة الى تجديد ومواصلة الإجتماعات مع القيادات في المملكة العربية السعودية لتبقى قائمة وكذلك كان هناك إستثناءات فيما يتعلق بعقود العمل للفلسطينيين ولكن بعض القيادات الفلسطينية بعدت عن الإهتمام بها، الأمر الذي أدى الى غياب تلك الإستثناءات وأصبح الفلسطيني حسب التشريعات والأنظمة أجنبي أسوة بغيره.

ومن الأهمية بمكان أن نركز على غياب دور رجال الأعمال الفلسطينيين في التعاطف مع أبناء جلدتهم من أبناء الجالية وأبناء المجاهدين وأسرهم وهذا الدور يتمثل في الدعم المالي في كل الأنشطة وغياب هذا الدور في المساعدة على توظيف وتشغيل أبناء الجالية، وغياب الدور الأهم لهذه الفئة في خلق أنشطة إقتصادية تدعم القضية الفلسطينية وتنشيط الإستثمارات المختلفة.

وبعد أن تعرفنا على بعض الأسباب، ينبغي أن نبحث عن قيادة حكيمة لتفعيل دور عوامل النهوض والنجاح من خلال الدراسات الفلسطينية التي ينبغي أن تدرس أخطاء الماضي والعمل على تلافيها، وتفعيل دور المظلة الفلسطينية سواء كانت سفارة أو جالية أو مؤسسات مجتمع مدني وهذه المظلة يمكنها الإستفادة من قدرات أبناء الجالية المهنية والشخصية من خلال الوضوح والإنفتاح في العمل على مبدأ ثقافة التقييم والشفافية بما يخدم الشعور بالوطنية والإنتماء للجالية ولابد للقيادات الحكيمة التي تقود هذا الشعب أن تعمل على الإبتعاد عن القضايا الخلافية والتركيز على المباديء المشتركة والمتفق عليها.

وللأسف الشديد نكتب هذه الكلمات في الوقت الذي يبدوا أن الخلافات على أشدها بين الفئات الفلسطينية المتصارعة في الداخل حتى بدأت بعض الشخصيات العربية المختلفة بالمبادرات تلو المبادرات لتقريب وجهات النظر لتشكيل حكومة وحدة وطنية وكأن الصراع على السلطة التي أصبحت برأسين وجسدين حتى أنني ذكرت في إحدى المقالات عن دولتين فلسطينيتين أحدهما في الضفة بقيادة رئيس السلطة الوطنية والأخرى في غزة بقيادة حماس أو العودة الى ماقبل الإحتلال الإسرائيلي في عام 1967م أي تبعية قطاع غزة الى الحكم الإداري المصري أما الضفة الغربية فتتبع النظام الأردني وبالتالي يتلاشى أي أمل في قيام دولة فلسطينية حسب رؤية الرئيس بوش.

أو العودة الى مابعد الإحتلال وتقوم إسرائيل بإحتلال الضفة والقطاع وبالتالي نكون قد عدنا من حيث بدأنا حتى يهيء الله لهذا الشعب قيادة واحدة برأس واحدة تعمل على توحيد المفاهيم لدى أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل وفي المهاجر والشتات ويكون هناك تنسيق ميداني على كافة الأصعدة وتعيد الثقة لأبناء الشعب الفلسطيني الذي أصبح البعض منهم يميل الى إخفاء هويته ولهجته ويرغب في الإندماج والذوبان في أي مجتمع، ولهذا نحن نتساءل متى يعود الزمان ؟، الذي نجد فيه رجال عظام لقيادة هذا الشعب والوصول به الى بر الأمان وتحقيق طموحاته في دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.


مصطفى الغريب