إن صراع الحضارات قد يتحول إلى صراع أديان مالم تحل قضية الرسوم المسيئة للرسول الكريم التي بدأت شرارتها الملتهبة من الدانمارك وتضامن الدول الغربية معها والسؤال الآن هو كيف للدول العربية والإسلامية أن تخرج من هذه الأزمة متوحدة ؟.

وإستكمالاً للحلقات السابقة نود في البداية أن نستعرض أهم النقاط التي وردت في quot;الحلقة التاسعةquot; لنستكمل بعدها آخر التطورات والأفكار التي نشرت ويمكن تلخيص أهم النقاط فيما يلي : هناك تضارب و/أو تقاطع بعض المصالح بين عموم المسلمين وبين أقوال لا أفعال تنظيم القاعدة، إن تنظيم القاعدة لم يكن يعي حجم المخاطر والمفاسد ولم يطبق القاعدة الشرعية المعروفة وهي quot; أن درء المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح quot;.

هذا التنظيم وبعض أعضاءه يتخبطون في إدارتهم للأزمات، العالم الإسلامي بحاجة الى من يأخذ بيديه الى بر الأمان لا أن يزج به في أحقاد وعداوات، المطالبة بتقديم واضعي الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول وتقديمهم للعدالة، وإذا كان الغرب حريص على عملية الإندماج الصعبة فأمة الإسلام حري بها أن تلتزم بها من باب أولى، سكان الدول العربية والإسلامية يجري التفريق بينهم على أساس العرق واللون واللغة والهوية وتمارس بحقهم أبشع الطرق الجاهلية والتي نهى عنها الإسلام منذ قرون.

ينبغي أن تعالج قضية الرسوم بشيء من العقلانية، الحرمان من الحرية يولد المعاناة ويفضي الى حب الإنتقام وهو المقدمة الأولى للإرهاب، إنتقادات الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون للرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام وتساءل quot; ما اذا كان العالم يتجه نحو استبدال معاداة السامية بمعاداة الاسلام ؟quot;، يجب الدفاع عن الحرية بالطرق السلمية وإتباع سياسة الحوار بإعطاء فرصة التعبير لمن لا نتفق معه، إذ لا حوار ممكن بدون حرية ولاحرية بدون حوار.

وفي هذه الحلقة سوف نستعرض أهم ما تداولته وسائل الإعلام وآخر تطورات القضية ونحن مازلنا في بداية الطريق ولهذا نحن بحاجة الى مزيد من التواصل مع الدانماركيين لشرح الإسلام وشرح سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لان هذا الموضوع هو شعله الامل التي سوف تضيء لنا ولهم الطريق والخروج من هذا النفق المظلم.

إن المواقف يجب أن تأخذ بعقلانية لا بعشوائية وبعموميات الموقف لا بخصوصيته فإذا أراد شخص أو جماعة التحريض وإثارة الفتنة فينبغي علينا أن نتفهم الموقف ونحدد من هو المسيء لا أن تأخذ أمة بجريرة شخص واحد قال تعالى ( من إهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولاتزر وازرة وزر أخرى وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا ) الإسراء الآية 15.

وقال تعالى ( قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء ولاتكسب كل نفس إلا عليها ولاتزر وازرة وزر أخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) الأنعام الآية 164.

ومما سبق يتضح لنا أن لا يأخذ المسالم بجريرة المسيء فهل يجوز أن نعاقب شعب لإن أحد أبناءه أساء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أم ندعوا للمطالبة بتقديم هذا المسيء للعدالة ونوضح ما إستطعنا سماحة هذا النبي الكريم وهذا الدين القويم وإذا كان صحيحاً مايقال عن هذه الصحيفة بأنها تزين صدر صفحاتها بشعار نجمة داوود وإن كان هذا إشارة واضحة الى انها يهودية صهيونية حاقدة على الاسلام، رغم تحفظي على هذا الشعار فقد حمل الملك داوود درعاً رسمت علية نجمة داوود.

لذا لابد لنا من التأني في رد الفعل وأن يكون رد الفعل مساوي للفعل في المقدار ومضاد له بالإتجاه فالجزاء من جنس العمل فإذا كان المقصود من هذا العمل هو محاربة الله ورسوله فحكم الله واضح قال تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) المائدة الآية 33.

لذا لابد من العودة الى القضاء ورفع الدعوى حتى تأخذ العدالة مجراها وهناك لجنة للدفاع عن النبي عليه الصلاة والسلام وهنا يتضح لنا أن التعامل مع القنوات الرسمية أكثر جدوى من القيام بمظاهرات غوغائية تثير الفتن وتعمق الشرخ وتزيد العداوة ولهذا قد لانستغرب قيام مظاهرة حاقدة ضد الإسلام في الدانمارك بعدما قدمت الشرطة الدانماركية تصريحاً بالتظاهر ضد الإسلام في مدينة أورهوس لجمعية عنصرية تدعى quot; أوقفوا أسلمة الدانمارك quot; وقد جرت هذه المظاهرة الإستفزازية يوم السبت الموافق 01-06-2006م.

وكدليل على الاستفزاز المتعمد، اختارت هذه الجمعية العنصرية منطقة laquo;غيليروبraquo; فيlaquo;برابراندraquo; حيث تعيش هناك أغلبية مطلقة من الجاليات العربية والتركية والصومالية والإيرانية، وذكر ناطق باسم هذه الجمعية بأن هدفهم من التظاهرات والاحتجاجات يتمثل في quot; طرد الإسلام من الدانمارك quot;، وأضاف quot; نحن ضد وجود ثقافة غير متسامحة مع الثقافات الأخرى quot;. ومن الجدير بالذكر، أن مدينة أورهوس الدانماركية، حيث تقع المكاتب الرئيسية لصحيفة quot;يولاند بوستنquot;، كانت الشرارة التي انطلقت منها قضية الرسوم المسيئة للرسول الأكرم، محمد، عليه الصلاة والسلام.

وهنا نتساءل لماذا يحقد هؤلاء على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟، أغلب الظن أنهم مدفوعون لذلك الحقد تحت وطأة المعلومات المغلوطة التي يتلقونها من أعداء الحقيقة إضافة إلى الطمع المادي الذي دفعهم لعمل ذلك دون مبرر وإلا فلقد سبق وأن اعترف سيدهم قديما وهو هرقل ملك الروم بعد أن عرف حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم وهو يناقش أبا سفيان قبل أن يسلم قال: (إن يكن ما تقول حقا إنه لنبي، وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أكن أظنه منكم، ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي).

إن المعلومات الخاطئة هي التي تضل بعضهم وتغرس في نفوس ذلك البعض حقدا على سيد البشر فيصورونه إرهابياً وغيرها من الصور التي لا تليق به ولعل الإنطباع الذي خلفه بعض المسلمين في الغرب هي التي ساعدت على إنتشار فكر كهذا، ونحن عندما نرد عليهم من خلال أقوال مفكريهم وعلمائهم لأنهم أدعى للتصديق من بني جلدتهم فنعرض شيئاً من أقوال المنصفين منهم فإن كان منهم أعداء فالفضل ما شهدت به الأعداء، وبهذا نكون قد دافعنا عن نبينا بالمجادلة الحسنة.

وعود على ذي بدء لابد من مراجعة التاريخ لنستقي العبر فقد حدث موقف حازم من السلطان عبدالحميد الثاني حاكم الدولة العثمانية عندما علم برغبة فرنسا وبريطانيا الاساءة لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك في اوج ضعف الدولة العثمانية إلا أن العثمانيون كانوا متعلقين بدينهم حتى في أضعف أدوارهم، وخلاصة القصة أن هناك مسرحية للكاتب الفرنسي quot;فولتيرquot; يهاجم فيها رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، وكانت فرنسا تريد عرضها في أحد المسارح في ذلك العهد وقد كان يطلق على حاكم الدولة العثمانية في ذلك الحين بإسم quot;الرجل المريضquot;.

ولكن هذا quot;الأسد المريضquot; عندما علم بوجود نية الهجوم على النبي الكريم زأر ضد فرنسا، حيث أرسل، برقية إنذار لفرنسا قائلاً فيها: quot;لو قمتم بتمثيل هذه المسرحية التي تستهدف رسولي صلى الله عليه و سلم ورسول جميع المسلمين فإنني سأثير جميع العرب وجميع المسلمين ضدكمquot;، وإمتنعت فرنسا عن عرض المسرحية.

كم كنا نتمنى أن يملك العالم الإسلامي مثل هذا الوعي وهذا الشعور، وقد أثارت هذه البرقية موجة ذعر في فرنسا بحيث أنها لم تستطع تمثيل هذه المسرحية على مسارحها. وهنا أرادت إنجلترا تمثيل هذه المسرحية في بلدها فأرسل الأسد الجريح برقية إنذار لها فأحجمت إنجلترا أيضا عن تنفيذ نيتها وتراجعت عنها، هكذا كان أسلافنا الأشاوس.

وأنني على يقين بأن هناك من يحدث نفسه بالقول لقد ادخلت الدانمارك نفسها في متاهات لا قبل لها فيها ولن تستطيع منع من يريد أن ينتقم لنبي الرحمة محمد بن عبدالله علية الصلاة والسلام.

وقبل أن أودعكم أتساءل هل هناك علاقة ذات دلالة علمية أو دينية ستؤدي إلى غزوة كوبنهاجن ؟ وهل ستكون من الداخل أم من الخارج ؟.

مصطفى الغريب

شيكاغو