مئات من الفتاوى الدينية تصدر كل يوم، تعاقر حياتنا فى كل صغيرة وكبيرة، يتخذها بعضنا نبراس وطريق وأداة فهم، بعض الفتاوى يعد بالجحيم عند كل هفوة وبعضها الأخر يمنح صكوك الغفران مع كل طامة، هى مئات من الفتاوى المتعارضة على نفس الموقف، (فوائد البنوك وعمل المرأة أمثلة)، والناس فى بلادنا طيبون من شغل فاكهون متآمرون، تقسو عليهم الحياة فيطلبونها بلؤم ومداهنة وخبث، ويحملون على ألسنتهم ما لا يفعلون0


أمر الفتاوى نراه بسيطا، إذا كان القرآن هو الأساس الأول فى التشريع الإسلامى ويأتى صحيح السنة فى المرتبة الثانية، وإذا كان عامة المسلمين يعانون من ضعف التعليم وانحسار الثقافة، يصبح الكثير من الآيات والأحاديث محل صعوبة فى الفهم والتناول أمام عقل المسلم البسيط، ويتحول كثير من أصحاب الفتوى لدى عامة المسلمين إلى صنف من بشر يحملون قداسة لا تقبل غير الانصياع، هكذا إذا ظل المسلمون بعيدين عن استخدام العلم فى مواجهة ما يستجد من أمور حياتهم فان العقل الإسلامى سيبقى عاريا إلا من أساطير فى مواجهة فتاوى فقهاء السلطان، عقل عار لا يستطيع الفصل بين الغث والثمين، عقل أسطورى لا ينجح فى تجاوز فقهاء السلطان وقدسية فتاواهم، هكذا نبقى شعوبا تعانى من ذلك التخلف العلمى والثقافى المريع نحياه فى اوطاننا0


العقلاء يدركون أن الفقيه المعروف فى أى عصر وكان عندهم هو الأولى بإتباع فتاواه، هذا الفقيه هو إنسان له قدرات محدودة، يحتاج أولا إلى قدرة عقلية يحصل بها على علم معروف ويحتاج ثانيا إلى سلطه إعلاميه تنشر ما توصل إليه من ذلك العلم، فالناس لا يعرفون العلم إلا من خلال سلطة عقلية تصنعه تتآزر مع سلطة إعلامية تنشره، هكذا ببساطة يصنع العقل الفتوى فى مطلقها وتضغط السلطة إعلاميا على فتاوى بعينها تخدم تلك السلطة، هذا الفعل الجدلى بين علم العالم وبين دعوى السلطة يجعل الأمر صعبا على فهم البسطاء والسذج ويترك لديهم انطباعا نفسيا أن هناك فروقا مقدسة بين فتوى فقيه ترعاه السلطة وبين رأى عالم لا يرعاه غير المنطق0


فى بلادنا بسطاء كثيرون يرون (من جهل أو من مصلحة) أن فقهاء الوهابية فى الحرم المكى أكثر قدسية من فقهاء السنة فى الأزهر أو أن أهل الأزهر أكثر اقترابا من ولاية الحق عن فقهاء الشيعة فى النجف الأشرف، هؤلاء البسطاء يحارون فى فهم الأسلوب الأجدى إنسانيا لتسيير أمور حياتهم، وغالبا ما يتبعون الفقيه الأخر ذلك الذى يناقض فقيه سلطتهم، (كثير من المسلمين خارج مصر يرون قداسة رأى رجال الأزهر فى مصر، وعلى النقيض كثير من المصريين يرون قداسة رأى الفقهاء فى السعودية، تحديد أول يوم فى رمضان مثالا)، هؤلاء البسطاء لا يعلمون أن فقهاء الحرم أو الأزهر أو النجف أو قناة التلفزيون أو مجلات الحائط هم علماء دين حبيس لا ينشر دون الاستعانة بسلطة فاعل، سواء كان هذا الفاعل ملكا خادما للحرمين أو رئيسا فى الأزهر أو إماما معصوما فى قم أو مختبئا فى النجف أو وزيرا فى التلفزيون أو مجندا فى مباحث امن الدولة أو مولاى فى المغرب، كل واحد من هذه السلاطين يعطى بركاته وسلطاته لمن يراه فقيها يؤيد بفتاواه صلاحية ذلك السلطان، هكذا تنتشر فى بلادنا تجارة رائجة بكل دين، ونقف مكتوفى الأيدى دون الأخذ بأسباب العلم لنخرج من تخلفنا، لا نعرف أن ما يبقى صالحا فى الأرض هو الفكر الموضوعى الذى يقبل فكرة الجدل وينسب قدسية الفكرة إلى مدى صلاحيتها لتحقيق تطور الإنسان0


أنا شخصيا أعيش عصر العلم وصناعة المعلومات، أفرق بين نصى دينى أومن بثوابته وبين فتاوى حياتية اقضى بها على مشاكلى اليومية، لا تعنينى من أين تصدر الفتاوى الدينية فيما يستجد من معارف ومعارك حياتية، فلا عصمة لإنسان بعد نبى، أنا أتناول ما يستغلق على عقلى من فتاوى وأردها إلى قلبى استفتيه المعرفة، فان أصاب الرضى قلبى فعلت بالفتوى وان أشاح الرضى عن قلبى رفضتها، ولا يعنينى فى طلب الرضا أن يكون قلبى فظا أو غليظا، يعنينى فقط أن أملك قلبا محبا، سائلا الله فى كل حال أن يرزقنى عبادة كعبادة العوام، عوام يحتكون بالحياة ولا يصادرون على أنفسهم حرية الفكر أو عشق الجدل، فليس فى عصر المعلومات من هو اعلم أهل هذا العصر، فى عصرنا كل فكر وكل شيء ينسب إلى صلاحيته فى تحقيق حرية الإنسان0


هكذا الفتاوى الدينية يصنعها فقهاء تحت إمرة حاكم، بينما نظريات العلم يصنعها باحثون أحرار يسمو فكرهم فوق سطوة الحاكم، وفى عصور التخلف نادرا ما يصبح الفقيه عالما حرا يتخلص من سطوة السلطان، هكذا يكون النداء واجبا بالدعوة إلى حرية التفكير فى بلادنا كمدخل ضرورى كى تصبح الفتاوى العلمية أدوات لحل مشاكلنا0


أيها العرب المعاصرون، من كان منكم بلا أمير متسلط جائر فليأتنا بفقيه عالم0

د0 ياسر العدل

[email protected]