تعقيباً على مقالنا المعنون بquot;فك الإرتباط وإهمال المقدسات quot; إتضح لنا الحاجة الى المزيد من التحليل والدراسة لهذا الموضوع بعد أن نلخص أهم ماجاء في مقالنا السابق : إن الفلسطينيين حسب قرار الإرتباط والذين نزحوا من الضفة الغربية بفعل الإحتلال عام 1967م، هم مواطنون أحتلت أراضيهم الغربية فإنتقلوا إلى الشرقية، ومن حقهم المقاومة ضد الاحتلال كواجب وطني قومي عربي منسجم مع كونهم من أبناء الضفة الغربية رغم الدعوات الرسمية الأردنية المطالبة بضرورة الفصل التام بين المواطنة الأردنية وحق النضال الفلسطيني ضد الإحتلال الإسرائيلي.

إن التخلي عن كثير من المسؤوليات الوطنية والقومية تجاه الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وباقي الأراضي العربية، وعدم تحمل قيام القوى الشعبية بها، إنما يمثل إنهزاماً والتخلي عن استحقاقاً عربياً بشكل عام، إن أي مفاوضات مقبلة مع إسرائيل ينبغي أن يؤخذ رأي وموافقة أغلب مؤسسات المجتمع المدني المعنية وإستخدام الرأي العام عند الضرورة للتأثير على المفاوضات بما يخدم المواقف الوطنية، ومن هنا يأتي أهمية إعادة الإرتباط بين الضفتين والإتفاق مع باقي الدول العربية حتى لايتحمل الأردن وحده أي نتائج سلبية قد تحدث، وبذلك يتضح أن هناك دلالات سياسية خطيرة لمطلب الحكومة الأردنية من قادة المقاومة والمقاومين بشكل عام للاختيار بين مواطنتهم وقيادتهم للمقاومة.

إن كل من يتحدث عن الإرتباط وفك الإرتباط ينبغي عليه أن يتذكر أن هدف الضم كان في حينه لتوسيع الرقعة الجغرافية التي تكون تحت سيطرة العرش الهاشمي ولهذا يجب أن يتحمل ملوك هذا العرش أي تبعات سياسية لاحقة، لا أن يأخذوا مايريدون ويتركوا ما لا يريدون !، لماذا؟، لأنها في الأصل مشروع شراكة لها في المكسب مثل ماعليها من الخسارة.

إن الوضع غير الصحيح القائم حالياً هو بمثابة قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار يوماً ما، ولهذا يتوجب على الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني عدم إثارة أي خلافات أوإشكالات مع المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني، أو مع بقية أبناء الشعب الفلسطيني المتواجد على أراضي الضفة الشرقية وجاري إقصائهم عن الحياة السياسية ومنعهم من التمتع بحقوقهم المدنية والوطنية المشروعة، كما أن القوى السياسية عليها أن لا تقف مكتوفة الأيدي على مايجري ضد المصلحة القومية الكبرى.

كما أن على الحكومة عدم الإنحياز لجانب قوة سياسية على حساب أخرى من القوى المناضلة، وأنه لا يزال بوسعها ممارسة موقفها المعتاد في الدعم السياسي العام والتعايش مع واقع التداخل في العلاقة، وعدم الاستجابة بالكلية للضغوط الخارجية التي ربما تهدد نسيج الأردن الاجتماعي، وتؤثر على علاقاته الداخلية والخارجية، وتضعه في مواجهة لا قبل له بها.

وأن يكون إعادة النظر في قرار فك الإرتباط بمثابة البحث الجاد عن مستقبل القضية العربية المركزية، أرضاً وشعباً وحقوقاً من منطلق الدين والعقيدة والجغرافيا والديموغرافيا والحقوق الوطنية في ظل إستمرار الاستيطان وعزل القدس وحصارها وبناء الجدار العنصري العازل.

ومن يقرأ تاريخ القضية الفلسطينية يتضح له بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك أزمة فكر ورؤية عند أصحاب القرار في العالم العربي ومن ضمنها الأردن أو في السلطة ذات الرأسين أو في إسرائيل ذات الحزبين الرئيسيين أو التنظيمات التي بدأت تستجمع قواها في لبنان وأفغانستان وترى ضرورة مقاومة الضغوط القادمة من واشنطن على أصحاب القرار نظراً للإنحياز الأمريكي الواضح لإسرائيل.

إن قرار فك الإرتباط الأردني قد أضر بالقدس والمقدسات الإسلامية فيها بشكل كبير رغم ماقامت به المؤسسات الأردنية العامة والخاصة تجاه القدس، ولهذا نجد أن التبعات والخسائر كبيرة، وهذا يؤكد قصور الوعي العربي وعلى أعلى المستويات حين أتخذ قرار فك الإرتباط وبمباركة القمم العربية لصالح منظمة التحرير على أمل الخروج من مفاوضات أوسلوا بإتفاق يقضي بقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف فقررت الأردن إستجابة للضغوط وعلى مضض التخلي عن المهام التي كانت تقوم بها ونقلت إستحقاقاتها الى منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تقم بالدور المطلوب منها كدولة لحماية الشعب والمقدسات بل كانت ومازالت منظمة تعمل على المقاومة الشعبية.

وفي هذا المقال سنتابع البحث لتبعات القرار ومنها أن المستوطنات حول القدس ستفلت من قبضة الحل النهائي للمدينة المقدسة وأن الاحداث الأخيرة المتمثلة بشراء فندق إمبريال والبتراء والحوانيت على نفس الخط، الأمر الذي ساعد على تشجيع عملية النزوح وحرمان الفلسطينيين من أراضيهم ومياههم وحرية التنقل وغيرها.

إن الأردن عندما تخلى عن الضفة الغربية لصالح منظمة التحرير وعندما قام بتوقيع معاهدة وادي عربة منفرداً، أدى ذلك الى عدم قدرة القيادة الفلسطينية على تنفيذ الاتفاقات المبرمة مع الجانب الاسرائيلي وخصوصا قضايا الحل الدائم مثل اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود والمياه وعدم القدرة على التوفيق بين متطلبات نهوض السلطة بمهمة بناء مؤسساتها المدنية والاقتصادية والأمنية في الضفة والقطاع مع متطلبات الحفاظ على وحدة مؤسسات منظمة التحرير كإطار وطني قيادي لكل الشعب وكافة القوى المتعارضة في مواقفها.

ومن التبعات أيضاً الآثار السلبية على العلاقات الاردنية الفلسطينية لعدم تنسيق المواقف بخصوص المفاوضات وتوقيع المعاهدات مع إسرائيل رغم العلاقة الجدلية المنسجمة تارة والمختلفة تارة اخرى والتي تعود الى عدة سنوات ولايمكن تجاهلها خصوصاً بعد أن رفضت منظمة التحرير مشروع المملكة المتحدة الذي طرحه الملك حسين عام 1972م.

كما ينبغي الإشارة الى ما يجري على الساحة الدولية من عدم إعتراف أمريكا واسرائيل بمنظمة التحرير ورفضها المؤتمر الدولي ومن ثم الخلاف بين الاردن والمنظمة حول قبول قرار 242 كمبدأ لتسوية القضية الفلسطينية الأمر الذي أدى الى الغاء اتفاقية عام 1986م، وبداية الانتفاضة عام 1987م، ومن ثم فك الارتباط بين فلسطين والاردن عام 1988م.

ومن يقرأ عن الكونفدرالية يدرك أنها مرتبطة إرتباطا عضويا بالصعوبات التي تواجه العملية السياسية وان هذا المشروع يتوقف على عدد من الأطروحات والحلول، الأول حكم ذاتي فلسطيني للسكان وليس للأرض وهذا هو طرح الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والمتمثل بالفصل أحادي الجانب وثانيا بناء دولة فلسطينية مستقلة في غزة والضفة عاصمتها القدس وقيام كونفدرالية فلسطينية - اردنية وفقا للخيار الطوعي والحر للشعبين وبما أن هذا الخيار مرفوض أمريكياً وإسرائيلياً إلا من خلال الشروط التعجيزية التي تبدأ بمكافحة الارهاب والاصلاحات الداخلية.

ولاشك أن أي تسوية مستقبلية مع الطرف الاسرائيلي يجب ان تضمن ايجاد تواصل اقليمي جغرافي بين كافة ارجاء الوطن ودول الجوار سواء كانت مصر أو الأردن أو سوريا ولبنان وان أي مشروع مستقبلي مع الاردن والعمق العربي يجب ان يستند الى تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وجنوب لبنان بما فيها مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وأن يكون هذا إتفاق عام مبني على الإستقلالية وليس على التبعية والاستسلام.

ومن الإنصاف القول أن وضع الأردن بالغ التعقيد فمن ناحية هو ملتزم بمعاهدة وادي عربة ومن ناحية أخرى كيف له أن يلتزم بمساعدة الفلسطينيين في نضالهم من أجل الإستقلال؟، ورغم محاولات الأردن منذ فك الارتباط لدعم الموقف الفلسطيني ولكن دون الإنغماس في المشكلة الفلسطينية وخصوصاً بعد إتفاقية أوسلوا رغم إعتراضات بعض الأطراف العربية على ذلك.

ورغم تلك الإعتراضات فإن الأردن يحاول أن يحافظ على واقعه وحاضره ومستقبله ومصالحه رغم أن الاردن وفلسطين يرتبطان بعلاقات مصيرية رغم عدم التواصل والتفاعل الجيد بما لدى الأردن من مخاوف أمنية واقتصادية وديموغرافية بشكل يؤثر على العلاقة الفلسطينية الاردنية أو الأردنية الإسرائيلية فمن الصعب على الأردن أن يحتفظ بعلاقتين متناقضتين بتوازن.

إننا ونحن نصف الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة العربية إنما نصف أحداثاً عشناها ومؤامرات سبرنا غورها وعرفناها، وذقنا مرارتها واصطلينا بنارها ولكي يتمكن الجيل الجديد من الإطلاع عليها والذي لم يعشها ولم يعرف أسبابها ومراميها ولم يطلع على حقائقها وإنما مايعرفه عنها هو من خلال وسائل الإعلام التي وصفتها في حينها وجعلت من صانعيها أبطالاً يستحقون التصفيق والمناداة كما كان يقال بالروح بالدم نفديك يا... !!! وتجلى ذلك في أحد الملاسنات الكلامية بين بعض الزعماء العرب في أحد مؤتمرات القمة حين قال أحدهم للآخر إنت مين جابك للحكم.

وهذا يؤكد أيضاً المخططات الدولية التي تحاك ضد الأمتين العربية والإسلامية وللأسف أن تنفيذ تلك المخططات يتم بأيدي أبناءها سواء كانت عملاً سياسياً أو عسكريا، ولهذا لن نجد ديموقراطية حقيقية في البلاد العربية تدعمها قوى غربية لأن ذلك يتناقض مع مصالح الدول الغربية والعلة هي ليس في قادة الدول وإنما في النظام القائم ولهذا نحن بحاجة الى التغيير في الأنظمة والقوانين وليس في القادة أو الزعماء فأي زعيم لايعرف بكل ما يحدث في الدولة ولهذا عندما ندعوا لهم في المساجد تكون الدعوة بأن يقيض الله لهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الحق وتدلهم عليه.

ومما زاد الأمور تعقيداً بخصوص الإرتباط وفك الإرتباط هو هزيمة العرب في يونيو حزيران عام 1967م، ونجم عن تلك الهزيمةتدفق مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى الأردن وهم سكان المخيمات، ورغم محاولات الملك حسين لتقديم مشروعه للسلام مع إسرائيل والذي عرف فيما بعد بمشروع النقاط الستة، وهو الذي تم إقتراحه في 10/4/1969م، أمام نادي الصحافة الوطني في واشنطن، وذكر في ذلك اللقاء بأنه لا يطرحها باسمه فحسب وإنما أيضا باسم الرئيس المصري جمال عبد الناصر وبتفويض منه.

وتستند الخطة إلى قرار مجلس الأمن 242 الصادر في 22/11/1967م، وتهدف إلى إقامة سلام عادل ودائم على أساس انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حزيران 1967م، وتنفيذ جميع بنود قرار مجلس الأمن الأخرى.

وبعد إعلان الملك حسين مشروعه بيومين رفضته رئيسة الوزراء الإسرائيليةآنذاك غولدا مائير، وأصدرت معظم المنظمات الفدائية الفلسطينية بيانا مشتركا في 15/4/1969م، أعلنت فيه رفضها لمشروع السلام بعد أن رفضت إسرائيل قرار 242.

وبعد ذلك وقعت اشتباكات عنيفة بينالجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية التي كانت تتخذ لها من الأردن قواعد عسكرية ومكاتب إداريةوسياسية وإعلامية عرفت باسم أحداث أيلول الأسود عام 1970م، وأدت إلى خروج المقاومة الفلسطينية المسلحة من الأردن إلى لبنان.

كما أعلن الملك حسين في 15/3/1972م، عن مشروعبإقامة المملكة العربية المتحدة، وذكر في ذلك المشروع أنه يعتزم تغيير اسم المملكة الأردنية الهاشمية إلى المملكة العربية المتحدة على أن تتكون من قطرين: الأول فلسطين ويضم الضفة الغربية وأي أراض فلسطينية أخرى يتم تحريرها ويرغب أهلها في الانضمام إلى المملكة المقترحة، والثاني هو الأردن ويتكون من الضفة الشرقية.

وتكون عمان عاصمة مركزية للمملكة والقدس عاصمة لفلسطين. ورئيس الدولة هو الملك، ويتولى السلطة القضائية محكمة عليا مركزية وقوات مسلحة واحدة قائدها الأعلى هو الملك، ويتولى السلطة التنفيذية في كل قطر حاكم عام من أبناء القطر نفسه، وينتخب أهالي كل قطر مجلسا تشريعيا.

وقد رفضت منظمة التحرير الفلسطينية هذا المشروع واعتبرته مؤامرة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، ومحاولة لسلب المنظمة أهليتها باعتبارها ممثلا للشعب الفلسطيني. وقد تميزت علاقة الملك حسين بمنظمة التحرير الفلسطينية بالتوتر، فلم يعترف بها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني كما نص قرار القمة العربية عام 1964م، وظلت هذه الحالة حتى عام 1974م.

وأخيراً، ورغم كل الخلافات فإن الشعب الواحد في الضفتين الشرقية والغربية سيبقى وفياً لقضاياه الوطنية والقومية، ووفياً لأبناءه وقلعة عصية على التواطؤ والتآمر ولن يسمح بقيام بوابة لتمرير مخططات صهيونية أو صليبية وسيأتي اليوم الذي يتحقق فيه الحلم العربي الخاص بالإتحاد الكونفدرالي الأردني الفلسطيني الى واقع ملموس رغم كل المؤامرات والدعوات وسيسقط جدار الفصل العنصري في إسرائيل وتتلاشى الحدود الوهمية بين الضفتين كما سقط جدار برلين وستتوحد الضفتين كما توحدت الألمانيتين.

مصطفى الغريب