تعقيباً على مقالنا المعنون بquot;فك الإرتباط وتقاطع المصالح quot; وجدنا تفاعلاً غير مسبوق الأمر الذي دغدغ مشاعري لأستفيض في هذا الموضوع كتابةً وإليكم ملخص ما جاء في مقالنا السابق : الربط بين تاريخ الفكرة والوقائع السياسية على الأرض، فهناك أزمة حقيقية بين رأسي السلطة في فلسطين المحتلة، وهناك خروج إسرائيلي خاسر من حرب لبنان مع حزب الله، وهناك رغبة دولية في تحريك عملية السلام، وكذلك ظهور بوادر تحالف سني في المنطقة لمواجهة المد الشيعي.
كما تعرض الكاتب الى ردود الصحف الأردنية على تصريحات صدرت عن بعض زعماء حركة حماس في شأن عدم اعتراف الحركة بقرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، وتم التذكير بقضية النواب الذين إعتقلوا على إثر التعزية في أبي مصعب الزرقاوي وأن الملك حسين قام بالتعزية عقب إغتيال إسحاق رابين.
ولفت الكاتب الإنتباه أيضاً الى زعماء حماس الأربعة الذين كانوا ضحايا قرار فك الإرتباط، وقضية الربط بين إعادة الإرتباط وإلغاء منظمة التحرير الفلسطينية والحجج التي نشرت بخصوص أن القرار جاء بناء على إستجابة لرغبة الشعب الفلسطيني، وجاءت ردود الكاتب قوية على كل من ينادي بإستمرار فك الإرتباط وتبعاته السيئة على الشعب في الضفتين، وتساءل الكاتب هل يحق لهؤلاء أن يجبروا على التخلي عن حقهم في النضال لاسترداد حقهم المسلوب من قبل إسرائيل إذا أرادوا الاحتفاظ بحقوقهم في المواطنة الأردنية؟.
أما التساءل الثاني فقد كان لماذا تخلت الأردن عن إعادة الضفة الغربية الى أصحابها؟ وإستعجلت في إتفاقية وادي عربة دون تحقيق أي مكاسب للفلسطينيين!، والسؤال الثالث هو هل أن إعادة دراسة قرار فك الارتباط ليكون بمثابة تطوير للقرار؟ أم ليكون قرار لفك الارتباط الشعبي والمعنوي والحقوقي والسياسي وغيرها وهو ما يعني عملياً تخلياً رسمياً عن الدعم العملي لحقوق الشعب العربي ونضاله من أجل إستعادة حقوقه المشروعة؟
أما في هذا المقال فثمة إشارة مهمة هنا وهي أن الفلسطينيين حسب قرار الإرتباط والذين نزحوا من الضفة الغربية بفعل الإحتلال عام 1967م هم نازحون وليسوا من اللاجئين وبمعنى آخر أنهم مواطنون أردنيون أحتلت أرضهم الغربية فانتقلوا إلى الشرقية، ومن واجبهم أن يقودوا حركة نضالية ضد الاحتلال الإسرائيلي من أي مكان على الضفتين كواجب وطني قومي عربي منسجم مع كونهم من أبناء فلسطين والضفة الغربية، مما يجعل الأمر أكثر استهجاناً وأكبر خطورة إذا أصرت الحكومة على استمرار مطالبتها بضرورة الفصل التام بين المواطنة الأردنية وحق النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي أو التعاطف معه أو دعمه.
إن التخلي عن كثير من المسؤوليات الوطنية والقومية تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وعدم تحمل قيام القوى الشعبية بها، إنما يمثل استحقاقاً عربياً بشكل عام وضروري للأردن بشكل خاص، كما يمثل خطورة على مستقبل دول الصمود والتصدي بشكل عام وعلى الأردن بشكل خاص ولاسيما في ظل مبادرات الحل النهائي التي لاطائل من وراءها غير إضاعة الوقت وهي تخدم قواعد الإستراتيجية التفاوضية الإسرائيلية ونتساءل لماذا لاتقوم إسرائيل بمبادرة واحدة حتى الآن؟ لأنها لاتريد أن تلزم نفسها بشيء وإنما فقط ترك الخصم يطرح ماعنده أولاً ومن ثم إغراقه بالتفاصيل كي لايمنح فرصة للتهرب أو تأجيل قضايا أساسية.
وهنا ننصح مختلف القوى السياسية المؤثرة والتي تريد أن تدخل في مفاوضات سلام مع إسرائيل أن تشرك كل المؤسسات المعنية وإستخدام الرأي العام عند الضرورة للتأثير على المفاوضات بما يخدم المواقف الوطنية ومن هنا يأتي أهمية إعادة الإرتباط بين الضفتين والإتفاق مع باقي الدول العربية حتى لايتحمل الأردن وحده النتائج السلبية وحتى لايكون ذلك على حسابه وعلى حساب أمنه الوطني في عدد من جوانبه، وبذلك يتضح أن هناك دلالات سياسية خطيرة لمطلب الحكومة الأردنية من قادة المقاومة أو من المقاومين بشكل عام للاختيار بين مواطنتهم وقيادتهم للمقاومة أو الإنضمام الى أي منظمة غير أردنية وبمعنى آخر يجب أن لاتكون هناك مقاومة من داخل الأراضي الأردنية ضد إسرائيل وهذا مانصت عليه إتفاقية وادي عربة.
وهي بذلك تشكل خرقاً خطيراً لأسس العلاقات الوطنية الداخلية بين الأردنيين من مختلف المنابت والأصول، كما تمثل تخلياً رسمياً عن مسؤولياتها القومية والوطنية والأخلاقية تجاه ما لا يقل عن نصف السكان الذين هم من جذور وأصول فلسطينية وحقوقهم التي اغتصبتها إسرائيل من الأردن ولاننسى أن هدف الضم كان في حينه لتوسيع الرقعة الجغرافية التي تكون تحت سيطرة العرش الهاشمي وهي المقدمة لإقامة المملكة العربية الكبرى منذ قيام الثورة العربية.
إن الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني حري بهما عدم إثارة خلافات وإشكالات مع المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني، أو مع بقية أبناء الشعب الفلسطيني المتواجد على الأراضي الأردنية، كما أن القوى السياسية عليها أن لا تقف مكتوفة الأيدي على مايجري ضد المصلحة القومية الكبرى كما أن على الحكومة عدم الإنحياز لجانب قوة سياسية على حساب أخرى من القوى المناضلة، وأنه لا يزال يسعها ممارسة موقفها المعتاد في الدعم السياسي العام والتعايش مع واقع التداخل في العلاقة، وعدم الاستجابة للضغوط الخارجية التي ربما تهدد نسيج الأردن الاجتماعي، وتخدش نقاء علاقاته الداخلية والخارجية، وتضعه في مواجهة نفسه باستحقاقات لا قبل له بها، بل ولا علاقة له بها.
وأن يكون إعادة النظر في قرار فك الإرتباط بمثابة البحث الجدي عن مستقبل القضية العربية المركزية، ارضا وشعبا وحقوقا من منطلق الجغرافيا والديموغرافيا والحقوق الوطنية في ظل الجدار العنصري واستمرار الاستيطان وعزل القدس وحصارها بحيث أصبح الانسان الفلسطيني يعيش داخل سجن وإن كان يعيش فوق أرضه وهنا نتساءل : كيف يمكن للفلسطيني في ظل هذا الوضع ان يحافظ على كيانه وهويته وتاريخه وعقيدته؟ وأين هو البعد العربي لهذه الجغرافيا والديموغرافيا بدءا بالاردن وسوريا ولبنان؟، أم انه مقتصر على مصالح اقتصادية وتجارية.
وليكن هذا القرار هو محاولة استقراء تاريخي للمراحل السابقة ومحاولة وضع عدد من السيناريوهات للمرحلة القادمة وكيف سيعيش الشعب العربي في الضفة الغربية في كانتونات نابلس والخليل ورام الله وأريحا بمعزل عن القدس وبمعزل عن الضفة الشرقية؟ وأين هو التواصل بين الشعب في الضفتين؟ وكيف سيعيش أبناء الضفة الشرقية في مختلف المحافظات؟ وهي عمان وإربد والجنوب والشرق ضمن مخططات توسعية خطيرة لاعادة صياغة الجغرافيا والديموغرافيا في الاردن التي من المرجح أن تتسع مساحتها الجغرافية على حساب دول عربية أخرى.
وهنا لابد من إثارة السؤال التالي : كيف يمكن للدول العربية ان تستعيد كيانها وحضورها في ظل الهجمة الصهيونية التي تبحث عن حلول لكيفية بقائها على الأرض العربية؟ ومن سيقوم بمقاومة مخطط الشرق الأوسط الجديد؟ هذا المخطط الذي ينوي صياغة جديدة للمنطقة وقد تكون إحدى سيناريوهات هذه الصياغة صياغة فدرالية لأرض واحدة تشمل الاردن وفلسطين واسرائيل في وقت اصبح فيه الكثيرون يبحثون عن تطبيع علاقاتهم مع اسرائيل ويرون انها لم تعد دولة عدو رغم ماخلفته من دمار في لبنان أثناء الحرب السادسة في يوليو تموز 2006م، ولو على حساب القضية الفلسطينية وهنا نتساءل أيضاً كيف يرى الفلسطينيون قضيتهم في الضمير العربي حتى لو ضعف هذا النظام في الدفاع عنهم وعن قضيتهم وفي الضغط على اسرائيل لوقف النزيف والعدوان عليهم؟.
وحول الأطروحات الأمريكية بخصوص الشرق الأوسط الجديد الذي يتضح منه ان هناك تغيرا جذريا في فكر الادارة الاميركية يختلف من حقبة الى حقبة ففي الاربعينيات كان هناك شرط لاقامة الدولة الفلسطينية على أساس التقسيم وقرار عودة اللاجئين أما في السبعينيات فقد كانت الادارة الاميركية تبحث عن علاقة مع الاردن واحتواء منظمة التحرير ولهذا لم يكن ضرورياً أن يوافق الأردن على قرار فك الإرتباط وفي الثمانينيات كانت الادارة الاميركية تبحث عن طريقة للتعامل مع منظمة التحرير في حال اعترفت باسرائيل وخصوصاً بعد قرار فك الإرتباط وفي التسعينيات فقد نجحت الادارة الاميركية في احتواء منظمة التحرير الفلسطينية ضمن مفاوضات أوسلو أما في الألفين فقبلت الادارة الاميركية بالاستيطان على واقعه والبحث عن صياغة سيناريو فلسطيني محدود فيما تبقى لهم من اراض فلسطينية ضمن خطة خارطة الطريق وفي الألفين وستة بعد الحرب السادسة هو الشرق الأوسط الجديد.
ولاشك أن هناك أزمة فكر ورؤية عند أصحاب القرار في العالم العربي ومن ضمنها الأردن أو في السلطة ذات الرأسين أو في إسرائيل ذات الحزبين الرئيسيين أو التنظيمات التي بدأت تستجمع قواها في لبنان وأفغانستان وترى ضرورة مقاومة الضغوط القادمة من واشنطن على أصحاب القرار رغم الإنحياز الأمريكي الواضح لإسرائيل ومن هذا الإنحياز يجب أن نستلهم العبر ونعرف مدى أهمية البحث عن العمق العربي لما له من تأثير في الوضع الفلسطيني في وقت هاجرت فيه العقول الفلسطينية بسبب الانتفاضة الى الاردن كما هاجرت العقول اللبنانية خارج لبنان.
والشيء بالشيء يذكر ففك الإرتباط ليس بين الضفتين الشرقية والغربية فقط وإنما هناك خطة إسرائيلية مقابلة تسمى فك الإرتباط بين إسرائيل وبين الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة وأن هذه الخطة من شأنها استمرار واقع الاحتلال بترتيبات اكثر سهولة للاسرائيليين وأن الإنسحاب الأحادي من قطاع غزة يهدف الى تجميد عملية السلام حتى تفرض اسرائيل سياستها على الارض وبالمقابل توسيع وترسيخ الاستيطان في المناطق الأخرى، بضم كتل استيطانية كبيرة واراض واسعة في الضفة الى اسرائيل، ومن جهة ثانية تحويل قطاع غزة الى معسكر اعتقال كبير محاصر من كافة الجهات وبشكل تحتفظ اسرائيل لنفسها بالحق في توسيع الحزام الأمني هناك حتى يرضى الفلسطينيين بالعودة الى المربع الأول وهو قبول ضم قطاع غزة الى مصر تحت الحكم الإداري كما كان الأمر قبل الإحتلال الإسرائيلي عام 1967م.
كما لاننسى أن قرار فك الإرتباط الأردني قد أضر بالقدس والمقدسات الإسلامية فيها بشكل كبير رغم ماقامت به المؤسسات الأردنية العاملة للقدس ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في عمان، ودائرة قاضي القضاة ولجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، واللجنة الملكية لشؤون القدس هذا على الصعيد الرسمي الحكومي.
أما على الصعيد الشعبي فقد قامت العديد من المؤسسات الأهلية الأردنية التي تعمل للقدس ومنها المؤتمر الإسلامي العام لبيت المقدس في عمان، وجمعيات عديدة منها : جمعية حماية القدس، ويوم القدس، ومنتدى بيت المقدس، وجمعية القدس الخيرية، هذا إضافة الى مؤسسة التعاون التي تقوم بأعمالها داخل البلدة القديمة في القدس، في توثيق وصيانة هذه المعالم.
كما يجب التنويه الى التعاون بين المملكة الأردنية الهاشمية واليونسكو بشان القدس وقيام لجنة التراث العالمي، بعد احتلال السلطات الإسرائيلية لشرقي القدس، في الخامس من يونيو حزيران عام 1967م، وعلى إثر قيامها بالهدم والمصادرة للمعالم التاريخية الإسلامية المجاورة للمسجد الأقصى المبارك، أصدرت هيئة الأمم المتحدة قراراً رقم 2253 بتاريخ 14/7/1967م نص على ما يلي :
إن هيئة الأمم معنية جداً بالتغييرات التي طرأت على القدس بعد الاحتلال، ومحاولة إسرائيل تغيير معالم القدس، ولهذا فهي تطلب من الحكومة الإسرائيلية الآتي :
1- إلغاء جميع التغييرات التي نفذتها حكومة إسرائيل.
2- عدم قيام إسرائيل بإجراء أي تغيير في القدس.
وقد أكدت هيئة الأمم المتحدة هذا القرار مراراً وتكراراً، إلا أن إسرائيل أهملته ورفضت تنفيذه كعادتها في رفض القرارات التي لا تعجبها، ولا تجد من يجبرها على تنفيذها، بما في ذلك النداء الدولي الذي وجهته اليونسكو إلى إسرائيل في عام 1968م، من خلال المؤتمر العام لليونسكو كي تحافظ على التراث الثقافي للقدس وتمتنع عن أية عملية من عمليات الحفريات.
إذاً التبعات والخسائر كبيرة على قرار فك الإرتباط الأردني والذي لايقل خطورة عن فك الإرتباط الإسرائيلي وهذا يؤكد قصور الوعي العربي وعلى أعلى المستويات حين أتخذ القرار وبمباركة القمم العربية لدعم قرار فك الإرتباط الأردني لصالح منظمة التحرير على أمل الخروج من مفاوضات أوسلوا بإتفاق يقضي بقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف فقررت الأردن إستجابة للضغوط وعلى مضض التخلي عن المهام التي كانت تقوم بها ونقلت إستحقاقاتها الى منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تقم بالدور المطلوب كدولة لحماية المقدسات بل كانت ومازالت منظمة تعمل على المقاومة الشعبية وإن إرتقت الى مستوى سلطة وطنية برأسين عاجزة عن إتخاذ قرار واحد يجمع عليه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية عوضاً عن قرار تنسيقي عربي واحد يجمع عليه الشعب في الضفتين.
وأخيراً، فليكن الأردن أكبر من كل الخلافات، وليكن محضن العرب كما نسمع دائماً، ووفياً لأبنائه ولقضايا أمته، وقلعة عصية على الاستخدام أو بوابة لتمرير طلبات الآخرين بل عليها أن تعمل على تحقيق الحلم الخاص بالإتحاد الكونفدرالي الى واقع ملموس رغم التأكيدات المختلفة على غياب الامكانية الواقعية لأية وحدة كونفدرالية بين الأردن وفلسطين.
مصطفى الغريب
التعليقات