هل يمكن تصور مستقبل منطقة الشرق الأوسط في يوم النطق بالحكم على صدام حسين و سبعة من أركان نظامه في قضية الدجيل ؟ لا شك أن الحكم على صدام، أيا كان نتيجته، يشكل لحظة تاريخية، يمكن أن يلخص في ثناياه و حيثياته عذابات عانى منها، و مهانات تعرض لها الشعب العراقي على إمتداد عقود سوداوية من الزمن. و هي إذا كانت تخص بالدرجة الأولى حاكماً ظالماً أذاق شعبه الويلات، فإنها بدرجة أخرى تشكل فرصة للتأمل لشعوب المنطقة برمتها، لأن مآسي الشعوب تتشاب في صورها و أشكالها مهما إختلف إسماء مرتكبيها.
بلدة الدجيل التي لا تبعد عن بغداد كثيراً كانت على موعد في عام 1982 مع إحدى حلقات الرعب و التنكيل، في مسلسل سياسات النظام السابق التي لم تنتهي طوال سنوات حكمه عن ممارسة أبشع الجرائم ضد الإنسانية، لم تسلم منه حتى الأرض الخضراء و الحيوانات المعتاشة عليها.


في عام 1982 كان صدام مع حاشيته متجها الى الموصل، و عند مرور موكبه ببلدة الدجيل تعرض لوابل من الرصاص من إتجاه البساتين المطلة على الطريق. على إثر العملية التي زعم فيها تعرض صدام لمحاولة الإغتيال تم تطويق البلدة من قبل أجهزة الأمن و المخابرات، وجرى قصفها بالمروحيات، فضلا عن إعتقال المئات من المواطنين في البلدة و إحتجازهم في دائرة الأمن في الدجيل، شهادة الشهود أشارت الى عمليات تعذيب فظيعة تعرض لها المعتقلون و أدت الى وفاة 148 منهم.
و في سياق سياسة العقاب الجماعي أقدمت السلطات العراقية في وقتها بأمر من صدام حسين شخصيا ً على تجريف البساتين و تحويل البلدة الى منطقة مستهدفة أمنياً و إعتبار كل من يسكن فيها من القروين و أهالي البلدة في عداد أعداء الثورة و القائد المغوار..!


بلدة دجيل معروفة بأغلبية شيعية، و بنشاط ملحوظ من قبل حزب الدعوة الإسلامي. هذان الوصفان للبلدة كانتا كفيلتان إثر حدوث واقعة الدجيل أن تجعل مواطنيها يرون النجوم في وضح النهار على يد السلطات البعثية،التي لم تتوان عن القيام بكل ما في المستطاع من أساليب القمع و التنكيل، لكي تشفي غليل صدام.


و صدام نفسه إعترف في أثناء سير المحاكمة عن مسؤوليته كرئيس للدولة عن تجريف بسلاتين الفلاحين، و كشفت الوثائق المقدمة من قبل هيئة الإدعاء عن دوره المباشر في محنة تعذيب المعتقلين و مقتلهم، لهذا فإن كل الدلائل و المعطيات القانونية و الجنائية تشير الى تورط صدام و أعوانه في محنة و مظلمة بلدة الدجيل و أهاليها، و بالقياس الى حجم التورط الفظيع و الجرائم التي ترتبت عليها، فإنه من المؤكد أن تحكم هيئة القضاة على صدام على الأقل بالإعدام شنقاً. و إذا أفترض من الآن عشية يوم النطق بالحكم أن نفكر في المكان الأمثل لشنق الديكتاتور، فإنني أعتقد أن الساحة التي سقط فيها تمثال صدام في 9 أبريل 2003 هو المكان الأنسب لإتمام إنهاء مرحلة برمتها من ذاكرة الشعب العراقي.


لهذا من المناسب في هذا السياق التركيز على دلالات المحاكمة و نتيجتها على مستقبل العراقيين في ظل الظروف الصعبة التي يمرون بها في هذه الأيام و ضرورة تطويع كل ما يترتب عن هذه المحاكمة و غيرها من القضايا الأخرى لصالح إرادة التغيير و المضي قدماً صوب تحقيق الآمن و الإستقرار في العراق.
و بإنتظار يوم الحكم النهائي على صدام و أعوانه ليس لنا سوى أن نقدم كل العزاء الى أهالي الدجيل في فقدان إعزائهم و نرجو لهم الصبر و السلوان و نقول لهم بفم مملوء : إنتصرتم على صدام مهما كانت النتيجة، و هذه هي حكمة التاريخ في النهاية، مهما طالت محنة المظلومين على الأرض.

زيور العمر