الرّد على( مشروع بيكر ) المشبوه هو الاصرار على تطبيع الاوضاع في كركوك

لم يكن غريبا او مفاجئا ما جاء في تقرير جيمس بيكر وبالاخص فيما يخص احدى اكثر الملفات العراقية -الكوردية الساخنة وهو ملف كركوك , اضافة الى الملفات الاخرى التي تخص الشأن الكوردي كمبدأ الفيدرالية ولا مركزية الدولة, وخاصة ان الاستراتيجية الامريكية ومنذ ما سمي بعملية تحرير العراق وتأسيس شرق اوسط جديد, لم ُتشِر لا من قريب او من بعيد الى اية استحقاقات عراقية او اقليمية او دولية واجبة التنفيذ حيال القضية الكوردية التي تشكل احدى اهم القضايا الساخنة في المنطقة لشعب من اربعين مليون نسمة, مجزء الوطن مهضوم الحقوق , سواء في الجزء الواقع ضمن خارطة العراق الحالية او حتى الاجزاء الاخرى التي تقع ضمن ما تسمى بالدولة التركية او الجمهورية (الاسلامية) الايرانية اوالدولة السورية والنظامين الاخيرين( الايراني والسوري )تناصبان العداء العلني لامريكا وهما وحسب التعريف الامريكي اكثر الدول التي تراعي الارهاب الدولي وتغذيانها بكل امكانيتهما في مسعاهما لعرقلة نشر الديمقراطية والسلام في المنطقة , وبدلا من تركيز الجهود في اقناع او اجبار هذه الانظمة الديكتاتورية والفاشية في تطبيق المعايير الدولية لحقوق الانسان التي تتشدق بها امريكا ليل نهار , فالقيادات الامريكية تفعل العكس تماما , اي تحاول ترويض الضحية لمصحة الجلاد, واثناء لقاءاتها المتكررة بالقادة الكورد سواءا في بغداد او اربيل او واشنطن لم تدخر جهدا في محاولاتها المستمرة بالضغط عليها اوبالايماءة لها بابداء التعاون والتنسيق سواء فيما يتعلق بترتيب البيت العراقي وعلى حساب المصالح الكوردية العليا احيانا او فيما يتعلق بتنفيذ الاجندة التركية المعلنة في (القضاء) على عناصر حزب العمال الكوردستاني التي اضطرّت ان تكون لها بعض التواجد في جبال قنديل, كآخر ملجأ لها تفاديا لحملات الابادة والتطويق التي تعاضدت جهود الدولة التركية الفاشية وجهود الحكومة الايرانية( الاسلامية) المشتركة الاهداف والمقاصد في تنفيذ مخططهم الشرير بالقضاء على الحركة الكوردية المتنامية في البلدين المحتلين لارض كوردستان, على الرغم من كل ما ابداه ويبديه الحزب المذكور من مرونة واضحة نحو طرح مشاريع المبادرات الوحيدة الجانب المتعددة في محاولاتها لفتح آفاق ممكنة وواقعية لحل القضية الكوردية في الاقليم الشمالي لكوردستان سلميا وديمقراطيا , ومنها تبديل اسمه وحتى بعض اهدافه السابقة التي اتسمت بالعنف وبعض التطرف,وكان الهدف الامريكي واضحا في دعم ومساندة المحاولات الخبيثة والعنصرية لجنرالات انقرة(رغم رفضهم المشاركة في الحملة الامريكية لتحرير العراق), وعلى حساب القضية الكوردية المشروعة لعشرين مليون كوردي يعيشون في ما تسمى بالدولة التركية ويفتتقدون الى ابسط الحقوق المنصوص عليها في كل المواثيق الدولية.

ان استمرار القيادات الكوردية في سياسة المهادنة والرضوخ للسياسات الامريكية ومن جانب واحد دون اخذ مصالح شعب كوردستان ومطاليبه المشروعة بعين الاعتبار , ومن ضمنها تجاوز المحن التي خلفها نظام صدام العنصري وبالاخص فيما يخص قضية كركوك, لأمر يدعو الى الاستغراب والتساؤل الى حد الشك في مصداقية القيادات الكوردية في السعي والنضال من اجل قضية كركوك, والتي هي في حقيقتها القضية المركزية لشعب كوردستان برمته في المرحلة الحالية , ان على القيادات الكوردية ان تصّر اكثر وخاصة مع الجانب الامريكي على تنفيذ واجبه تجاه الكورد و تثمينا لمواقفها الجريئة ابان الاطاحة بالنظام البعثي البائد وتقديرا للتضحيات الجسام بل والمخاطر الكبيرة التي غامرت القيادات الكوردية بها على حساب أمن ووجود شعب كوردستان اثناء حملة ما سمي( بتحرير العراق) والتي كانت مخاوف تداعياتها وخطورة ما كان يمتلكها النظام السابق من اسلحة دمار شامل مما جعلت حتى الادارة الامريكية رغم كل احتياطاتها ان تحسب لها الف حساب قبل الشروع في دخول الحرب ضد صدام, والتي قد ترددت بل و رفضت العديد من دول المنطقة حتى من اقرب حلفاء امريكا الدخول في ذلك التحالف خوفا على شعوبها ومصالحها الحيوية مما قد تصيبها من شظايا الحرب ودمارها ,وكان على الامريكان ان يقدروا عاليا التضحيات العظام لشعب كوردستان في تلك الظروف العصيبة التي مرّت على المنطقة وهي مستمرة لحد اليوم, و لا يزال شعبنا الكوردي يدفع ثمنها بالدماء الغالية لابناءها في مدن كركوك والموصل وديالى وبشكل يومي وهو يواجه ويتصدى للارهاب و ويتحمل بشجاعة معادات اساطينه ورموزه ومسانديه و من اطراف محلية واقليمية معروفة والتي تقف ضد المشروع الامريكي في المنطقة.

ان القيادات الكوردية بابدائها المرونة والتساهل تجاه الامريكان هي التي شجعت الاخيرة على اعتبارهم (في الجيب) كما يقول المثل وبالتالي عدم ايلاء اية اهمية بما يطرحون او يطالبون, على العكس من الاطراف التي قاومتهم بقوة السلاح والتي هي التي تحضى اليوم باهتمام بل وتقدير الطرف الامريكي الذي يبدو انه يحترم من يعارضه ويستخف بمن يتساهل معه.

لقد آن الاوان ان تظهر القيادات الكوردية بعض الجّدية والاصرار على عدم التفريط بحقوق شعب كوردستان المشروعة ليفهم المقابل الامريكي والعراقي ايضا ان لا واجبات مفروضة دون حقوق مضمونة , وليس هناك تضحيات يومية بالمجان بدون مقابل , وان الاستمرار في دعم المشروع الامريكي ليس بدون استحقاقات متقابلة وخاصة ان هذه الاستحقاقات تتعلق بحياة ومعانات مئات الآلاف من اهلنا سكان كركوك المشردين منذ عدة عقود ,وان عدم التشديد على ضرورة نيل هذه الحقوق وباسرع وقت ممكن ستضع هذه القيادات امام التساؤل والحيرة من قبل جماهير شعب كوردستان, وتجعلها تبحث عن الاسباب الحقيقية الكامنة وراءهذه السياسات المرنة بل والمائعة تجاه الامريكان,مما ستفقدها بالضرورة ثقة ودعم الشعب الكوردي المظلوم الذي اوصل هذه القيادات الى ما هي عليه الآن بتضحياته الجسام ونضاله الدموي الدؤوب وصبره الجميل لاكثر من نصف قرن من الزمان.

ان الواجب القومي وتحديات المرحلة والتي باتت خياراتها محدودة زمانيا وظرفيا تحتم على القيادات الكوردية ان تتخذ اجراءات جريئة محسوبة العواقب, وان افضل هذه الخيارات تلك التي تتعلق بحل مشكلة كركوك الان, هي التمسك والاصرار على تطبيع الاوضاع في كركوك , والخطوة الاولى التي لا تقبل اية تاجيل او تسويف او تردد هي وضع الدولة العراقية والتي على رأسها( رئيس) كوردي !!!!!!! والحكومة التي( نائب رئيس وزرائها) كوردي!!!! امام الامر الواقع , اما اصدار قرار وزاري فوري باعادة الوحدات الادارية المقتطعة من جسد مدينة كركوك الى سابق عهدها اقضية (جمجمال وكلار وطوز وكفري) والتي لا تتطلب تخصيصات مالية او تتسبب باشكالات تؤدي الى (نشوب حرب اهلية) كما جاء في تقرير (جيمس بيكر) الامريكي المحتوى والتركي الجوهر, لان اغلب سكان كركوك وبالاخص كوردها وتركمانها قد تضررت من تلك القرارات الظالمة التي اصدرها نظام البعث البائد في فصل هذه الوحدات عن جسد المحافظة, ولا يمكن لاية جهة كانت وتحت اية ذريعة الاعتراض على ذلك باي حال من الاحوال فضلا عن كونها بندا من بنود الدستور العراقي, وحتى لو اعترضت بدفع من الجهات الاقليمية المشبوهة فان حججها ستكون واهية وباهتة..... او الانسحاب من الدولة العراقية والحكومة الحالية والعودة الى كوردستان..... هذا هو الرّد الواقعي الشجاع على كل ما يحاك ضد الكورد عراقيا واقليميا ودوليا من مؤامرات ودسائس, وان عدم تلبية هذا المطلب البسيط والتي جاءت ضمن آلية حل مشكلة كركوك ووفقا للدستور , سيفضح حقيقة نوايا الجميع في عدم الرغبة لحل القضية باي شكل من الاشكال لا الآن ولا مستقبلا.... ترى هل ستتجرأ القيادات الكوردية ان تنفذ هذا المطلب ولا سيما انها قد تجرأت اليوم ولاول مرة في تأريخها في رفض مشروع بيكر الامريكي جملة وتفصيلا وهو بحد ذاته امر مشجع, ولكن الكلام وحده لا يجدي نفعا لو لم يتبعه فعل ملموس , واذا كانت القيادات الكوردية غير قادرة على تنفيذ ذلك فما معنى وجودها في بغداد اذن, ,الا يكون دورها كدور القيادات الشكلية الهزيلة التي نصبها الديكتاتور صدام لتمثل الشعب الكوردي!!! في ارفع منصب قيادي بعد رئيس الجمهورية آنذاك (منصب نائب رئيس الجمهورية,والتي اناطها لطه محي الدين معروف), والذي كما كان يتندر به البعض حينما ذهب اليه احد اقرباءه من السليمانية مناشدا رفع غبن اصابه, فرّد عليه (نائب رئيس الجمهورية) الكوردي بانه سيحاول ان يتوسط لدى احد عرفاء الشرطة ليحل له المشكلة!!!!!!! وهل يتوجب علينا نحن كورد كركوك ان نتوجه الى مسؤلينا الكورد في بغداد , ليوسطوا بدورهم احد المدراء العامين في وزارة الداخلية مثلا لاصدرا امر باعادة الوحدات الادارية المقتطعة عن كركوك اليها ثانية !!!!!!.

صفوت جلال الجباري
[email protected]