قتل الأطفال الأشقاء الثلاثة في غزة، وقتل مرافق والدهم وإصابة آخرين بجراح جريمة تقشعر لها الأبدان، وتعطي إشارات واضحة على مدى الفلتان الأمني الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية المحتلة وخصوصاً قطاع غزة.

قبل حوالي أربعة عقود صاح شاعرنا الكبير محمود درويش ساخراً من قتلة الأطفال قائلاً :quot; مرحى لسفاح الطفولة quot; فبماذا سنصيح في وجوه قتلة الأطفال من أبناء جلدتنا، هؤلاء القتلة الذين يتثقفون ثقافة عمياء حاقدة تولد حقداً أعمى يبيح لهم القتل لتحقيق أهداف سياسية ضيقة، وأكثر ما نخشاه أن يكون القتلة يتسترون خلف مفاهيم دينية والدين منها براء،

وإذا ما ادعى القتلة المجرمون بأن هدفهم كان والد الأطفال العقيد بهاء بعلوشة الضابط في المخابرات الفلسطينية فإن هذا الادعاء هو العذر الأقبح من الذنب بعينه.


إن الاغتيال السياسي مرفوض كلياً حتى بين الأعداء، فما بالكم إذا ما كان بين أبناء الشعب الواحد؟؟ ولسنا بحاجة إلى التذكير بأن الاغتيال السياسي سلاح ذو حّين، وهو مرفوض في جميع الحالات مرفوض أخلاقياً وسياسياً ودينياً وانسانيا، وهو الوصفة الجاهزة للحرب الأهلية التي لا يتمناها الاّ الأعداء.
قبل حوالي أربعة عقود صاح شاعرنا الكبير محمود درويش ساخراً من قتلة الأطفال قائلاً :quot; مرحى لسفاح الطفولة quot; فبماذا سنصيح في وجوه قتلة الأطفال من أبناء جلدتنا، هؤلاء القتلة الذين يتثقفون ثقافة عمياء حاقدة تولد حقداً أعمى يبيح لهم القتل لتحقيق أهداف سياسية ضيقة، وأكثر ما نخشاه أن يكون القتلة يتسترون خلف مفاهيم دينية والدين منها براء، وإذا كانوا كذلك فإن بشاعة جريمتهم تكون مزدوجة، كونهم يقتلون النفس التي حرّم الله قتلها، وكونهم يسيئون للدين الحنيف، فالرسول الأعظم صلوات الله عليه اعتبر هدم الكعبة المشرفة - وهي أقدس مقدسات المسلمين- حجراً حجراً أهون من قتل امرئ مسلم، فما بالكم إذا كان الضحايا أطفالاً لا ذنب لهم، وهو صلوات الله عليه القائل : quot; من قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً quot; والاغتيال السياسي مع بشاعته الإجرامية ناتج عن ضيق الأفق، وعن عمى سياسي لا مبرر له، وهو يدلل على عدم قبول الرأي والرأي الآخر، وشعبنا شعب الشهداء الذي عرف التعددية في ساحات النضال، هو الأجدر باستيعاب التعددية في العمل السياسي، وفي مؤسساته الرسمية والشعبية.


إن هذه الجريمة على بشاعتها ما كانت لتحدث لو أنه تمت ملاحقة المجرمين الذين مارسوا الاغتيالات السياسية عشرات المرات سابقاً خصوصاً في قطاع غزة، واستهدفت ضباطاً في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وما السكوت على القتلة إلا مشاركة بشكل وآخر في هذه الجرائم المستنكرة. من هنا فإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ووزارة الداخلية تحديداً مطالبة أكثر من السابق بملاحقة القتلة والقبض عليهم، وتقديمهم للقضاء العادل لينالوا العقاب الذي يستحقونه،وليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه بالإقدام على هكذا أعمال، وإذا ما أثبتت الوقائع وقوف جهات سياسية، أو قيادات سياسية وراء هذه الاغتيالات فإن هذا يعني أننا أمام كارثة تدميرية سيكون وقودها الشعب الفلسطيني والوطن الفلسطيني.


وإذا ما كان القتلة قد مارسوا جريمتهم بشكل فردي فإننا أمام تساؤل كبير حول فوضى السلاح، وحول تعددية هذا السلاح، وحول جدوى هذا السلاح، وحول من يزود هؤلاء القتلة بالسلاح؟
فيا للعار عندما يستهدف القتلة الأطفال طلبة المدارس، وعندما يطلقون نيرانهم الحاقدة في الشوارع المكتظة بالمارة، أو في ساحات المدارس.
إن القوى الوطنية والإسلامية أمام تحد كبير للجم هذا الانفلات الأمني الذي بات تهديداً حقيقياً لأرواح المواطنين الآمنين، فهل يتنادوا لوضع حدّ لهذه الظاهرة الخطيرة؟ وهل سيعاد النظر في أهلية من يحملون الأسلحة؟ وهل سترفع التنظيمات حمايتها لبعض عناصرها الذين يرتكبون مثل هكذا جرائم، وتسلمهم للقضاء، أم أن ذلك سيبقى مجرد صرخة في صحراء قاحلة؟ وهذا ما سنرى الإجابة عليه في الأيام القادمة.

جميل السلحوت