بات البعض ممن يوصفون باللهجة العراقية { شعيط ومعيط } من الذين جرفهم التيار الذي ضرب العراق واحدث شرخاً في عمقه الحضاري والتأريخي والقومي، باتُ يطلون علينا بقاماتهم متباهين بمظهرهم
لقد دفع بالعراقيين في حروب لا هدف لها سوى الهلاك فبدل ان يقاد العراق الى حياة هادئة ينعم فيها العراقيون بالأمان والخيرات،قاده الى محرقة الموت، وهنا نؤكد ان مسؤولية ما لحق بالعراقيين يتحملها صدام شخصيا ولوحده فقط وفقط لا غير! |
وهل هناك عاقل أقر بان التغيير المفاجئ الذي حدث في العراق كان ناجحاً ومنصفاً، اوليس الذي جاء واحتل سلطة الحكم لم يظهر لنا ولا موقف واحد يدل على دفاعه عن سلامة وحدة الشعب، اوليس انقسام العراقيون الى طوائف ومذاهب متقاتلة وبروز الحقد والثأر ليحل محل الألفة والمحبة كانت بسبب مناهجه الطائفية، لكن الأغرب والعجيب في الأمر ان الحاكمين الجدد وهم قابعين في القبو الأخضر يطلّون علينا بالتناوب وعبر وسائل الإعلام معلنين اخلاصهم وتألمهم وحزنهم على ما يحصل في العراق وكأنهم كضيوف بينهم مغتربون يزورون العراق للسياحة لا اكثر ولا اقل، اما الأعجب فهو ذلك المؤمن الذي يدعي تبنيه الديمقراطية والإيمانية في آن واحد، فيعلن ان الجرائم والعنف الطائفي والقتل على الهوية وسرقة الأموال كلها من تدبير مصدر واحد وهو جيش المهدي، الى جانب تكتل { الملحدين والكافرين من اعضاء حزب البعث مع تنظيم القاعدة }.
في زيارته الأخيرة الى اميركا التقى السيد عبد العزيز الحكيم بالسيد بوش وقد تباحثا حول الوضع المتدهور في العراق، حيث وضع الحكومة العراقية قي مأزق وطني نتيجة تزايد اعمال العنف الطائفي، وإنتشار الفساد الإداري، كما ان اميركا اعترفت هي الأخرى بتزايد خسائرها، والغريب في الأمر ان يتفق السيد بوش والسيد الحكيم في تصريحاتهم اللاحقة على ان العنف في العراق ينحصر في مجموعة معينة وان مصدره واحد وهو جيش المهدي، الى جانب مجاميع تنظيم القاعدة وحزب البعث الذي يضم افرادا من الجيش العراقي السابق وازلام صدام، في حين ان الواقع على الأرض يشير الى ان العنف في العراق سببه اطراف عدة، منها ما هو صادر من بعض افراد من قوات الإحتلال والأخر وهو القسم الأعظم صادر من ميليشيات تابعة لكتل مشاركة ومتنفذة في السلطة ومنها بالطبع يأتي جيش المهدي، كما لا يخفى على احد وجود عددا من المجرمين العاديين الذين هربوا من السجون ابان فوضى الحرب...فلماذا تبرئ ساحة الأحزاب التي تمتلك ميليشيات منفلتة ذات طابع طائفي وغير وطني قد تشكل اكثر خطرا على مستقبل التحالف الوطني للعراقيين.
ان استهداف تيار او ميليشيا او حزب معين واتهامه لوحده بتورطه في اعمال العنف الطائفي الحاصل اليوم في العراقي غير دقيق وتجني على الحقيقة.
ان المسؤولين عن كل ما يحدث في العراق وبشكل اساسي هم الأحزاب المشاركة في الحكم وميليشياتها من الشمال الى الجنوب، وان اغفال دور الحكومة وعدم قيامها بالتحقيق والبحث عن الجهات والميليشيات الغير منضبطة والتي تقوم باعمال تخريبية واجرامية كاغتيال العلماء واساتذة الجامعات والضباط وخاصة الطيارين والفنانين والصحفيين واختطاف واغتصاب الطالبات، وقتل رجال الدين من المسلمين والمسيحيين وارغامهم بترك منازلهم او هجرة وطنهم، فان اغفال ذلك والسكوت عنه يدل على وجود نفس طائفي في السلطة يسعى لتغليب طرف على آخر ويتبنى ترسيخ عقيدة الطائفية، وهذا السلوك سيؤدي في الأخر الى التقسيم الطائفي والى اعادة شعب العراق الى عصور الأمية والتخلف والجهالة والصراعات القبلية.
اليست الحكومة والتي تعمل باسناد امريكي مسؤولة عن سلامة وحدة الشعب وحماية ثروته.
ولقول الحقيقة نؤكد ان التأريخ لن يرحم اعداء الحياة والبشرية، ولذلك نضع امام السادة قادة المعارضة من الذين احتظنتهم ودعمتهم اميركا لصالحها وسهلت لهم الطريق للوصول لحكم العراق بعد ان اسقطت نظام صدام سنة 2003.....
فنقول لهم ان العراق وشعبه وقبل استحواذ صدام حسين على السلطة سنة 1979 كان يعيش حياة مستقرة وآمنة تحت سلطة القانون ويملك اقتصادا متطورا وقويا وجهازا تربويا وتعليميا عال المستوى وجهاز أمن وشرطة وجيشا مدربا وطنيا وشجاعا شهد له العالم باسره حتى ان منظمة اليونيسيف اثنت على جهود العراق ونشاطه في مجال التربية والتعليم ورعاية الأسرة والطفولة ومحو الأمية...فقد كان العراق منذ 1968 لغاية 1979 ناشطا ضمن المجتمع الدولي ومساهما في بناء وتطوير مؤسساته وعلى كل الأصعدة، كما لا يخفى على احد ان الدينار العراقي قبل استحواذ صدام على السلطة كان يعادل اكثر من ثلاث دولات، بمعنى ان القدرة الشرائية للمواطن العراقي كانت جيدة وفي مسيرة تصاعدية!
كما نشير بامانة ان ما تحقق في العراق من أمن وتطور كان سببه التنوع والتحابب المذهبي والطائفي حيث كان سمة يتميز بها المجتمع العراقي،كما كان يوصف بشعب الحضارات، ان الدولة العراقية لم تؤسس على اساس طائفي طيلة مسيرتها بل على العكس فقد كان يتواجد في كل مفاصلها الوظيفية المدنية والعسكرية المسلم والمسيحي والصابئي واليزيدي بمختلف مذاهبهم وقومياتهم، وكانوا يعملون بجد واخلاص كخلية النحل يتقاسمون العيش بالتساوي ومشاركين في السراء والضراء، ولا يتميز احدهم على الأخر سوى بمدى أمانته وحسن أداءه، كما ان العراق كدولة وشعب وفي تلك الفترة كان اكثر أمانا وانضباطا من كثير من الدول والسبب لكونه يمتلك قضاء وقانونا عادلين.
لكننا وما زلنا نقول الحقيقة...ان ادارة العراق انحرفت عن مسارها الطبيعي فحين استلم صدام زمام الزعامة في العراق سنة 1979 تعمقت في عهده أزمة المشاكل مع جيرانه فكان من الممكن حلها بالطرق السياسية والدبلوماسية وبروح المسؤولية في سبيل ابعاد الشعب عن المآسي، فلو كان صدام ذا عقلية سياسية متطورة تضع مصلحة العراق وشعبه وصيانة منجزاته ومكتسباته فوق اي اعتبار لما اقحم العراق في حروب طاحنة راح ضحيتها مئات الالاف، لكنه تبين انه غير ذلك ولم يستطع التخلي عن بدويته وعصبيته القبلية مما اضعف قدرته على تحليل لعبة اميركا السياسية في المنطقة... فسرعته في اتخاذ قرار الوقوف بوجه مشروع الخميني لتصدير ثورته الإسلامية الى المنطقة العربية من خلال بوابة العراق كان خطأ فادحاً، فاشعل الحرب مع ايران والتي حصدت مئات الالوف من القتلى والجرحى والمعاقين من كلا الطرفين...وبعد انتهاء الحرب لم يتعظ سيدنا صدام من اخطائه، فقد اعتقد انه انتصر على قبيلة ايران فاقام الإحتفال { بهلهلة البنادق } كما كانوا الأقدمين يحتفلون اثناء غزواتهم، فبالرغم من معرفة الكثيرين انه تلقى دعما امريكيا مباشرا في هذه الحرب، لكنه توجه لغزو الكويت بدون اي اسناد عسكري عربي او دعم دولي، { وسيبقى سر تورطه واسباب غزوه للكويت غامضا }.
لقد دفع بالعراقيين في حروب لا هدف لها سوى الهلاك فبدل ان يقاد العراق الى حياة هادئة ينعم فيها العراقيون بالأمان والخيرات،قاده الى محرقة الموت، وهنا نؤكد ان مسؤولية ما لحق بالعراقيين يتحملها صدام شخصيا ولوحده فقط وفقط لا غير!
وبعد هذه المقدمة والقاءنا الضوء على اخطاء صدام وسوء استخدامه للسلطة وعدم قدرته وحنكته في حل الأزمات والتي كان بالإمكان حلها خاصة مشاكله مع جيرانه.... فنقول.... هل يعقل ان يُستبدل الزعيم صدام حسين ليحل محله زعماء اكثر اخطاءا وفسادا وعنفا.
ومهما يكن فان المستفيدين من اسقاط نظام صدام كثيرين لكن أهمهم هي ايران فالحرب على العراق اتاحت لها الفرصة لإنعاش مشروعها القديم في تصدير الثورة الى جانب اعادة التذكير بالحرب العراقية الإيرانية والإنتقام من الشعب العراقي من خلال زج ميليشياتها ومخابراتها داخل العراق والتعاون مع بعض العراقيين المتنفذين ممن فقدوا التوازن بسبب شعورهم بالتهميش ايام حكم صدام فاستغلوا الفرصة للعبث بامن العراق وتغيير ثقافته العلمية والأجتماعية، ان الفلتان الأمني الحاصل اليوم في العراق لا يتحمله تكتل معين انما يتحمله جميع المشاركين في السلطة من الذين يمتلكون جيوشا من الميليشيات الطائفية الغير منضبطة، وبما ان السلطة الحالية غير قادرة على حماية العراقيين من الموت المحتم، ولعودة الإستقرار للوطن نعيد ما يكرره الوطنيون العراقيون من اجراءات من الممكن الإستعانة بها اذا ما توفرت حسن النية لجميع الأطراف، كما ندعوا اميركا لتسهيل ذلك ودعمه عبر وسائلها!!
اولا..قيام الجامعة العربية بالتدخل لمعالجة الوضع المتدهور في العراق وإطْلاع مجلس الأمن على المستجدات، والطلب بمراجعة كل ما يتعلق بالشأن العراقي لإتخاذ ما يراه مناسبا لإعادة العراق الى سابق وضعه القانوني الطبيعي..... فالوقت ما زال ملائما.
ثانيا..حل الحكومة وايقاف العمل بالدستور وبالقوانين التي استحدثت وبضمنها الغاء كل الهيئات والمؤسسات التي اسست بعد اسقاط النظام، وتشكيل حكومة طوارئ مؤقتة لتسيير شؤون البلد لحين الدعوة لعقد مؤتمر تحضره شخصيات معروفة مستقلة للتحضير لإجراء انتخاب برلمان عراقي جديد على اساس ترشيح فردي وليس على اساس قوائم تقدمها الأحزاب السياسية والدينية كما حصل في السابق، على ان يكون المرشحين من اصول عراقية ومن سكنة العراق حصريا، ومعروفين بتوجهاتهم الديمقراطية الرافضة للتغليب الطائفي او العنصري.
ثالثا.. تشكيل لجنة من اعضاء البرلمان المنتخب ومن اصحاب الكفاءات لإعادة النظر بالدستور والقوانين التي اعقبته وبما يؤمن وحدة اراضي ومصالح الشعب العراقي كافة.
رابعا.. وهو الأهم ضرورة تسخير وسائل الإعلام العراقية الرسمية والمدنية لنشر ثقافة التسامح ومد يد الأخوة والمحبة وصفاء النية ونسيان الماضي لكل من لم تتلطخ يداه بدماء العراقيين وفتح صفحة جديدة من الأمل والعمل الصادق لخدمة كل الشعب العراقي، والغاء كل المظاهر الإعلامية ذات التوجه الطائفي والمذهبي والتوجه لإشاعة ثقافة جديدة مبنية على اساس لا اكراه في الدين وان { الدين لله والوطن للجميع }.
واذا ما ارادت القوى السياسية الفاعلة في العراق التوجه لإحلال السلام والإستقرار، فعليها مجتمعة ايصال الرسالة الى الرئاسة الأمريكية لتتفهم خطورة الوضع العراقي وخصوصيته، وبان الحل الأمثل لإنقاذ العراق وشعبه والمنطقة من الفوضى والإقتتال الطائفي القائم، هو ما اشرنا اليه اعلاه.... والله من وراء القصد!
ادورد ميرزا
اكاديمي مستقل
التعليقات