الجزء الرابع: جماعة quot;الحجّيquot; وجماعة quot;الالوسيquot;!

سمعت اصوات خارج الغرفة لم استطع تمييزها لبعد المسافة بيننا فضلا عن الصدى الذي يكاد يملأ الدار بالكامل اضافة الى صوت مذياع تبين لي فيما بعد انه quot;ستلايتquot; ينقل القنوات العربية والاجنبية على حد سواء. مااثار فضولي هو ستارة فخمة كانت تغطي شباك عريض كان هو الوحيد في تلك الغرفة الواسعة، سألت نفسي كم يبعد الباب الخارجي عن تلك الشباك؟! نهضت لالقي نظرة ولو سريعة قبل قدوم اي احد ففاجأني quot;ابو سلامquot; باقتحام الغرفة وهو يحمل في يديه كوبا من الشاي؟! كانت نظراتي تؤكد له بانني كنت اهم بالاقتراب من الشباك خصوصا وانه وجدني قد تحركت من مكاني الذي من المفترض الا افارقه حتى يُسمح لي بذلك! لم يسألني ولكنه قال لي quot;لاتفكر باي شئ يخرجك من هذه الغرفة فالشباك محكم الاغلاق من الخارج والداخل معاquot;! فأجبته quot;لست احاول الهروب ولكن برودة الغرفة حملتني على النهوض لاكتسب بعض الدفءquot;. رد بقوله: ايا كان الامر، ثم استدرك قائلا: هل تعلم انني خريج علم نفس؟! حقيقة صدمني ولم اتوقع منه هذه المعلومة لسبب بسيط هو كيف يتسنى لشخص متعلم كهذا ان ينخرط في عمليات ارهابية وعصابات خطف واعمال شنيعة كهذه؟! يبدو انه قد قرأ ماتبادر الى ذهني فأضاف quot;كما قلت لك نحن مقاومة ولسنا ارهابيينquot;. طلب مني شرب الشاي ووعدني بانه سيعود لي ببطانية وفراش يقيني بعض البرد. أخذت الشاي بيدين نصف مرتعشتين، فالبرد وجهل المصير كانا مشتركين في الارتعاش هذا. ماهي الا ثوان معدودات حتى عاد بما وعد، فوجدني على حالي واقفا كمن ينتظر تقرير مصيره اللحظة. وضع بما جاء به على الارض وهمّ راجعا فاستوقفته. بصراحة وجدته متجاوبا ومتعلما ربما يفهمني اكثر من غيره فسألته: لماذا انا وماذا ستفعلون بي؟! تبسم ضاحكا ورد بقوله: وهل تتوقع مني معرفة جواب هذا؟ فأجبته: من المفترض انك شخص متعلّم ويُفترض بك معرفة الشئ والاحاطة به قبل الاقدام على فعله! أطرق برأسه وكأنني قد لامست جرحا عميقا فأجابني وهو يجر حسرة ونفس عميق quot;اييييييه، يبدو انك من كوكب اخرquot; وخرج يهز بيديه ويتمتم بكلمات لم اميّزها.

لم أشأ ان اشرب الشاي الذي احضره لي لسببين الاول لان الحالة التي امر بها لاتساعد على امتلاك اية شهية ولو كان ذلك كوب من الماء اما السبب الاخر فهو جهلي بما يحويه هذا الشاي. وبومضة سريعة اسقطت من حساباتي السبب الثاني لعلمي الاكيد بانهم قادرين على فعل مايريدون بي من دون الحاجة الى وضع سم او خلافه في الشاي. اما السبب الاول فقد تغلبت عليه برودة الغرفة وحاجتي الى الدفء فأحتسيته كله. هذا فضلا عن حاجتي الى التفكير الجدي للخلاص من تلك quot;الورطةquot; بطريقة لاتكلفني حياتي، فيبدو ان الامر محبوك ومخطط له وليس مجرد حظ عاثر او سوء حظ كما ظننت في السابق. وانا في غمرة ترتيب افكاري التي بدأت ارتّبها وفق الحال التي امر بها وتحضير بعض الاجوبة عن الاسئلة التي اتوقع ان تُطرح عليّ، واذا بي اسمع صياح عال خارج الغرفة يرافقه وقع اقدام عسكر وسحب اقسام سلاح! لم اميّز الاّ صوتا واحدا اظنه صوت ابو سلام وهو يرحّب بمن قدم بقوله quot;اهلا حجّي، حيّاك اللهquot;! استبشرت خيرا وحمدت الله فقد بانت بوادر الفرج، هكذا ظننت؟!

لم يدخل quot;الحجّيquot; غرفتي كما توقعته بينما ساد البيت هدوء غريب وصمت رهيب لفترة ليست بالطويلة تبعه ضحك مصحوب بقرقعة quot;استكاناتquot; شاي وكأن المجموعة لم تلتقي لفترة طويلة وان وقت السمر قد حان. عادت فوضى تتابع الاقدام وسحب الاقسام وعم البيت هرج ومرج تبعها سكون كسره دخول quot;ابو سلامquot; عليّ. بادرته بالسؤال عن quot;الحجيquot;، فردّ وابتسامة تشد شدقيه جانبا quot;الحجي يقول انه سيعود في الليلquot;؟! كان هذا الرد كالصاعقة الى رأسي فذلك يعني بالنسبة لي ان شهادة وفاتي قد وُقّعت على يدي هذا الارهابي، وان قدومه وخروجه ليس له الا تفسيرا واحدا وهو اصدار امر تصفيتي وان quot;الجماعةquot; قد احتفلوا للتو بهذه المراسيم؟! طلبت من quot;ابو سلامquot; ان يسمح لي بالخروج الى الحمّام فطلب مني الانتظار ريثما يعود! لحظات عاد بعدها لياخذني الى الحمّام. لم انتبه الى السبب الذي دعاه لذلك الخروج والعودة من جديد الا بعد حين حيث بدأت احلّل الاشياء واربط بعضها ببعض حينما سلّمت بالامر الواقع واقتنعت بانه يتوجب علي تكييف نفسي واستثمار الحوادث لصالحي. الشئ الذي اثار انتباهي هو دخول quot;ابو سلامquot; علي من دون سلاح طوال مدة مكوثي! حلّلته وتبين صدق ماذهبت اليه فيما بعد. كلما دخل علي quot;ابو سلامquot; الغرفة يبدو ان هنالك من يقف في صالة الدار متأهب لاي مفاجأة! اما دخوله منزوع السلاح فكان زيادة في الاحتراز تحسبا لفرضية انقضاضي عليه وانتزاع السلاح منه، حينها ستحل الكارثة! دخلت الحمّام الذي كان ذا طراز غربي ونظيف جدا ولكنه كان خاليا من المرآة التي يبدو انها قد أُزيلت قبل فترة قليلة حيث بقي اثرها من دون معالجة. حتى الان لم اعرف السبب ولم اجد لذلك العمل تفسيرا!

خرجت من الحمّام الذي لم يكن في بابه قفل -على غير العادة طبعا- فرمقت الصالة التي كانت متوسطة المساحة يتوسطها quot;طقمquot; فاخر موجه الى جهة تلفاز متوسط الشاشة يتقدم شباك تغطيه ستارة رئاسية ويعلوه quot;دشquot; يظهر قناة الجزيرة القطرية! لم يكن في تلك الصالة الا شخص واحد بدا وكأنه غير مكترث لوجودي فلم يلتفت نحوي ولكن احسست بانه متأهب جدا لاي طارئ! أدخلني quot;ابو سلامquot; السجن من جديد فطلبت منه وهو يهم بالمغادرة مصلّى فوقت صلاة الظهر قد حان. حرّك سجّاني حاجبيه استغرابا من طلبي فأتبعته بقولي quot;خير خو ماكو شئquot;؟ فرد عليّ بقوله quot;هذي اول مرة اسمع فيها واحد من جماعة الالوسي يصلّيquot;؟! هذه الجملة اوحت لي بالكثير الكثير فقد كانت لي مفتاح خلاصي فيما بعد فضلا عن انها كانت برأيي سبب اختطافي. اضافة الى ذلك فقد ألمحت لي تلك الجملة بان quot;الحجّيquot; وجماعته يملكون عني معلومات ناقصة وغير كافية ماخلا بعض السياسية منها!

الجزء الثالث

رياض الحسيني

كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل

www.riyad.bravehost.com