أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأشجب وأستنكر، وأدعو الله أن يذل ويحط من شأن كل من يحاول الإساءة إلى الإسلام والمسلمين، ويحاول النيل من رموزهم المطهرة.. هذه البداية حتى لا يتهمني أحد بالكفر والعياذ بالله، أو العلمانية عليها لعنة الله، أو العمالة للغرب وهي التهمة الجاهزة للالتصاق بكل من يفتح فمه من عباد الله..
يحق لنا أن نرى هذه الأيام أمة الإسلام ثائرة، ودماء مواطنيها في حالة من الغليان، وبلدانها تموج بالغضب الشعبي الذي وصل إلى حد الفوران، والدعوات تأتي من هنا ومن هناك لمقاطعة البضائع الدانمركية والنرويجية، ويتسابق الجميع للظهور كأبطال في المعركة الدائرة رحاها بين المسلمين والعرب من جهة والدانمركيين ومن والاهم من الجهة المقابلة.
ومن خلال الثورة العارمة التي عمت البلدان الإسلامية، تروج تجارة الشعارات التي يتهافت على شراؤها المسلمون فتصدق مقولة مصائب قوم عند قوم فوائد، فبلداننا كباقي بلدان العالم، كلما وجد فيها الثوار وجد في المقابل من يبيع أدوات الثورة التي تشعل في الأوطان النار.
وفي الحالة الدنمركية انتشرت الملصقات والأعلام الصغيرة التي كُتب عليها عبارات مثل: نحن فداؤك يا محمد، ولا إله إلا الله ومحمد رسول الله، ويلف الشبان المسلمون في بعض البلدان رؤوسهم ورقابهم بكوفيات تحمل نفس الشعارات ويخرجون إلى الشوارع في مظاهرات، وهم على كل حال عاطلون عن العمل ولن يضيرهم في شيء أن يعقدوا المؤتمرات التي يكيلون فيها للدنمرك أقسى وأقوى العبارات.
ولا تترك الفضائيات العربية هذه الفرصة السانحة لصب الزيت على النار لتظل هذه المادة الإعلامية طازجة ومتأججة لأطول فترة ممكنة استقطاباً لأكبر قدر من التغطية التي يتخللها بالطبع زيادة في حركة الإعلانات، التي تثمر فوائد كثيرة تعود على الفضائية ومن يمتلكها ومن يديرها بالثروات!!
ولا ننسى الإشارة إلى شحذ واستنفار جميع الحناجر للهتاف، وللسباب، وللقتال السهل المريح من خلال الشعارات التي تولد كبيرة ثم مع الوقت تتلاشى حتى تذروها الريح، مثلها في ذلك كالشعارات العربية التي لا تشبع ولا تغني من جوع والتي أشهرها على الإطلاق شعار: بالروح بالدم نفديك يا... (أي شيء وكل شيء..) فهذا الشعار تحت الطلب، ويمتاز بالمرونة والقابلية للاستعمال في جميع المناسبات.
وقبل أن أكمل كلامي عن الحالة الحالية، سأسمح لنفسي بتذكير الأمة العربية والإسلامية الثائرة بشيء من الماضي القريب ألا وهو المقاطعة العربية التي استمرت عشرات السنين للشركات العالمية التي كانت تتعامل بلدانها وحكوماتها مع إسرائيل؟؟ كما سأجازف وأتساءل عن النتيجة التي حصلنا عليها من جراء تلك المقاطعة؟؟ وأكاد أن أجزم أنها كانت لا شيء يذكر.. مهما قيل فيها وعنها، والواقع الحالي يثبت كم كنا مخطئين عندما لجئنا لتلك الوسائل الغير مدروسة والتي كان اللجوء إليها نتاجاً طبيعياً للصراع ما بين الحناجر والعقول، وكانت الغلبة فيه بلا جدال للحنجرة العربية العظمى.
فالشركات التي تمت مقاطعتها كانت تقوم بوضع حاجز من زجاج في مصانعها يقسم المصنع إلى قسمين، قسم ينتج السلع التي تذهب لإسرائيل، والآخر ينتج نفس السلعة بنفس المواصفات ولكن باختلاف واحد فقط هو منح السلعة أسماً جديداً وإرسالها لعالمنا العربي الذكي لإشباع رغبته الجامحة في المقاطعة. هكذا كان يتم الالتفاف على سلاح المقاطعة، وكم كان فشلنا باهراً في استخدام هذا السلاح!!
يتعجب المرء من كمية الأخطاء التي تُرتكب في العالم العربي والإسلامي، ويزداد العجب عندما لا نجد من يتعلم من تلك الأخطاء، فنكرر اليوم ما قمنا به بالأمس، رغم أن النتيجة في الحالتين ليست في صالحنا، لكننا لا نحاول البحث عن أسلوب آخر، لماذا؟؟ لأن العقلاء في أوطاننا، إما غير موجودين، أو منزوون في ركن بعيد عن صراخ الحناجر دون أن يحاولوا إنتاج وسائل مجابهة ننقذ بها كل ما هو غالٍ ونفيس؟؟
وهنا لديّ سؤالاً بريئاً أخشى من عواقبه، وهو: أيهما أفضل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هل الصراع مع من يسيئون إليه بالحناجر أفضل أم مجابهتهم بالعقول؟؟ والصراع بالحناجر يسفر عن مقاطعة البضائع كما حدث الآن، إلى أن تتقلى الأمة الإسلامية والعربية اعتذاراً هشاً نعود بعده بكل همة ونشاط إلى التهام المنتجات التي كنا نقاطعها.
أما الصراع بالعقول فهو أن نعمل على إنتاج بضائع بدلاً من البضائع التي نقاطع البلدان التي تنتجها، ونتمكن من خلال ذلك أن نوفر لأنفسنا الاكتفاء الذي يجعلنا أقوياء. فأيهما أفضل للثأر لنبينا عليه صلوات الله وسلامه؟؟ هل من مجيب؟؟ إن المقاطعة ذات أثرا مؤقتا من السهل تداركه والالتفاف عليه، أما الاستغناء التام عن الغير وما ينتجه، فهي الضربة القاضية التي نستطيع أن نوجهها إلى من يهيننا، وبذلك ننتصر عليه.
فلو أن الأموال الطائلة التي تم صرفها على إدارة معركة المقاطعة العربية لإسرائيل قد تم استغلالها في بناء المصانع وتشييد بنية اقتصادية كبيرة لكانت بلداننا الآن ضمن البلدان المحترمة التي يخشى الآخرون الإساءة إليها وما تمكنت صحيفة حقيرة أو صحفي تافه أن يهزأ من رسول الإسلام الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
ولكن هذا بكل أسف وحزن لم يحدث ولا يبدو على المدى المنظور أن شعوبنا ستتمكن من تغيير واقعها طالما أن الحناجر هي التي تقود وتسيطر على العقول. وطالما بقينا كذلك، فإننا نسمح للآخرين أن يجروننا إلى حروب يحددون هم أماكنها وأوقاتها، وإذا كان سلاح المقاطعة الاقتصادية للبضائع والمنتجات يبدو ظاهرياً أنه ملك أيدينا، وإذا كان يبدو من خلال إدارة معارك الغضب أنه قد يكون فعالاً وفقاً لما توحي به الحنجرة العربية ndash; مع أن هذا على غير الواقع ndash; فأخشى أن أقول أنه قد يأتي يوماً ينقلب فيه هذا السلاح علينا عندما يُقرر الآخرون استخدامه ضدنا، فمن الصعب عليهم أن يغيروا من طبائعهم المستمدة من حضارتهم وثقافتهم، ولكن من السهل جداً أن يمتنعوا عن إمدادنا باحتياجاتنا من مقومات الحياة وسوف يجدوا أسواقاً كثيرة حول العالم تستقبل منتجاتهم غير السوق العربي والإسلامي.
فهل نفيق ونعمل على أن نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع؟ وهل تتمكن العقول العربية من الانتصار على الحناجر القوية التي تعيق تقدمنا بما تُصدره من أصوات عالية لا تخيف الأعداء بقدر ما تسبب لنا العناء. إذا لم نتمكن من ذلك.. فليس أمامي إلا أن أدعوكم إلى البكاء.

عادل الجوهري